المصائب تتوالى، بينما الاقتراح الوحيد الذي تمكن السيد المشير طنطاوي من طرحه في رد فعله الأولى على مذبحه بورسعيد هو أن يواجه الشعب بعضه بعضا ويحمي نفسه بنفسه. فهو يقول “مين اللي عمل كده؟ ما هو أفراد من الشعب المصري. الشعب المصري ساكت عليهم ليه؟ كله يشترك.” إذن وفقا لوجهة نظر سيادته، عندما يتعرض مشجعي الأهلي لمذبحة في استاد بورسعيد، ليس من المطلوب أن يتدخل رجال الأمن المركزي وقوات الشرطة العسكرية التي كانت مختفية بشكل مريب من مباراة اتفق الجميع على أنها ستكون شديدة السخونة. بل المفترض أن يحمي الشعب بنفسه ويفض هذا الاشتباك عبر مزيد من الاشتباك. لم يرى السيد المشير في آخر المصائب التي شهدناها في عهده منذ أن تولى المسئولية منذ عام أي ضرورة للإقرار بالخطأ او لتحمل المسئولية مباشرة عن أرواح كل الضحايا الأبرياء الذين سقطوا من دون أي مبرر وفي حدث كان من المفترض أن يكون رياضيا في الأساس. بل أكد كما كل أعضاء نفس المدرسة المباركية التي ينتمى لها أن “هذه حوادث ممكن تحصل في أي مكان في العالم، ولن تؤثر على أمن مصر.” بالطبع ما حدث لن يؤثر على أمن مصر لأنه لم يكن يوجد أمن من الأساس منذ أن توليت المسئولية يا سيادة المشير. فقط السذج يصدقون أن ما حدث كان مجرد شغب ملاعب يتزامن بالمصادفة مع نفس يوم ذكرى موقعة الجمل قبل عام، ويتجاهل الثأر التي بات عميقا وبائتا بين قوات الشرطة والجيش من ناحية ومشجعي كرة القدم من الأهلي والزمالك، والذين هم قطاع من شعب تم قمعه وإهانته على مدى عقود. هتافات “يسقط حكم العسكر” و اغنية “يا غراب يا معشش” الموجهة لوزارة الداخلية التي يرددها الالتراس عند بدء المباريات من المؤكد أنها لا تروق للأجهزة الأمنية المتحكمة، وليس من أولوياتها بالطبع حمايتهم. وبالتالي لا يجب أن يكون مذهلا أن نرى جمهور المصري يجتاح الاستاد ليس مرة واحدة فقط، بل عدة مرات وآخرها في أعقاب نهاية المباراة، بينما رجال الأمن المركزي يتفرجون على الكارثة دون أي تدخل، ويزعمون بعد ذلك بدون أي خجل أنه لو كانوا قد قاموا بالتدخل، لكانت الكارثة أكبر. قوات الجيش الباسل حامي الوطن والتي تمكنت من تأمين الانتخابات البرلمانية بشكل كامل على مدى أيام عدة لم نشهد خلالها أي شبح لبلطجي، لم تر أي ضرورة لتكثيف تواجدها في ذلك اليوم المأساوي في بورسعيد رغم كل التحذيرات والشحن الهائل الذي سبق المباراة مما كان يؤكد على وجوب زيادة التواجد الأمني بكثافة، هذا إذا ما كان من الضروري إجراء المباراة من الأساس. ولكن حصر القضية في مراجعة الإجراءات الأمنية فقط هو تفكير قاصر بكل تأكيد. ومن حق الجميع أن يشك في أن موجه جديدة من إشاعة الفوضى والتخريب قد بدأت، ليس على يد أنصار ثورة 25 يناير كما زعم وردد المجلس العسكري قبل الذكرى الأولى للثورة، بل يد نفس الطرف الثالث الخفي الذي أهلكنا به القائمون على إدارة شئون البلاد من المجلس العسكري بدءا بالمشير. الطرف الثالث هو الذي قتل شهداء ماسبيرو وليس مدرعات الجيش التي دهست أجساد الأبرياء، والطرف الثالث هو الذي قتل شهداء محمد محمود وليس أوامر قائد الشرطة العسكرية، وطبعا الطرف الثالث هو الذي قتل ضحايا مجلس الوزراء وأخيرا بورسعيد. لا يوجد فلول، ولا يوجد أنصار للحزب الوطني المخلوع يشعرون بالأسى لأن الظروف لم تعد تسمح لهم بمواصلة السرقة والنهب، ولا يوجد جهاز شرطة وأمن دولة يشعر بشديد الألم لأنه فقد هيبته وأنه قد جاء اليوم الذي سيتم فيه محاسبة ضباطه لأنهم يمارسون العمل العادي في قتل المصريين الأبرياء وتعذيبهم، ولا يوجد جهاز إعلام رسمي يحرض على الثورة والثوار ويكرر نفس الاتهامات التي كان يوجهها نظام مبارك لهم بالعمالة والخيانة وتلقي الأموال من الخارج، ولا يوجد مجلس عسكري يريد الحفاظ على مكاسبه وحقه في الحفاظ على سرية ميزاينته. كله هذه الأطراف أشباح، وليست طرف ثالث. وفي نفس الوقت، وبدلا من أن يساعدنا قادة جماعة الإخوان المسلمين على فهم ما يحدث ومحاسبة المسئولين، فلقد كان أول قرار يصدره رئيس المجلس سعد الكتاتني سرور هو منع إذاعة جلسة مجلس الشعب التي انعقدت الخميس لمناقشة الكارثة والاكتفاء باذاعتها مسجلة بعد ذلك. ولولا المقاومة الشرسة التي أبداها نواب شرفاء لهذا القرار العبثي المهين الغير مفهوم، لكان للكتاتني سرور ما أراد. فقيادة مكتب الإرشاد اصدرت أوامرها لممثلها في البرلمان رئيس مجلس الشعب الكتاتني أن يمنع أي محاولة لافشال الطبخة التي قاموا باعدادها مع قيادة المجلس العسكري، وحرمانهم من ما يروا أنه نصر تاريخي يتقدم به خطوة نحو هدفهم الحقيقي في إقامة ولاية مصر في إطار الخلافة الإسلامية. فهذا هو المهم، “وطز في مصر” طبعا أمام مثل هذا الهدف العظيم كما قال مرشدهم السابق عاكف بك. ولا يجب أن تؤدي مأساة ومجزرة بورسعيد إلى تناسي التطور الخطير الذي شهده محيط مجلس الشعب يوم الثلاثاء عندما حاول الآلاف من ممثلي الأحزاب والائتلافات توصيل مطالبهم للنواب في الداخل وأهمها ضرورة تخلي المجلس العسكري فورا عن السلطة. فقادة الإخوان اصدروا توجيهاتهم لميليشياتهم الشبابية لتشكيل الدروع البشرية لحماية المكاسب التي حققوها في البرلمان، وزعموا كذبا وزورا أن معارضيهم كانوا في طريقهم لمهاجمة البرلمان واحراقه رغم أن المشاركين في هذه المظاهرات كان بينهم أساتذة جامعة ومحامون وفنانون وقطاعات أخرى كثيرة ليس من المعروف عنها المشاركة أو حتى الدعوة لأية أعمال تخريبية. والأغرب بالطبع كان أن تقف الدروع البشرية لميليشيات شباب الإخوان كخط دفاع أول عن قوات الشرطة والجيش التي كانت متواجدة بكثافة خلف صفوفهم ليهاجموا النساء المتظاهرات والمتظاهرين. وبالتالي لم يكن مستغربا أن يرى المتظاهرون في شباب الإخوان كتيبة أخرى تابعة للأمن المركزي وليرددوا “بيع الثورة يا بديع.” دماء شهداء الوطن منذ سقوط المخلوع هم بالتأكيد في رقبة المشير ومرشد الأخوان الذين يفكرون في مصالحهم الضيقة وليس مصلحة الوطن وشعبه الفقير المسكين المضطهد.