حين قام الرئيس المخلوع حسني مبارك بتخيير المصريين في أكثر من مناسبة ما بين القبول به حاكما أو الفوضى فلم يكن الرجل مازحا أو كاذبا – وهو الكذوب – لأنه يعلم إلى أي مدى من الفزع والترويع من الممكن أن يشيعه في ربوع مصر باستخدام جيش البلطجية الذي تم إعداده لمثل هذه المناسبات. ولو حاولنا أن نفهم لماذا وكيف حدثت مأساة بورسعيد فلا يخفى على أي متابع – ولو من بعيد – للرياضة بشكل عام فسوف يتأكد أن ما حدث في بورسعيد لا يمت بأي صلة لكرة القدم ولا يمكن أن يصدر من أحد مشجعيها مهما بلغت بهم حالة التعصب. إننا مهما اختلفنا حول توقع وتقييم سلوكيات جماهير الكرة فإننا سوف نتفق بكل تأكيد على أن جمهور الفريق الفائز ليس من مصلحته أن يحدث مثل هذا الشغب فضلا عن أن يصدر عنه وهو ما يقودنا لاستبعاد عامل الكرة والتشجيع المتعصب من الأسباب التي أدت لتلك الكارثة. مأساة بورسعيد وقعت بيد طرفين لا ثالث لهما ، الأول هو فلول الحزب الوطني ومساعدو عصابة طرة من رجال أعمال ورياضيين وغيرهم وهم الذين قاموا باستئجار مجموعة الموت التي نفذت عملية بورسعيد. أما الطرف الثاني فهو وبكل أسف من استأمناه على الثورة وتوقعنا منه أن يختم حياته العسكرية بعمل بطولي تتحدث عنه الأجيال ، هذا الطرف قام بالسماح عامدا متعمدا بمخططات المخربين أن ترى النور وتتسبب في هذه الكارثة ، وفيما يلي بعض الخطايا المقصودة التي تمت بمعرفة الطرف الثاني: 1. البطء الشديد إلى حد الاستهبال في محاكمات رموز النظام السابق ليعطيهم الفرصة لطمس الأدلة وتمييع القضية من ناحية ، ومن ناحية أخرى بث سمومهم وتنفيذ وعودهم بإحداث حالة من الفوضى تجعل الشعب يكفر بثورته ويترحم على أيام المخلوع ، ويحرج أية حكومة قادمة ويجعلها عاجزة عن دفع اقتصاد البلاد للأمام ، ولا أستبعد أن يكون ذلك جزءا من اتفاق تم بين مبارك والعسكر. 2. إطلاق سراح العديد من أعوان الفاسدين رغم تورطهم في جرائم واضحة وباعترافات ثابتة مثل زوجة المخلوع وجريمة استيلاءها على قصر العروبة التي اعترفت بها ، ثم تنازلت عنه مقابل إطلاق سراحها، ما أرحمكم يا عسكر!!!!! 3. التغافل عن تطهير أخطر أجهزة الدولة وهو وزارة الداخلية الذي يعشش فيه رؤوس الفتنة الذين تربوا عشرات السنين على الولاء لمبارك وأعوانه والذين لا ينتظر منهم خير على الإطلاق ، بالله عليك ماذا تتوقع أن يصدر عن أفراد جهاز الأمن الوطني ( أمن الدولة سابقا ) ، هل تتوقع أن تتغير عقائدهم بين عشية وضحاها لمجرد تغيير اسم الجهاز؟ 4. عدم الاهتمام بتطهير الرياضة وتركها بأيدي أقطاب من فلول الحزب الوطني ، رغم حساسية هذا الجهاز كونه يتعامل بشكل مباشر مع طائفة كبيرة من الشباب المتحمس بشكل يسهل معه التأثير عليه، ولا ننسى أن سمير زاهر واتحاده كان لعبة في يد مبارك ونجليه يستخدمونه كما يشاؤون ، هذه القيادات وصلتها نذر سابقة بأن المناخ العام في البلد غير مناسب لإقامة دوري كرة قدم ، وما مباراة الأهلي وغزل المحلة منا ببعيد ، بل وسمحوا للتوأم بطل موقعة مباراة الزمالك والأفريقي التونسي بتولي الإدارة الفنية لفريق المصري قبل المباراة الكارثية بأيام. كل ما سبق يدفعنا لأن ننحي جانبا افتراض حسن النية أو قلة الخبرة والدراية ، ويضعنا أمام حقيقة طالما سكتنا عنها وتخطيناها وهي أن المجلس العسكري هو أكبر أعداء الثورة وأشد العاملين على تفريغها من مضمونها ويجب العمل وبشكل عاجل على اتخاذ إجراء سلمي لاستبعاده من المشهد السياسي في أسرع وقت ممكن ، هذا الإجراء يجب أن يعمل عليه أهل الحل والعقد والنظر كي لا يترتب عليه مفسدة أعظم. أريد أن أقول أننا ما زلنا ندفع ثمن الحرية التي ثرنا لأجلها ، فيما يسعى الكثيرون في الداخل والخارج لجعل هذا الثمن باهظا حتى نعجز عن سداده ، ولكنهم يغفلون أن الله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون. وإنا لله وإنا إليه راجعون.