شهد سوق الأسهم البريطاني ومعه العملة المحلية هبوطاً حاداً عقب الاستفتاء التي جاءت نتيجته بفوز معسكر الخروج من الاتحاد الأوربي، لأدنى مستوياته في 31 عاماً، كرد فعل على نتيجة الاستفتاء. وقالت صحيفة الجارديان البريطانية إن مؤشر " فاينانشيال تايمز 100"، تراجع بأكثر من 8% في أول دقائق من عمليات التداول اليوم الجمعة، مسجلا أكبر انخفاض له منذ انهيار مجموعة " ليمان براذرز" المصرفية الأمريكية في العام 2008. وانخفض مؤشر الأسهم الممتازة المدرجة في لندن بمعدل 330 نقطة، أو 5.2%، ليستقر عند 6.007 نقطة في وسط التداولات اليوم، مما يعكس انخفاضات حادة للجنية مع بيع المستثمرين ل الإسترليني على خلفية القلق المتزايد من الآفاق الاقتصادي للمملكة المتحدة. وألقت نتيجة الاستفتاء كذلك بظلالها على سوق شركات البناء، وأسهم البنوك في لندن، حيث لحقتها أكبر الخسائر، فضلاً عن فقدان أسهم شركتي " تايلور ويمبي" و" بيركلي هومز" قرابة 40% من أسهمهما، في حين تراجعت أسهم بنك " باركليز" بنسبة 18%، بالإضافة إلى تراجع مؤشر " فاينانشيال تايمز 250" بنسبة 7.6% ليستقر عند 16.013 نقطة. إلى ذلك أدت استقالة رئيس الوزراء ديفيد كاميرون من منصبه صباح اليوم، إلى عودة الهدوء مجددا إلى الأسواق. وتعهد بنك إنجلترا المركزي بإعادة التوازن إلى الأسواق والاقتصاد الوطني. وقال مارك كارني، محافظ البنك المركزي:" حتما سيكون ثمة فترة عدم يقين وتعديل في أعقاب نتيجة الاستفتاء"، مضيفاً في تصريحات متلفزة:" لكننا مستعدون جيدا لذلك. فالبنك لن يتردد في اتخاذ تدابير إضافية إذا تطلب الأمر لدفع عجلة الاقتصاد." كذلك كانت نتيجة التصويت، نذير شؤم لملاك المنازل التي ارتفعت أسعارها على المدى القصير. وتوقع خبراء العقارات أيضا إمكانية أن يقود انخفاض الجنيه الإسترليني إلى حصول ما أسموه " فقاعة الخروج" في معظم الشركات العاملة في السوق بالنظر إلى أن المملكة المتحدة ستصبح أرخص تكلفة بالنسبة للمستثمرين الأجانب وطالب قادة الأعمال الذين كانوا ضمن المعسكر المؤيد لبقاء بريطانيا في الاتحاد الأوروبي، الحكومة البريطانية بسرعة اتخاذ " إجراءات فورية وواضحة لرأب الصدع الاقتصادي، وطالب قادة الأعمال المؤيدين للبقاء في الاتحاد الأوربي الحكومة بضمان حق مواطني الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي في البقاء بالمملكة المتحدة. وسعى بعض الرؤساء التنفيذيين إلى طمأنة العمال بأن شركاتهم ستتكيف مع الوضع الجديد، لكن أخرين أعربوا عن خيبة أملهم من نتيجة الاستفتاء وحذروا من أنهم قد يضطروا إلى إعادة هيكلة شركاتهم. التداعيات السلبية لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي والمعروف اصطلاحا ب " بريجزيت" لم تقتصر على أسواق الأسهم المحلية في المملكة المتحدة، ولكنها امتدت لتشمل أيضا نظيرتها الأوروبية، إذ هبط المؤشر الرئيسي في ألمانيا بنسبة 7% تقريبا، في حين فقد المؤشر الرئيسي في فرنسا أكثر من 8% من قيمته. وأسيويا، فقدت الأسهم اليابانية 7% من قيمتها، مسجلة أكبر تراجع لها على في يوم منذ وقوع كارثة فوكوشيما في العام 2011. وحذر الخبراء الاقتصاديون من أن تسهم تداعيات الاستفتاء على التجارة والاستثمار في حصول ركود اقتصادي في المملكة المتحدة وامتداد تأثيرات ذلك إلى الاقتصادات المجاورة، ما يعيد إلى الأذهان تحذيرات البنك المركزي البريطاني خلال الحملة التي سبقت الاستفتاء من أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي سيوقع الاقتصاد الوطني في ركود، في حين توقع صندوق النقد الدولي انخفاضا حادا في الأسهم وأسعار المنازل. وقال بيرز هيليير، مدير قطاع الاستثمار في مؤسسة " رويال لندن أسيت مانيجمنت":" على خلفية نتيجة الاستفتاء، نتوقع أن تقع المملكة المتحدة في بئر الركود. ومن سوء الطالع، أرى ظروف سوق غير مستقرة ستستمر لفترة ما بين 3 و 5 أعوام." وأضاف هيليير:" في تقديرنا أن حكومة المملكة المتحدة سُتترك بلا خيارات سوى تحفيز الاقتصاد عبر الإجراءات المالية والنقدية، وإغراق النظام الاقتصادي بالسيولة إذا تطلب الأمر." من جهته، قال صمويل تومبز، كبير الخبراء الاقتصاديين في مؤسسة " بانثيون ماكرو إيكونو ميكس" الاستشارية:" اختار البريطانيون الخروج من الاتحاد الأوروبي، وهو اختيار له تأثيرات اقتصادية ضارة وتداعيات على الصعيد العالمي." ومع ذلك، سلط مارك ليتلوود، المدير العام لمعهد الشؤون الاقتصادية الضوء على الفوائد الاقتصادية المحتملة من خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، بقوله:" تصويت أمس بالانسحاب من الاتحاد الأوروبي يمنح المملكة المتحدة فرصة ذهبية للنظر إلى بقية العالم، واتخاذ منحى عالمي والمضي قدما نحو التجارة الحرة على أساس عالمي، مع الاتحاد الأوروبي وما هو أبعد منه." وصوت الناخبون البريطانيون بنسبة 51.9% لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي الذي انضموا إليه عام 1973. وشهد الاستفتاء الذي نظمته بريطانيا أمس الخميس، نسبة مشاركة كبيرة بلغت 72,2%، وأظهرت نتائجه دولة منقسمة حيث صوتت لندن واسكتلندا وأيرلندا الشمالية لصالح البقاء، فيما صوتت شمال إنكلترا أو ويلز للخروج. وأعلن رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون الذي قاد حملة البقاء لكنه خسر مقامرته عندما دعا للاستفتاء قبل ثلاثة أعوام- عزمه الاستقالة مشيرا إلى أن عملية الخروج من الاتحاد سيقودها رئيس وزراء آخر. فيما أكد الاتحاد الأوروبي تصميمه على الحفاظ على وحدة أعضائه ال27، واعتبرت ألمانيا أن هذا القرار يشكل "يوما حزينا" لأوروبا. وبرغم التهديدات بكارثة اقتصادية كان تحدث عنها المعسكر المؤيد للبقاء في الاتحاد والمؤسسات الدولية، فضل البريطانيون تصديق الوعود باستعادة استقلاليتهم إزاء بروكسل ووقف الهجرة من دول الاتحاد الأوروبي والتي كانت المواضيع الرئيسية في الحملة المضادة. وعند ورود النتائج الأولية، أعرب زعيم حزب الاستقلال البريطاني (يوكيب) المناهض للاتحاد الأوروبي والمهاجرين نايجل فراج عن أنه بدأ "يحلم بمملكة متحدة مستقلة". وحذرت كل المؤسسات الدولية، من صندوق النقد الدولي إلى منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية، من أن خروج بريطانيا سيؤدي إ عواقب سلبية على الأمد البعيد ناهيك عن التبعات الاقتصادية الفورية.