عرفت الدكتور ياسر عطية الصعيدى أستاذ الدراسات الإسلامية فى كلية الآداب جامعة المنوفية،وأنا فى مرحلة الطلب فى كلية الآداب جامعة المنيا وكان فى مرحلة الدراسات العليا يعد لرسالته للماجستير، وكان صاحب خلق جم ومتواضعا إلى أقصى حد، وكنت باستمرار أتجاذب معه أطراف الحديث فى قضايا أدبية وفكرية سواء أثناء وجوده الشبه الدائم فى مكتبة الكلية أو فى مكتبه بالقسم، ثم واصل دراسته فحصل على الماجستير ثم سافر إلى أسبانيا، وحصل بعد ذلك على الدكتوراه فى الدراسات الإسلامية فى رسالة بعنوان "توجيه المتشابه في القرآن الكريم .. دراسة في ملاك التأويل لابن الزبير الأندلسي" وهذه الدراسة تعنى بمؤلَّف مهم من مؤلفات متشابه القرآن اللفظي، هو كتاب: "ملاك التأويل" للإمام أحمد بن إبراهيم بن الزبير الثقفي الغرناطي (ت: 708ه). (المصريون) التقته ليسرد ذكرياته مع شهر الرحمة فى الطفولة فى قرية "بلقينا" بالمحلة الكبرى التى أنجنبت شيخ الإسلام سراج الدين عمر البلقينى وكذلك فى المراحل العمرية، وذكرياته فى الأندلس التى أمضى فيها عامين فى منحة علمية للدراسة فى كلية فقه اللغة جامعة كمبلوتينسي بمدريدأسبانيا وزار فيها معظم المدن الأندلسية والآثار الباقية التى تثير الشجن فى قلب كل إنسان، زار طليلطة وقرطبة وأشبيلية وغرناطة، وما بين مُرسية والمَرِيَّة ومالِقَة وبلد الوليد ووادي الحجارة وغيرها من المدن الأسبانية ذات الأسماء العربية والطابع العربي الإسلامي، أحن دائما إلى زيارة قصر الحمراء بغرناطة ومسجد قرطبة ومدينة الزهراء بها ، وموضوعات أخرى سوف نطالعها فى الحوار التالى: *نشأتم فى المحلة الكبرى كيف تتذكر رمضان فى الطفولة وفى المراحل العمرية الأخرى؟ نشأت في قرية بلقينا مركز المحلة أوائل السبعينات من القرن الماضي، وقت أن عاشت مصرنا الحبيبة فرحة نصر السادس من أكتوبر – العاشر من رمضان ... وكنا وقتها نزهو فرحا بما حققته قواتنا المسلحة من نصر على العدو الصهيوني.. وقتها كانت الحياة بسيطة والناس في قريتنا حالهم كحال معظم القرى في بر مصر المحروسة يعيشون كأنهم أسرة واحدة كبيرة، يعرفون بعضهم فردا فردا والكبير منهم هو جدنا أو عمنا .. وكانت كل البيوت مفتوحة لنا .. ورمضان بالنسبة لنا لم يكن كأي شهر عادي ، بل كان شهر الفرحة والرحمة .. قبله بأيام نجتمع لنرتب كيف سنحتفل به، فنبدأ في إعداد الزينة اليدوية ونتسابق في تعليقها في الشوارع، وما أن يأتي رمضان حتى ننخرط في مسلسل عجيب كأننا ألفنا مشاهده وحفظ كل واحد منا دوره ، فكان يومنا – نحن الصبية الصغار – في رمضان يوما غير عادي مكرر حتى نهاية الشهر الكريم.. كنا لا نحمل للدنيا هما في نهار رمضان .. فبعد الفجر مباشرة نجتمع في ملعب القرية يوميا نلعب الكرة حتى شروق الشمس .... وقبل المغرب بقليل نجتمع أمام المسجد منتظرين الأذان، ونتفنن في اختراع الألعاب البسيطة التي كانت تلهينا هذه السويعات والدقائق حتى أذان المغرب.. ولم يكن هناك مكبرات صوت وقتها للمساجد، بل كان يصعد المؤذن المئذنة ، وما أن نراه حتى نهلل في صوت واحد يرج المكان: " طلع أهو .. نزل أهو" ... وما أن ينطق أول لفظ " الله أكبر " حتى ننطلق مسرعين كل إلى بيته لنلحق الإفطار .. حتى من كان منا مفطرا وهم الغالبية .. وبعد الإفطار نعود مرة أخرى للشارع للعب .. وفي كل ليلة ننظم أنفسنا للمرور على بعض البيوت نطلب منهم الطعام وما لذ من الحلوى التي يعدها كل بيت وقتها .. كالدوكة والكنافة .. ونقف أمام البيت ونزعق في صوت واحد : "هاتوا العادة بتاع رمضان " فتخرج سيدة المنزل وتعطينا ما تقر به عيوننا بحب يشعرك أنها أعدت هذه الأشياء مخصوصا لنا .. ونجمع هذه الحلوى من دوكة وكنافة .. ونقتسمها جميعا في فرحة عارمة .. وبعد أن كبرنا قليلا كان رمضان فرصة عظيمة لسماع تلاوات القرآن الكريم سواء من المذياع قبل المغرب وقبل الفجر أو في الحفلات التي يقيمها أكابر القرية يوميا يستضيفون فيها مشاهير القراء بالمنطقة وكذلك مواعظ العلماء ..
*ماذا تعلمت من القرآن وسيرة المصطفى فى رمضان؟ - أما عن القرآن الكريم فقد كان رمضان فرصة لي وأنا صغير لمراجعته مرات عدة وبخاصة لحفظي للقرآن منذ الصغر واشتهاري بذلك بين أبناء القرية، وكانوا كلما اجتمعت معهم في مكان إما أن يطلبوا مني قراءة بعض آيات القرآن وتقليد أحد المشايخ الشهيرين وبخاصة السيخ محمد علي البنا والسيخ مصطفى إسماعيل رحمهما الله ، أو يطلبوا مني غناء شيء للسيدة أم كلثوم ، وكنت أفرح جدا بذلك .. فقد كنت أحفظ معظم أغانيها وقتها.. لكني كنت أغني لأم كلثوم كأنني قارئ للقرآن فأضع يدي على أذني وأشدوا بأغانيها كالمقرئين .. .. ترك ذلك في نفسي انطباعات جيدة جدا أثرت كل التأثير علي بعد ذلك في توجهي لإتمام حفظ القرآن، وأنتظر رمضان من العام للعام لدخول مسابقات القرآن وما تركت مسابقة للقرآن عرفت بها إلا وكان لي حظ فيها وكنت والحمد لله أحصل على المراكز الأولى دائما، وأثمر ذلك بعد أن صرت شابا أن حصلت على المركز الأول في مسابقة القرآن الكريم المقامة في مهرجان الشباب العربي التاسع بلبنان .. وهذا شجعني أكثر أن أظل لصيقا بالقرآن أستزيد منه ومن تعلمه وعلومه وشغفني بأن أتخصص في الدراسات الإسلامية لأنهل من علوم القرآن المختلفة.. وصرت والحمد لله الآن أستاذا للدراسات الإسلامية فصار القرآن وعلومه سبب رزقي في الدنيا، وأدعو الله أن يكون حجة لي يوم القيامة ..
*أمضيت فى الأندلس بضع سنين كيف تتذكر رمضان فى بلاد الأجداد؟ -أمضيت في مدريدبأسبانيا عامين اثنين في بعثة الإشراف المشترك لدراسة الدكتوراه بجامعة كمبلوتنسي " الجامعة المركزية " بمدريد ، ومن يوم أن وطأت قدمي مدريد حتى قابلتني حفاوة الزملاء الأفاضل المبعوثين قبلي وكذلك أعضاء البعثة المصرية بالمعهد المصري بمدريد فاستقبلوني وأكرموني ومن خلالهم تعرفت على زملاء وأصدقاء جدد، وجاء أول رمضان لي هناك وأنا وسط كوكبة من الأحبة مصريين ومغاربة وجزائريين وسعوديين وسوريين وتوانسة ، بل وبعض الأصدقاء الأسبان، ولا يمر يوم في رمضان إلا ونجتمع على الإفطار سواء على مائدة عامرة عند أحد الزملاء المصريين الذين معهم عائلاتهم .. أو في المعهد المصري مع أفراد البعثة المصرية ، وكثيرا ما كنا نجتمع في المسجد مع إخواننا المغاربة الذين يتفنون في صنع شوربة الحريرة اللذيذة التي نتناولها عند الإفطار ولا نأكل طعام العشاء إلا بعد صلاة التراويح ، وعادة ما يكون الوجبة المغربية الشهيرة " الكسكسي" وبعدها تقام ليال رمضانية جميلة.. لقد أثارت المدن الأندلسية في نفسي الشجون وحركت فيها كوامن الحسرة على ملك أضاعه السابقون .. فما بين طليلطة وقرطبة وأشبيلية وغرناطة، وما بين مُرسية والمَرِيَّة ومالِقَة وبلد الوليد ووادي الحجارة وغيرها من المدن الأسبانية ذات الأسماء العربية والطابع العربي الإسلامي، أحن دائما إلى زيارة قصر الحمراء بغرناطة ومسجد قرطبة ومدينة الزهراء بها .. كما أحن إلى طليطلة وأشبيلية بشوارعهم المرصوفة بالحجارة القديمة وأبواب بيوتاتها القديمة عربية الصنع .. زرت تلك المدن مرات عديدة وفي كل مرة كأنني أزورها لأول مرة يزيد اندهاشي بما أراه من عمارة عجيبة وتراث عربي مجيد .. وقد أحسن الأسبانيون إذ حافظوا على هذه الثروة المجيدة التي تدر عليهم دخلا كبيرا من السياحة كل عام .. *أعمال تعتز بها وأنجزتها فى رمضان؟ -ما مر علي رمضان منذ أن توجهت إلى دراساتي العليا للماجستير إلا وكان لي معه شأن، ففيه تحصل البركة العلمية كما تحصل البركة المادية، وأذكر أنني أول ما اشتغلت بالماجستير بجامعة الإسكندرية سنة 1993م طلب مني أستاذي العلامة أ.د / مصطفى الصاوي الجويني - رحمه الله تعالى وأسكنه فسيح جناته - أن أشتغل بقراءة مخطوط مغربي في تفسير القرآن فاخترت مخطوطا للشيخ الإمام أبي العباس أحمد بن عمار المهدوي ت: 430ه ، وكتابه اسمه: "التحصيل لفوائد التفصيل الجامع لعلوم التنزيل"، وحصلت بالفعل على النسخ المخطوطة منه، بعد صعوبة كبيرة، وكانت كبيرة الحجم، وأحد هذه النسخ بخط مغربي دقيق جدا ، وطلب مني أستاذي – رحمه الله – أن أقرأ هذه النسخ جميعا وأضاهيهيا بعضها مع بعض وأستخرج بعد ذلك منهج المهدوي فيها.. وكان عملا شاقا جدا .. وصادف ذلك الوقت شهر رمضان، فكان دافعا لي لإتمام هذا العمل بفضل الله تعالي في شهر رمضان المبارك ..
*سلبيات تراها فى هذا الشهر الكريم؟ - على الرغم من مزايا وعطايا وهدايا هذا الشهر لكريم لجموع المسلمين إلا أننا نجد بعض المسلمين يفطرون بلا عذر في رمضان ويجهرون بفطرهم، بل ويتفاخرون بذلك.. وكثير من المقاهي تفتح أبوابها في نهار رمضان لروادها ويكركرون الشيشة عيانا بيانا ولا رادع لهم .. - ومن السلبيات كذلك كثرة الفتاوى وبخاصة على صفحات مواقع الفيس بوك وتويتر وغيرها من المواقع الاجتماعية من أناس لا صلة لهم بالفقه ولا بالفتوى .. - ومن السلبيات كذلك اهتمام الناس بالطعام والشراب وإسرافهم فيه إسرافا ملحوظا على عكس ما يدعونا هذا الشهر الكريم .. - ومن السلبيات كذلك استعداد الفضائيات المختلفة بمئات المسلسلات والبرامج الفاسدة المعدة خصيصا لهذا الشهر الكريم وكأنهم يعوضون عن غياب مردة الشياطين، فيستعدون لإلهاء الناس عن العبادة .. والمحزن أن كثيرا من الناس يسقطون في هذا الفخ فيحيون لياليهم في المقاهي والخيم التي يطلقون عليها خيمة رمضانية وهي أبعد ما يكون من رمضان ..
*أمنيات تتمناها على المستوى الشخصي وعلى مستوى الأمة الإسلامية؟ على المستوى الشخصي أدعو الله أن يكرمني بإنهاء مراجعة ترجمة معاني وتفسير القرآن للإسبانية الذي كلفتني به إحدى دور النشر المصرية وفقهم الله .. وأدعو الله سبحانه أن يتقبل مني هذا العمل خالصا لوجهه الكريم. وعلى مستوى أمتنا الإسلامية أدعو الله أن يجمع شتاتنا ويلم شملنا ونعود كما كنا وكما رسم الله لنا، ووصفنا في قرآنه بقوله تعالي: ( كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ) .. .. وأدعو الله كذلك أن يحفظ أمتنا مما يحاك لها، وأن يحفظ بلدنا الحبيبة مصر من كل شر وأن ينعم على أهلها في هذا الشهر الكريم بالتراحم والتواد والتعاطف وأن يجمعنا على كلمة سواء ..