هذه الرسالة وصلتني من قارئ كتب أمام اسمه : عبد الحميد محمود ، لا أعرف إن كان اسم وزير أو وكيل وزارة ، يرد على مقالي أمس بعنوان "وزارة الأوقاف في خدمة الإرهاب" ، وكتب في رسالته يقول : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته تعقيبا على مقال وزارة الأوقاف، فإني أختلف معك في طرحك. وبغض النظر عن شخصية الوزير وانتماءاته السياسية والفكرية - فهذا أمر يرجع إليه وإلى قناعاته الفكرية التي سيحاسب عليها أمام الله - فأرى أنه مضطر لذلك. ولكي أدلل على كلامي، اذهب إلى أقرب محافظة من القاهرة - المنوفية مثلا - وهي مشهورة بكثرة المتعلمين وارتفاع نسبة المثقفين وادخل أي مسجد في أي قرية وصل الجمعة وأنا على يقين - لأن هذا الواقع الذي أعيشه منذ خمس وثلاثين سنة - أنك ستجد ألف عذر للوزير مما ستسمعه من غثاء لا علاقة له بالدين ولا باللغة العربية من أناس ينتمون للأسف لعمامة الأزهر. مستوى الخطباء في الحضيض بدرجة لا يمكن تصورها. أنا قرأت الخطب الإرشادية على موقع الوزارة وأراها ممتازة جدا جدا مقارنة بالهراء الذي صك آذان المسلمين ولا ضير في إمساك ورقة والتحدث منها فقد كان الإمام أحمد بن حنبل لا يتكلم إلا من كتاب حتى إنه إذا مر بآية كان يفتح المصحف ويقرأها من المصحف وهو إمام الدنيا. فلما عوتب في ذلك، قال: أريد أن أمتع بصري بالنظر في المصحف. يا أستاذ جمال: أنت رجل مثقف وصاحب قلم ولكن هناك مجموعة من الأفكار النمطية التي سيطرت على عقولنا وأراك تحاربها ولكنك في الوقت ذاته وقعت فيها عندما تصورت أن توحيد الخطبة سيعني السيطرة الأمنية على المساجد. رجاء الاطلاع على الخطب الإرشادية التي على موقع الوزارة وأراها ممتازة من وجهة نظري المتواضعة ولا علاقة لها بالسيطرة الأمنية من قريب أو بعيد، وهذا الأمن – مع أخطاءه – ليس أمن تل أبيب ولا واشنطن وإنما هو الأمن المصري وهم مسلمون لا يحاربون الدين ولا يعادونه وإذا وصلت إليهم الدعوة بطريقة نبوية محمدية، فهم في النهاية من أمة الإجابة التي أمر الله الدعاة بأن يدعوهم بالحكمة والموعظة الحسنة. أما إطلاق يد الخطيب لكي يبدع ويفكر، فيا أخي جمال أنت تتحدث عن وهم. أما الحقيقة فهم شرذمة من الموظفين مهضومي الحقوق المادية وليسوا على أي قدر من التدين على المستوى الشخصي وليسوا حملة رسالة في الغالب وإنما هم مستفيدون من الزي الأزهري. أخرج مائة جنيه ل 90% من خطباء الأزهر الحاليين وخصوصا كبار السن منهم وسوف يلعق حذاءك. وأنت تطالب بإطلاق الحرية لهؤلاء الذين لا يذهبون لمساجدهم إلا يوم الجمعة وبعضهم يستأجر خطيبا من الباطن ب 50 جنيها للخطبة بحيث يحصل الخطيب من الباطن على 200 جنيه شهريا ويبتلع الخطيب الرسمي باقي الراتب بالسم الهاري دون الذهاب إلى المسجد. هذه ليست مبالغات ولكنها واقع معاش وفي جعبتي آلاف القصص المبكية والمضحكة في آن واحد عن سلوكيات وأخطاء وخطايا "راكبي المنبر" ولن يلجم هؤلاء إلا الالتزام بخطبة مكتوبة أعدها علماء الأوقاف وهي - لعمري - خطب جيدة ونافعة والله على ما أقول شهيد. فقط كلف نفسك بإلقاء نظرة عليها وقارنها بالواقع الكئيب المر وستجد أن هذا أفضل حل الآن. فإذا أخرج لنا جيل جديد من خطباء الأزهر فعلا، فلا بد من إطلاق أيديهم في الدعوة. أما هذا الجيل الموجود الآن، فيكفي تحقيرا له أنه حتى لم يكلف بإعداد الخطبة لأنه لن يستطيع وليس لذلك بأهل. نقطة أخيرة: كان الدكتور حمدي زقزوق من أفضل وزراء الأوقاف في الفترة الماضية. وأصدر قرارا بربط المكافئات بتسميع الخطباء للقرآن لأن غالبية الخطباء لا يحفظون القرآن. اضطر خطباء الأوقاف للذهاب إلى شيخ لي من أفضل مائة شيخ في مصر في علوم القرآن والقراءات وكان يعطي إجازات ببعض القراءات. وعندما بدأوا التسميع، لاحظ أنهم لا يدرون شيئا عن أحكام التجويد. وأقسم بالله تعالى أنهم ما استطاعوا اجتياز اختبار وضعه لهم في قراءة سورة الفاتحة وبعضهم أخطأ فيها سبعة أخطاء منها أخطاء في التشكيل الذي يغير المعنى. ثم تأتي وتطالب بإطلاق حرية الإبداع لهؤلاء؟ أرجو نشر ردي وتعقيبي على مقالك تبيانا للحق وردا على هذه الشبهة التي أثرتها مع العلم أنني خطيب متطوع دون أجر إلا من الله تعالى لأني لست أزهريا وقد أصدرت الوزارة قرارا بحرماني من ارتقاء المنابر ولكن اختلافي معهم لا يمنعني من شهادة الحق "ولا يجرمنكم شنئان قوم على ألا تعدلوا. اعدلوا هو أقرب للتقوى" والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته انتهت رسالة القارئ "المتعاطف مع الوزارة التي يقول أنها فصلته ظلما" ، وكثير من تشخيصه لحالة الدعاة صحيح والناس تعرفه ، ولا جديد فيه ، ولكن الأصح أن هذا هو خطأ وخطيئة الدولة نفسها التي فشلت في إعداد الدعاة والخطباء بفعل الفساد وتسييس كل شيء على حساب المصلحة الوطنية والدينية ، وتريد من الناس أن يتحملوا نتيجة خطأها ، كما أن مصر لا تخلوا من الدعاة الموهوبين والمميزين ، ولكن التزلف السياسي من وزير الأوقاف الحالي جعله يستبعد الكفاءات في الخطابة والدعوة والعلم لأنهم "مش على المزاج" الرسمي ، أو لأن بينه وبينهم خصومة شخصية أو مرارات قديمة ، وهناك آلاف من الأئمة الأكفاء تم استبعادهم ليأتي مكانهم بالجهلة الذين تشير إليهم ، تزلفا من السلطة على حساب دين الله والدعوة إلى الخير ، بل هناك أساتذة في جامعة الأزهر تم استبعادهم من الخطابة لكي يخلي مكانهم لهؤلاء التلاميذ الجهلة والمسطحين الذين حولوا صلاة الجمعة إلى كابوس نفسي ثقيل على الناس ، ثم تريد منا أن نشكر الوزير على هذا الإنجاز ؟! ، وأما موضوع الأمن والشرطة وأنهم مسلمون ومن أبناء الوطن وليسوا من تل أبيب فهذا خلط للكلام والأمور والتخصصات ، الضابط ضابط والمخبر مخبر والداعية داعية ، وكل منهم يتم إعداده نفسيا وذهنيا وسلوكيا وفكريا وفق احتياجات محددة ودور وظيفي محدد ، المخبر لا تقاس كفاءته بمدى تدينه ، والداعية لا تقاس كفاءته بمدى تلصصه على الناس وكتابة التقارير الأمنية عن زملائه وعن رواد مسجده ، ثم أنت أخي الكريم تشير إلى أن وزير الأوقاف استبعدك عن المنبر والخطابة ، وطبعا وضع مكانك أحد هؤلاء الجهلة الذين يضلون الناس بغير علم ، هل يمكن أن تشرح لنا سبب استبعاده لك ، هل قمت بسرقة منبر أو انتهاك حرمة في دين أو دنيا ، أم أنه لخلافات سياسية أو حتى شخصية ، وأنا مندهش من استشهادك بسيرة الإمام أحمد بن حنبل وأنه كان يقرأ من ورقة ، يا أخي لا بأس أن تقرأ من ورقة أو من موبايل ، لكن أن يكون الكلام من رأسك وضميرك الديني ولم يمله عليك شرطي أو مسئول ، هل كان أحمد ابن حنبل يخطب من ورقة أسلها له حرس الأمير ، ابن حنبل هذا لو كان في زماننا لمنعه محمد مختار جمعة من ارتقاء المنابر ، أحمد بن حنبل هذا دخل السجن وعذب وهو في شيبته لرفضه التسليم برأي الخليفة في مسألة دينية ، ابن حنبل هذا لو كان في زماننا فأغلب الظن سيكون مقامه في سجن مزرعة طرة مع الشيخ محمود شعبان . هل عرفت الآن ، من الذي أهان المنابر ، ومن الذي أساء للدعوة ، ومن الذي صدر الجهلة والمتسلقين والفاسدين في مجال الدعوة فصنع فراغا دينيا في المجتمع تستغله جماعات التشدد والإرهاب لاستقطاب الشباب الساخط ، وهل علمت الآن من الذي يتسبب في تهديد حقيقي للأمن القومي للوطن ، وهل استوعبت معنى التحذير من "الصديق الجاهل" .