في ما يشبه مراجعات فكرية لأداء التيارات العلمانية في مصر ، ليبرالية ويسارية ، قدم المفكر المصري المعروف الدكتور عمرو حمزاوي اعترافا صريحا بأن تكون العلمانية في مصر صبغها بصبغة الاستبداد والتعالي على المجتمع ، وأن تاريخ العلمانية في مصر يمثل وجها آخر للتحالف مع النظم القمعية والمستبدة ، وأن العلمانيين باعوا قضايا الحريات والديمقراطية لحساب وهم التنوير ومحاربة ظلامية المجتمعات ، حيث كان العلمانيون يخاصمون المجتمع ويؤيدون قمعه سياسيا وثقافيا ودينيا ، معتبرا أن ما حدث في عملية إطاحة الرئيس الأسبق محمد مرسي في 2013 مجرد محطة في هذا الطريق الذي تحالفت فيه العلمانية بجناحيها الليبرالي واليساري مع السلطوية والنظم العسكرية . وأضاف حمزاوي في مقاله الذي نشرته الشروق تحت عنوان "عن ما سبق 2013.. في شرح النزوع السلطوى للنخب العلمانية في مصر" قوله : فى مقابل ارتباطها العضوى بنظام الحكم واستقوائها بالسلطة القائمة، استحضرت النخب العلمانية دوما خوفا وتوجسا مزمنين من المجتمع وعموم الناس. منذ تبلورت المقولات الكبرى للعلمانيين المصريين، والمجتمع يصنف ككيان لا عقلانى ومساحة شاسعة تعمل بها «الظلامية الدينية» و«الأنساق الرجعية» مفاعيلها الهدامة. وبالتبعية، باتت المهمة الرئيسية للدولة وحكامها هى إخراج المجتمع من حالته الرثة وتجاوز لا عقلانيته وظلاميته بمساعدة العلمانيين وعبر نظم التعليم والتنشئة الحديثة. إلى يومنا هذا، لم يتغلب العلمانيون على خوفهم من المجتمع على الرغم من عقلانية وتقدمية المجتمع وفعالياته مقارنة بالدولة وحكامها فى محطات مفصلية كثيرة فى تاريخ مصر الحديث من الحركة العرابية التى قاومت الاحتلال البريطانى وثورة 1919 التى حظيت بتأييد شعبى كاسح والتماسك المجتمعى فى أعقاب هزيمة 1967 وثورة يناير 2011 التى أرادت التخلص من السلطوية واستعادة مضامين العدل والحق والحرية والمساواة. إلى يومنا هذا، لم يزل خوف العلمانيين من المجتمع هو المفسر الأساسى لترويجهم لمقولات غير ديمقراطية بين 2011 و2013 من المطالبة بالتمييز بين الوزن النسبى لأصوات المتعلمين وغير المتعلمين فى الاستفتاءات والاستحقاقات الانتخابية إلى تمرير وثائق مبادئ فوق دستورية لإقرار وضعية الدولة فوق الدولة للمؤسسة العسكرية وتمكينها من التدخل المستمر فى شئون الحكم والسلطة. إلى يومنا هذا، لم يزل خوف العلمانيين من عموم الناس هو محرك قوى لإطلاقهم الأحكام الاستعلائية على تفضيلات الأغلبية السياسية والانتخابية (أساطير الحصول على الأصوات الانتخابية بالسكر والزيت) ولاستعدادهم التحالف مع الاستبداد والسلطوية والانقلاب على الديمقراطية نظير إسكات المواطن وتهجيره من الفضاء العام، نظير إخضاع واستتباع المجتمع اللاعقلانى.