فى أحد الإعلانات التجارية التى صاحبت بطولة الأمم الأفريقية الأخيرة.. كان الإعلان يقول.. اللى مالهمش فيها بيشجعوا منتخب مصر واحنا معاهم.. وكان الإعلان يقصد أن هناك من لا يفهمون فى كرة القدم ولا يتابعون ولا يجيدون قراءة حساباتها ومعادلاتها ولكنهم فقط يكتفون بتشجيع منتخب مصر.. واليوم.. بعد عشرة أيام من مونديال جنوب أفريقيا.. ثبت أننا كلنا.. مالناش فيها.. فلا أحد توقع خسارة إسبانياوألمانيا وفرنسا ولا هذا المستوى الهزيل لإنجلترا.. وبالتالى تساوى الجميع فلم يعد من حق أى أحد أن يزعم أنه الأكثر فهما أو دراية أو قدرة على التوقع والحساب.. وهو ما يمنحنى اليوم حق تخيل نهائى هذا المونديال بين البرازيل والأرجنتين ليس فقط باعتبارهما نظريا الفرقتين الأقوى.. وإنما لأننى أحب أن تفوز دولة منهما بالمونديال.. فهى عدالة كرة القدم.. فالأوروبيون يملكون السطوة والمال والحرية والحياة الناعمة.. لديهم أقوى مسابقات وبطولات للكرة فى العالم.. وتأتيهم أموالهم بكل النجوم من كل مكان خارج القارة البيضاء العجوز.. وأفريقيا لا تجرؤ على مثل هذا الحلم.. ولا آسيا بالطبع.. فلا تبقى إلا أمريكا اللاتينية.. القارة التى تعشق الله والغناء والرقص والموسيقى والرواية وكرة القدم.. وليس هناك من هو أحق من البرازيل والأرجنتين بكأس هذا المونديال.. وليس هناك شعب يريد هذه الكأس أكثر من شعبى السامبا والتانجو.. بداية من رئيسى الجمهوريتين وحتى صعاليك الشوارع وأطفال المدارس.. فالرئيس البرازيلى لولا دى سيلفا لم يعد يتحدث الآن إلا عن المونديال.. ويبدو أنه لم يعد يجد فى جنوب أفريقيا منافسين حقيقيين لأبنائه إلا الأرجنتين فبات دى سيلفا لا يتحدث إلا عن جيرانه فى الجنوب محاولا التقليل من شأنهم وتكسير معنوياتهم.. أما الجميلة كرستينا كيرشنر رئيسة الأرجنتين.. فقد تفرغت للصلاة من أجل الأرجنتين، وزارت المعامل تطلب استنساخ ألف مارادونا وألف ميسى لتفوز بلادها بألف كأس عالم فينسى الناس هناك الفقر والأزمات والمواجع.. وكانت هناك حرب أخرى يومية وقاسية ومزعجة بين رمزى الكرة فى البلدين.. بيليه ومارادونا.. كل منهما يهاجم الآخر ويسخر منه.. والصحافة أيضا.. والأغانى والرقصات.. باختصار.. كرة القدم فى هذين البلدين لا تشبه الكرة فى أى بلد آخر.. وأن يصل المنتخبان إلى المباراة النهائية.. فهو العزاء الوحيد للعالم بعد مونديال زادت إثارته لكن تناقصت متعته.. ومن الأفضل للجميع أن يصبح المونديال لاتينياً بعيداً عن طواحين هولندا وماكينات ألمانيا والوهم الإسبانى والبرود الإنجليزى.. المونديال اللاتينى يعنى دوام وقوع العالم الحقيقى فى غرام الكرة الحقيقية.. يعنى الكرة المجنونة والساحرة التى لا نتعلمها من الكتب وقاعات الجامعة وستوديوهات تحليل التليفزيون.. لكنها كرة الشوارع والغابات والشواطئ والأكواخ.. كرة الفقراء الذين يلعبون لأنهم ليس أمامهم بديل آخر.. كرة الألوان الفاقعة والموسيقى الصاخبة والمواهب الطبيعية والعشاق الكبار الذين وحدهم يملكون حق كتابة تاريخ اللعبة الأولى فى العالم.. إننى من الآن أتخيل شكل هذه المباراة.. الصراع بين دونجا ومارادونا.. بين كاكا وميسى.. بين النساء اللاتينيات الساحرات فى المدرجات بالأعلام الصفراء أو الزرقاء.. بين الرئيس والرئيسة.. أتخيلها فرحة وحياة وحالة أبدا لن تكتمل لو لعب النهائى أى فريقين آخرين غير البرازيل والأرجنتين. [email protected]