دخل الصيف، والإجازات تلوح لنا ببرامج جديدة، بلا مذاكرة وبلا امتحانات، وبلا استيقاظ مبكر، لكن هذا لا يعنى أن الدنيا ستخلو من الهموم، فهناك دوما برامج أخرى، وهكذا الإنسان يتعب كثيرا لكى ينهى ما بيده حتى يرتاح، لكنه سرعان ما يبدأ برنامجا جديدا، يحاول الانتهاء منه هو الآخر بحثاً عن راحة لا تتحقق أبدا، فمنذ كنا صغارا ونحن نحاول أن ننهى مرحلة الطفولة سريعا ونستعجل السنوات، وعندما كبرنا أصبحنا نفكر فى مرحلة أخرى سواء من الماضى أو من المستقبل، ومن مرحلة إلى أخرى، ومن برنامج إلى آخر يتغير الإنسان، وتتغير الأيام. منذ عدة أيام تذكرت بلا مناسبة فترة انشغالى بالمذاكرة واستعداداتى للامتحان، وتذكرت كيف كانت القراءة الحرة تستهوينى فى أيام الامتحانات بالذات، للدرجة التى تجعلنى أترك الكتب المقررة وأنهمك فى قراءة أى كتاب آخر يقع فى يدى، وتذكرت أيضا أننى بعد سنوات من ذلك كنت ألوم ابنتى على ما كنت أفعله ولا أدرى له سببا، هل الخروج عن «المقرر» طبيعة إنسانية؟ هل يفضل الإنسان السباحة الحرة فى بحر المجهول على السير داخل الخطوط المرسومة محددة البدايات والنهايات؟ هل الشتاء هو فصل الأغطية الثقيلة والبرامج الثقيلة أيضا؟ وهل الصيف هو فصل الانطلاق العفوى والتحرر من البرامج والالتزامات والملابس أيضا؟ لا شك أن كل واحد فيكم لديه إجابته الخاصة عن هذه الأسئلة، ولا شك أن هذه الإجابة ستتغير بين مرحلة وأخرى، فالصيف بالنسبة للطالب لن يكون هو نفس الصيف بالنسبة لشرطى المرور أو الغطاس على أى شاطئ، أو السجين أو السائح أو، أو..، وأنا مثلكم تصورت أن هناك إجابة واحدة صحيحة عن أى سؤال ثم اكتشفت أن الإجابات تتغير دائما حسب موقع وظروف الإنسان والأيام أيضا، كما أننى اكتشفت أن استفادتى من «القراءات الحرة» كانت أكثر من استفادتى من «القراءة فى المقرر». لا أعرف بالضبط ماذا أريد أن أقول فى هذا المقال، لأننى كتبت المقال بالفعل، وكان لدى بعض الوقت لقراءته بتأن، وشعرت أنه مقال سخيف وجاف لأنه يفترض أنى أعرف كل شىء، ومنحت نفسى حق تخطيط حياة الناس، وإلقاء المواعظ والنصائح عليهم، وقلت لنفسى لماذا لا أترك نفسى على سجيتها هذه المرة؟ لماذا لا أدع الكتابة تنساب من رأسى دون تحكم فيها، لماذا لا أقرأ أفكارى الحرة قبل أن يقرأها الناس؟ ولم أجد فى رأسى غير هذه الأشياء عن الصيف والمذاكرة والحرية، وكنت طوال الوقت أشعر أننا نعيش الحياة فى مكان آخر، نبذل كل جهدنا لنهدر أيامنا وأفكارنا فيما لا يسعدنا ولا يرضينا، وفى نهاية المطاف نكتشف أن الحياة لم تكن تستحق كل هذا الصراع، لأنها تصير أجمل عندما نعيشها بتلقائية أكثر، وحرية أكثر، وانسياب أكثر.. فإذا كان الصيف هو فصل الحرية، فالسؤال الجديد هو: كم تستطيع أن تستفيد منه فى تمرين نفسك على «القراءة خارج المقرر» و«السباحة خارج المقرر»، و«الحياة خارج المقرر»؟ ربما ساعتها تدرك أنك نجحت فى الحصول على النجاح والحرية معا. كلمة محبة: وحشتنى سعاد حسنى، لم أشاهد أياً من أفلامها مؤخرا، وحشتنى ضحكتها الصافية وهى بتغنى «خدنا إجازة والإجازات أيامها لذاذة» كانت سنواتها الأولى (متوحشة) وسنواتها الأخيرة (موحشة)، وها هى 9 سنوات تمر على حياتها الجديدة خارج المقرر.