هل ستعيد تركيا علاقاتها مع مصر؟! بدأ هذا السؤال يتردد بشكل لافت منذ ما يزيد عن أسبوع.. ولعله طُرح على خلفية إعادة "أنقرة" علاقاتها مع كل من "موسكو" و"تل أبيب".. حيث انتعشت الآمال، باحتمال دخول القاهرة على خط المصالحة. ومن المتابعة، تخطت الأخبار والتقارير محطة التساؤل، وبدأ الكلام عن عودة العلاقات، ينحو منحى ينقل صورة تشير إلى أن التطبيع يطرق أبواب العاصمتين بحزمة إجراءات جادة وحقيقية.. فيما لا يعرف أحد حتى الآن على أي سند يقيني يمكن أن يعتمد عليه في هذه المسألة. لا يوجد "سند" إلا تصريحات أدلى بها رئيس الوزراء التركي "بن علي يلدريم"، لقناة "تي آر تي" التركية الرسمية، يوم 28 يونيو الماضي، عبّر خلالها عن عدم ممانعة أنقرة من إعادة علاقتها الاقتصادية مع مصر، مع بقاء الموقف التركي تجاه بيان الثالث من يوليو 2013 بوصفه "انقلابًا عسكريًا". وهذه وحدها "معضلة": إذ كيف توفق بين التطبيع وبين عدم الاعتراف بشرعية نظام 3 يوليو في مصر؟!.. وهل يمكن أن يقبل المصريون بهذا العرض التركي؟! في تقديري أن عرض "يلدريم" صعّب من الموقف، ويعيده إلى النقطة صفر.. لأنه شرط يتجاوز الإذعان إلى تعمد الإهانة، والتي بطبيعة الحال لن تقبلها القاهرة. قد يعتقد البعض أن ما بين مصر وتركيا.. هو أقل بكثير مما كان بين الأخيرة وروسيا وإسرائيل، فما بين الثلاثة علاقات ثأر ودم وتعدٍ على السيادة الوطنية.. ومع ذلك قفزت العواصم الثلاث على كل ذلك، وانتصرت لغة المصالح في النهاية.. فلم لا ينسحب هذا الحال على المسار المصري التركي، رغم أنه نظريًا الأيسر والأقل تكلفة بحسب رؤية البعض. وفي تقديري أنه عكس ذلك تمامًا، فما بين القاهرة "السيساوية" وأنقرة "الأردوغانية".. صعوبات مفصلية وحادة وشديدة الخطورة على مستقبل النظامين السياسيين في هذين البلدين.. فهما نموذجان متضادان ولا تجمعهما أية قواسم مشتركة.. ومع ذلك فإن موقف القاهرة هو الأسهل؛ لأنها ليس لديها أي مانع من تطبيع العلاقات مع تركيا، فهي في النهاية التي ستخرج منتصرة وبمكاسب أكبر: الاعتراف بشرعية السيسي من جهة، وإنهاء ما تبقى من تهديد إخواني من جهة أخرى.. وفي المقابل فإن أردوغان اتخذ مواقف متشددة إزاء الإطاحة بالرئيس الأسبق محمد مرسي، وقاد حملة عالمية للحيلولة دون تطبيع العواصمالغربية الكبرى مع النظام الذي جاء بعده، لأنه بحسب أردوغان قد يشجع جنرالات تركيا على استنساخ التجربة المصرية ضد الحكم الإخواني.. والإطاحة به وبحزبه من على السلطة. وهي هواجس ومخاوف مشروعة ويمكن تفهمها، خاصة في تركيا، التي لم يمر وقت طويل على تعافيها من الانقلابات العسكرية. في تقديري أن مصر ليس لديها مشكلة مع الأتراك.. وأن المشكلة كلها عند أردوغان.. وسيظل التطبيع بين الدولتين مرهونًا بقدرة الرئيس التركي على الثبات.. وهو رهان مشكوك فيه.. لأن إطالة القطيعة بينهما، ضد أي منطق.. وتوقع يقينا أن أردوغان حاليًا، مشغول فعلًا في البحث عن مخرج والتوفيق بين موقفه السياسي ومصالح بلاده مع مصر. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.