جاءتني ردود كثيرة على الايميل تعقيبا على مقال الأسبوع الماضي عن الوسط والإخوان .. والأمر اللافت ان معظم هذه الردود اقتصرت على جانب واحد فقط من المقال وهو العلاقة القديمة التي كانت تربط بين بعض مؤسسي حزب الوسط وجماعة الإخوان في مرحلة سابقة ، ولم تتناول -بكل أسف- الجانب الأهم من المقال الذي يوضح الفروق الكبيرة بين الخطاب العام للإخوان الذي ما زال في طور التشكيل والتعديل باعتراف قيادات الإخوان أنفسهم ، والمشروع السياسي الوطني والحضاري لحزب الوسط الذي يقدم رؤية سياسية وحضارية نموذجية ومتفردة ، تندمج مع المشروع الوطني العام ، وتعبر عن جيل جديد في الحركة الإسلامية والوطنية أصقلته السنون وأنضجته التجارب .. من هذه الردود كانت رسالة من الزميل احمد غانم الصحفي بجريدة "آفاق عربية" الذي اهتم بتوضيح أن قضية حزب الوسط كان صفحة قديمة طويت لدى الإخوان ، وان حديث المرشد للإعلام في هذا الأمر لم يكن بغرض عرقلة صدور الحزب أو الهجوم على قيادات الوسط ، وإنما كان ردا على أسئلة صحفية عابرة تطرقت معه في شتى المواضيع ، وكان منها علاقة الإخوان بالوسط ، وانتقد الزميل هجوم بعض قيادات الوسط على الإخوان ، وخص منها كلام عصام سلطان في برنامج "حالة حوار" ، وتطرق إلى تأكيد ان الوسط يمثله أفراد قلائل (قياسا بجماهيرية الإخوان) موضحا خطأ قياس حالته بحزب العدالة التركي الذي يقابله الإخوان في مصر حسب رأي الزميل .. ومع احترامي لهذا الكلام وتقديري لكاتبه .. فانه فضلا عن عدم دقته في بعض الأمور ، لم يرد على الفكرة الرئيسية في المقال المتعلقة بالبرنامج والمنهج ، وهو الجانب الأهم في الظرف الراهن ، والذي يستحق برأيي التوقف عنده والنقاش حوله فلم يتطرق الرد إلى أي مدى يعبر كلا المشروعين عن القضية الوطنية ، وأي منهما يقترب من الواقع المصري . أما الحديث عن العلاقة بين الوسط والإخوان ، فلم يعد له الآن جدوى أو أهمية ، بمعنى انه يدور حول مسائل إجرائية وليس عن علاقة عضوية ، والخلاف حول ما إذا كان قرار تأسيس الوسط قد صدر من مكتب الإرشاد ، أو هو فكرة نبتت في عقول بعض كوادر الإخوان استقلوا لاحقا بسبب رفض قادة الجماعة تكملة المشوار أرى انه خلافا لا يستحق عناء التوقف عنده أو الجدال حوله .. أما انتقاده لقيام قيادات من الوسط بالهجوم على الإخوان في وسائل الإعلام أثناء الانتخابات البرلمانية الأخيرة ، فأقول له واقعة عايشها كاتب هذه السطور بنفسه وحديث جرى داخل مركز حزب الوسط ، أوضح فيه عصام سلطان ان كلامه في برنامج "حالة حوار" جاء مبتورا ومجتزئا ، مؤكدا سوء نوايا القائمين على البرنامج لكي يبدو سلطان وكأنه يهاجم الإخوان .. واتخذ من بعدها أبو العلا ماضي قرارا بعدم مشاركة قيادات الوسط في مثل هذه البرامج المشبوهة والمغرضة مرة أخرى ، وجاء القرار بموافقة وإجماع أعضاء الوسط .. أما الحديث عن أن الوسط يمثله أفراد قلائل قياسا بجماهيرية الإخوان .. فهو قياس مغلوط لعدة أسباب : أولها ان الوسط حزب مدني سياسي لم يحوز شرعيته القانونية بعد ، وبالتالي لم ينزل إلى الشارع حتى نحكم على أدائه وجماهيريته . وثانيها أن الوسط بمرجعيته الإسلامية (الحضارية) ما زال يدور كفكرة وبرنامج في إطار النخبة رغما عنه ، أما الجماهير العريضة (غير المسيسة) فلم تتلق خطابه بعد ولم تبلغها رسالته ، والتي هي - كما ازعم - الأقرب إلى تفكيرها و ثقافتها . وثالثها ان الوسط يعبر (فكريا) عن أشواق أجيال صاعدة في الحركة الإسلامية والوطنية ، تسعى للعب دور أساسي في المرحلة المصيرية المقبلة .. وهو بهذا يتميز عن الجميع بأنه ليس كأحزاب المعارضة البائسة فكريا والمعزولة جماهيريا ، وليس جماعة دينية دعوية تتقرب إلى قلوب الناس (وليس إلى عقولهم) بالخطب والمواعظ ، مستفيدة من حالة الضحالة الثقافية والسياسية لدى قطاعات واسعة في المجتمع .. ومجمل القول ان الوسط يمثل حالة من النضج السياسي والفكري وصلت إليها عناصر فاعلة وناشطة من الكوادر الإسلامية المعتدلة ، لكن المشكلة ان هذه الحالة لم تحظى بفرصة حقيقية حتى الآن للترويج لها في الأوساط الشعبية ، بسبب التضييق الأمني على العمل السياسي بصفة عامة ، وعلى الإسلاميين بصفة خاصة .. حتى ولو كانوا عقلاء معتدلين أو وطنيين ناضجين . [email protected]