انتهاكات وخروقات لأول مرة في تاريخ مهنة الصحافة والرأي العام يحدثها النظام السياسي الحالي رغم عمره القصير, لم تكن موجودة في الأنظمة السياسية الماضية رغم قوة وجبروت نظامها الأمني, فمبارك الذي حكم لنحو 30 عامًا لم يجرؤ على معاداة حرية الرأي والتعبير وانتهاك مهنة الصحافة المشكلة للرأي العام، حتى لا يحدث ضغط شعبي معادٍ لحكمه، بحسب خبراء سياسيين. وتعرضت الصحافة خلال حكم مبارك، لعدد من الأزمات، أبرزها أزمة قانون تشديد عقوبات جرائم النشر، وفرض القيود على الصحف المستقلة، والحزبية، واستمرار سياسة اعتقال الصحفيين. إلا أن هذه الأزمات سرعان ما تبددت وانتصر الرأي العام فيها على السلطة، ولم يجرؤ مبارك عبر ذراعه الأمني أن يتدخل بشكل عدائي يتيح له انتهاك حرم النقابة وحبس قياداتها وعدد كبير من صحفييها. في المقابل، اعتبر صحفيون أن عهد الرئيس عبدالفتاح السيسي، شهد أسوأ واقعة في تاريخهم، باقتحام مقر النقابة والقبض على الزميلين عمرو بدر ومحمود السقا، ومن بعدها توجيه التهم لنقيب الصحفيين وسكرتيرها العام ووكيلها وحبسهم على ذمة قضايا ملفقة. بالإضافة إلى حبس نحو 70صحفيًا وإعلاميًا، في الوقت الذي تم إغلاق فيه جميع القنوات والبرامج المعارضة التي تبث من مصر, ومنع ظهور عدد من الإعلاميين أبرزهم محمود سعد وريم ماجد ويسري فودة ويوسف الحسيني. ورفضت مؤسسة الرئاسة الاستجابة لمطالب الصحفيين وحفظ كرامة الكيان النقابي بعد انتهاكه من قبل قوات الأمن بمقولة "مباخفش". ويرى خبراء، أن النظام يدير الدولة بفكر يعتمد على إحكام القبضة الأمنية, بينما مبارك فتح المجال لحرية الرأي لكونه نظامًا مستقرًا ويتعامل بأسلوب سياسي جعله يدرك أهمية الصحفيين والرأي العام فيما يجهله الآن الرئيس السيسي. وقالت الدكتور عالية المهدي، عميد كلية الاقتصاد والعلوم السياسية الأسبق، وعضو لجنة السياسات بالحزب الوطني المنحل, إن "مبارك والسيسي هما امتداد لنظام 23 يوليو العسكري، لكن يوجد اختلاف بينهما في الشخصية, فمبارك مارس السياسة منذ 1975 كنائب لرئيس الجمهورية حتى تم اغتيال السادات وعمل أمينًا عامًا للحزب الوطني, فتحول من الشكل والفكر العسكري إلى الفكر المدني الذي يتمتع بعلاقات سياسية ورؤية مرنة, يقدر من خلالها الرأي العام والصحافة, هذا بعكس الرئيس السيسي الذي يتمتع بفكر عسكري "رجل مخابرات", لا يمتلك لعبة السياسة, فهو يدير الدولة بشكل عسكري بحت وهذا راجع من تكوينه ونشأته وهذا ليس عيبًا". وأوضحت ل"المصريون"، أن "نظام مبارك كان يتعامل بذكاء وسياسة مع الجميع ولكن مستوى الذكاء لم يكن مرتفعًا بالقدر الكافي, ليمنع قيام ثورة 25 يناير, بعد ترهل النظام نتيجة لكبر سن الرئيس الأسبق مبارك، مما جعله لا يدرك أن هناك مطالب بإحداث تغيير جذري في أنظمة الحكم". وأضافت: "نظام السيسي لم يتعامل مع الرأي العام والصحفيين بحنكة سياسية، وكان يجب على وزارة الداخلية أن تفطن وتدرك أنها تتعامل مع الصحفيين الذين يمثلون السلطة الرابعة ويمثلون الرأي العام". فيما رأى الدكتور سعيد صادق، أستاذ علم الاجتماع السياسي، أن "عصر مبارك شهد انفتاحًا كبيرًا في مجال الحريات، وظهور العديد من القنوات الإعلامية وتفعيل خدمة الإنترنت, مما دفع الرئيس لكثرة الظهور إعلاميًا للوصول إلى المواطنين من ناحية، وإلهاء الناس عبر فتح العديد من القنوات الفضائية التي تركز على الدراما". وأوضح ل"المصريون"، أن "مبارك كان يتعامل بأسلوب سياسي ذكي ويتجنب الاصطدام بالرأي العام والصحفيين, فقام بالعفو عن الكاتب الصحفي إبراهيم عيسى بعد شائعة خبر وفاة الرئيس على الرغم من أن عائلة الرئيس وشخصه كان "خط أحمر", لكنه ابتعد عن عداء الرأي العام وانتقاد المؤسسات الدولية له ليحوله إلى ترحيب واسع بقراراته لاسيما بعد أن تراجع عن قانون الصحافة 93 لعام 1995". وأضاف: "الرئيس السيسي يتعامل بنظام أمني بشكل كبير، وظهر ذلك خلال افتتاحه لمقر وزارة الداخلية عندما وجه الوزير بوضع كاميرات مراقبة بدلاً من وضع عساكر تحمي المقر من الداخل", مشيرًا إلى أن النخبة السياسية التي ظهرت وتحيط بالرئيس أساسها من العسكريين والأمنيين القدامى, يفتقدون للحلول والفكر السياسي. ولفت إلى أن "حبس عدد كبير من الصحفيين وعلى رأسهم نقيب الصحفيين ومعاونوه سيخلق غضبًا كبيرًا من شأنه أن يحدث خللاً للنظام الحالي، وإن كانت القبضة الأمنية ستكون هي الأبرز". مع ذلك، أكد أن "إغلاق القنوات وتكميم الرأي العام لن يفلح في ظل عصر التكنولوجيا وانتشار الأخبار غير المرغوب فيها، من قبل النظام بسرعة أكبر مما لو كانت عليه في وضعها الطبيعي".