الحكومة تعمل بروحين.. في مجال تنظيم الحياة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، ففي المجالين الأولين تتدخل بسرعة لسن التشريعات وتمريرها بسرعة قصوي (أو في رمشة عين كمال يقال) إذا كانت دوائر المصالح داخل الحزب الحاكم والحكومة تضعها في أولوياتها. أما في المجال الآخر الاجتماعي فإنها تتدخل في بطء وميوعة، وتترك الأمر للجدل العقيم، كل يفتي، يفهم أو لا يفهم فيما أفتي به، وجميع أطياف الرأي العام تدلي بدلوها، في إشارة مقصودة من النظام السياسي أن ذلك يعكس ديمقراطية وحرية رأي وتعبير، دون التدخل لدفع دفة المجتمع إلي ما هو إيجابي وتقدمي لحركته ونموه وتنويره. وأتساءل لماذا الحزب الحاكم وحكومته، يتذكران أهمية التوافق الاجتماعي حول موضوعات خطيرة مثل نقل الأعضاء، أو ختان الإناث، أو تعيين القاضيات، أوحتي قوانين الأحوال الشخصية؟ لماذا الاصرار علي أن يصل المجتمع إلي مرحلة النضج ويأخذ وقته في التفكير ليفرز وضعا أفضل للتطبيق، بينما في قضايا مصيرية كمنع الممارسات الاحتكارية، وقانون الضرائب، والضرائب العقارية وزيادة أسعار البنزين، تمر القوانين في مجلس الشعب، وتأخذ أغلبية، بالسرعة القصوي.. "لينبح النابحون" بعد ذلك، في الصحف أو في وسائل الإعلام المختلفة، بل لايهم أن يعري الناس رؤوسهم للدعاء علي الحكومة ليلاً ونهاراً، والهجوم علي الحكومة من طرف الكتاب، والمثقفين فحق "النباح مكفول"، لكنه ليس أكثر من نباح، لأنه لن يمر إلي ما هو أكثر إلا اذا بلور حركة شعبية استثنائية لرفض قرار معين كالذي حدث مع شعب دمياط في هبته لرفض اقامة مصنع "اجريوم" الكندي للكيماويات، وذلك استثناء يحفظ ولا يقاس عليه! والحقيقة أن حركة المجتمع متضررة في كل الأحوال، سواء في شدة وحزم الحزب وحكومته في التنظيم الاقتصادي بما أسفر عنه من قوانين وقرارات أثرت علي الطبقة الوسطي التي تعد وقود التغيير في تاريخ المجتمعات، أو من ميوعة الحزب وحكومته في التنظيم الاجتماعي، الذي تركته لقوي المجتمع التي يسيطر عليها السلفيون في انتظار الحصول علي توافق بينما تأثيراتها كحكومة ضعيفة، ولا عجب أن تستغرق قضية تحريم الختان مثلا كل هذا الوقت من الجدل ويتواصل حولها الخلاف، وليس لدي الحكومة مانعا ان تغمض عينيها عن استمرار هذه الممارسات الخاطئة، حتي بعد صدور قرارت المنع والتجريم، كما انه لا مانع ايضا أن "تطنش" وأن تتناسي عمداً مشروع قانون نقل الأعضاء، رغم تأثر الملايين من المرضي بغياب هذا القانون وتفشي ظاهرة بيع الأعضاء، وظهور مافيا وسوق سوداء لبيعها للأجانب.. والحكومة تري وتسمع وتتابع، وتمتنع عن التدخل وتغمض عينيها عندما تثار التساؤلات حول هذه السلبية المقيتة. نري الردود المستفزة من قيادات حزبية وحكومية، من شاكلة: نعمل إيه المجتمع مازال متخلفا ورافضا لفكرة التبرع؟! لكن "اشمعني" هذه القضايا نرميها علي تخلف المجتمع ولماذا لم تنتظر الحكومة حتي يحدث نضج اجتماعي في عملية اصدارها لبقية التشريعات والقرارات الخاصة ببيع بنوك القطاع العام وبيع الغاز لإسرائيل بالأسعار الزهيدة.. ولماذا.. ولماذا. وقد يتبادر لذهن القارئ أنني ضد حكومة قوية ومؤسسات عتيدة قادرة علي بلورة القرار بما يخدم المصلحة العامة ولكن التساؤل الذي يحيرني دائما، هو لماذا العمل بروح ضعيفة في القضايا الاجتماعية فقط ونحرم المجتمع من ثمار قرارات يمكن أن تتدخل الدولة وتمررها وتسرع من النمو الاجتماعي لعقود وتنعكس علي حركة المجتمع الأخري سواء الاقتصادية أو السياسية؟! وأعتقد أن الحزب والحكومة يدركان اللعبة فقد تركا المجتمع نهبا لحركة سلفية تحاول أن تعود بنا إلي عقود قديمة.. في مقابل أن تترك هذه القوي السلفية الجانب السياسي والاقتصادي للحزب يديره وفقا لأهدافه. إن الحزب والحكومة قسما الاولويات فحصلا علي ما هو سياسي واقتصادي وتركا المجتمع للتيار السلفي وأبرز قوي فيه جماعة الاخوان المسلمين. ويبدو أن هناك توافقا خفيا بين النظام الحاكم وبين هذه القوي السلفية علي اقتسام المجتمع. فإلي متي تستمر هذه اللعبة؟ ومتي سينقلب أحد اللاعبين علي الآخر؟ وهل سيظل أفراد المجتمع يتفرجون علي لعبة القط والفأر بين مد وجزر، وهجوم، وتراجع ثم هجوم وتراجع.. وهل ستكتفي القوي السلفية بهذا المربع الاجتماعي أم انها تسعي لسحب السجادة كلها من تحت أقدام اللاعب الرئيسي؟ إن اللعبة.. مكشوفة لكن مفاجآتها غير معروفة وإن ادعي كل لاعب أنه الأذكي والأكثر دقة في حساباته، وخططه. ** وزير الزراعة وردني مقال المهندس عاطف أبو هدب مصفي الشركة العامة للإنتاج والخدمات الزراعية، التابعة لوزارة الاستثمار تعقيبا علي مقالي الأسبوع الماضي "الديدان.. يا وزير الاستثمار" الذي ننشره كاملا في الصفحة العاشرة "متابعات". ورغم ان المقال ألقي الضوء علي كثير من خيوط الحقيقة التي غابت وسط حملات تبادل الاتهامات لكن الجديد بالنسبة لنا هو ما كشف عنه المهندس أبو هدب من ان الديدان هاجمت العديد من المحافظات "الشرقية، القليوبية، المنوفية، وغيرها" ولم تظهر في كفر يعقوب فقط، مما يشير بأصابع الاتهام من جديد إلي قسم مكافحة الآفات في مديريات الزراعة، وبالتالي تعود القضية إلي مربع الزراعة.. وانتظر ما سوف تسفر عنه التحقيقات في وزارة الزراعة.. فأغثنا يا وزير الزراعة!! ** يورو 2008 بزنس ضخم دارت رحاه في بطولة كرة القدم الأوروبية يورو 2008.. فقبل وأثناء، وبعد المتعة بالفرجة علي اللعب الجميل، والمفاجآت الدرامية خاصة تلك التي صنعتها تركيا، تأتي الصفقات.. وبلغت بورصة انتقالات اللاعبين 7 مليارات يورو!.. وكان تعليق مجلة فرانس فوتبول الأشهر بين الإصدارات الرياضية، أكثر من رائع عندما كتبت ان 7 مليارات يورو في أرجل اللاعبين النجوم. وأطرف الظواهر خلال البطولة هو الديمقراطية عبر الفانلات حيث انتشرت حملات المشجعين من خلال الكتابة علي الفانلات التي يرتدونها فجمهور النمسا كتب رأيه في فريقه: نحن لا نثق فيكم We don't tust our team.