أمضى نحو 2000 من عمال شركة مصر للغزل والنسيج، بمدينة المحلة الكبرى، الليلة الأولى لإضرابهم الذى بدأوه، صباح الاحد الألمطالبة بإقالة المهندس فؤاد عبدالعليم، رئيس الشركة القابضة، وإعادة تشغيل المصانع المتوقفة بسبب عدم ضخ أقطان، وصرف الأرباح المتأخرة، وانتشر العمال فى حدائق المصنع تحت مظلات أعدوها للحماية من الشمس فى فترات الظهيرة، واستحوذت النقاشات السياسية على أجواء الليلة الأولى داخل أسوار الشركة، التى تضم أكثر من 30 مصنعاً منها 8 للغزل و12 للنسيج و9 للأقمشة، ومصنع للصوف وآخر للحراير، بالإضافة إلى الورش الفنية، ويعمل بهذه المصانع نحو 23 ألف عامل، وبدأ عدد منهم فى التحضير لاجتماع صباحى تمهيداً لانتخاب اللجان القيادية للإضراب والإعاشة وتأمين المصانع والتفاوض مع الإدارة. وشكل العمال مجموعات للمبيت داخل المصانع، تحسبا لتعرضها لأى اعتداءات محتملة، خاصة بعد سحب مدرعات القوات المسلحة، التى كانت تؤمن الشركة من الخارج، قبل البدء فى الإضراب رسميا بنحو 7 ساعات، وأغلق العمال البوابات، ومنعوا الدخول إليها أو الخروج منها حتى بدأ توافد آلاف العمال فى الساعات الأولى من صباح الاثنين . وسادت حالة من التفاؤل بين صفوف العمال والثقة فى إمكانية تحقيق مطالبهم قبل بداية شهر رمضان، عبر عنها القيادى العمالى كمال الفيومى، الذى أمضى الليلة مع زملائه فى حدائق الشركة، قائلاً: «من خلال التجارب السابقة فى الإضرابات الكبرى التى حضرتها فى أعوام 2006 و2007 و2008 و2011 أعتقد أن فرصة العمال فى اقتناص مطالبهم تبدو متاحة بشرط استمرار حالة التماسك فى صفوفنا والتى ظهرت فى وجود عدد من القيادات العمالية القديمة التى ساهمت فى نجاح الإضرابات والاعتصامات السابقة، وتأييدهم هذا التحرك، وأضاف: «الأعداد التى تبيت الليل فى هذا الإضراب أكبر من مثيلتها فى الإضرابات السابقة، إذ يفضل العمال عادة الحضور فى فترات النهار، والانصراف ليلا، مع بقاء مجموعة من (المرابطين) وفى حال وقوع أى حدث طارئ أو دعوة لتفاوض مفاجئ مع الإدارة، نتواصل عن طريق الهواتف ويحضر الآلاف من العمال فى ساعات معدودة، نظراً للطبيعة العمالية التى تميز مدينة المحلة، إذ إنها تعتبر مستعمرة عمالية كبيرة، سكانها هم عمالها». وشاركت فى الإضراب الحاجة وداد الدمرداش، القيادية العمالية بالشركة، التى جاءت ضمن قائمة مجلة نيوزويك الأمريكية لأكثر 150 سيدة تأثيرا على مستوى العالم، واستمرت مع العمال حتى منتصف الليل، قبل أن تنصرف لمنزلها مع العاملات للاستراحة، وتمهيداً للحضور منذ الصباح الباكر، وقالت «الدمرداش»: «الإضراب بدأ قبل موعده بنحو أسبوع، بعد أن قرر العمال تقديم الموعد عقب تأكدهم من تلاعب الإدارة بوعودها، ورغم إقرار صرف 45 يوما صباح الإضراب، إلا أن العمال مزقوا المنشور، ورفعوا سقف المطالب إلى المطالبة بإقالة رئيس الشركة القابضة». وعن موقفها المعارض لإضراب سابق بنفس قائمة المطالب فى 7 مايو الماضى قالت «الدمرداش»: «لم أعارضه ولكن رفضت توقيته، بسبب اشتعال حرائق فى عدد من المصانع والشركات قبل موعد الإضراب، وكان سبب الرفض خوفى على منشآت الشركة». أحاديث العمال الليلية انتقلت من السياسة إلى الشؤون النقابية، ودور نقابة عمال غزل المحلة التى لم يبد العمال اهتماماً كبيراً بنقد أدائها الذى وصفوه بأنه مخيب للآمال، وقال تامر فايد، أحد القيادات الشابة بالمصنع: «عضو النقابة فى الشركة يعتبر بمثابة عضو مجلس شعب، لأنه يمثل أكثر من 20 ألف عامل، لكن فى حقيقة الأمر هم يأخذون مواقفهم تبعا لهوى الإدارة، بينما دورهم الأساسى هو تبنى مطالب العمال، والتفاوض بشأنها للوصول إلى حلول وسط قبل اللجوء للإضراب أو الاعتصام أو التظاهر»، وتابع: «نستبدل هذا الدور المتخاذل لأعضاء النقابة بانتخاب قيادات للإضراب، بشكل مباشر من قبل العمال بهدف التفاوض مع الإدارة أو ممثلى الحكومة، وهو ما حدث فى إضرابى ديسمبر 2006 وسبتمبر 2007، إذ لجأت الحكومة إلى القيادات المصنعية المنتخبة للتفاوض معها بدلا من النقابة الرسمية التى لا تمثل العمال أو تعبر عن مصالحهم». وعن «بناء البديل النقابى» تحدث القيادى كمال الفيومى، الذى سبق اعتقاله فى إضراب 6 إبريل عام 2008، أو ما عرف بعدها بانتفاضة المحلة، «الفيومى» وهو يجلس وسط نحو 10 عمال على السلالم الرخامية لمبنى الإدارة المطل على ميدان طلعت حرب، تحدث قائلاً: «نسعى للخروج من هذا الإضراب ببناء نقابة مستقلة، منتخبة من القاعدة العمالية، واستثمار فرصة تجمع العمال بأعداد غفيرة، لطرح الاقتراح عليهم والبناء على المحاولات السابقة التى اقترحتها قيادات بالمصنع عقب إضراب ديسمبر 2006، وتمخضت عن تقديم نحو 14 ألف استقالة من التنظيم النقابى الرسمى ولم تكتمل هذه التجربة حينها، ونعتبر هذا الإضراب فرصة لتحقيق ما فشلت فيه قيادات هذا الإضراب». يختلف الإضراب فى عيون قيادة عمالية كبيرة عاينت احتجاجات سابقة عن شاب يعد هذا الاحتجاج الأكبر فى حياته بعد مظاهرات ديسمبر 2009، بين هؤلاء الشباب المشاركين فى الإضراب قال محمد أسعد، 25 عاما، حاصل على دبلوم صناعى أثناء عمله بالشركة التى التحق بالعمل بها فى إبريل 2009، بقسم التجهيز: «الأوضاع الهادئة فى الليلة الأولى للاعتصام والإضراب تختلف كثيراً عن مظاهرات 2009، لأنه بإسقاط مبارك سقط جدار الخوف فى قلوب المصريين، المظاهرات الأولى التى حضرتها قبل 3 أعوام والإضرابات السابقة، التى حكى لى عنها والدى العامل السابق بالشركة، كانت تسيطر عليها أجواء من القلق والترقب خوفاً من اقتحام أمنى أو حملة اعتقالات من مباحث أمن الدولة، ويأتى إضرابنا هذا لإعادة تدويرعجلة الإنتاج المتوقفة بفعل الشركة القابضة»، وأضاف «أسعد» وهو يفض غلاف علبة سجائر محلية بعود ثقاب وزع منها على زملائه أمام البوابة الرئيسية للشركة قبل تعالى أذان الفجر فى ساحات الشركة: «قبل 3 سنوات، وعقب مظاهرات 2009، كان (خط التبييض) الذى يتكون من 8 عمال فى قسم الإنتاج ينتج فى الوردية من 20 إلى 22 ألف متر من القماش، وكان القسم يعمل 6 أيام فى الأسبوع، مع تخصيص يوم لصيانة الماكينات، حاليا نعمل يومين فى الأسبوع، لا ننتج فى اليوم الواحد أكثر من 15 ألف متر بسبب عدم وجود أقطان وتسويق خارجى». توافد مئات العمال للانضمام إلى زملائهم مع بزوغ خيوط النهار التى بدأت تتسرب إلى سماء الشركة حيث حضر عمال من مدينتى المنصورة وطنطا فى السابعة إلا خمس دقائق مستقلين قطارين، بالإضافة إلى قطار كان يقل عمال مدينة السنطة المجاورة. وعادت أحاديث السياسة مرة أخرى مع وصول العمال، وتطرق الحديث السياسى إلى الرئيس مرسى ومواقف المجلس العسكرى وجماعة الإخوان المسلمين، ودار جدل بين العمال يأخذ حينا شكل اتفاق فى الرؤى، وحينا آخر يشهد اختلافا فى الآراء يعود إلى الأيديولوجيات المختلفة لكل عامل. ولفت هانى أبوليلة، أحد المضربين، وسط هذه الأحاديث إلى أن الخوف على الشركة هو الدافع الأساسى للإضراب، متذكراً سيناريو الخصخصة الذى بدأته الحكومات السابقة للثورة. ووجه «أبوليلة» اللوم إلى رؤساء مجلس الإدارة، الذين كبدوا الشركة مزيداً من الخسائر، خاصة فؤاد عبدالعليم حسان، رئيس الشركة السابق، رئيس الشركة القابضة الحالى، حسب قوله، ويلفت إلى أن ذلك «يأتى ضمن مشروع تكبيد شركات القطاع العام خسائر مستمرة تمهيداً لخصخصتها وطرد العمال، وتشريد آلاف الأسر». عادت العاملات اللاتى غادرن الاعتصام فى منتصف الليل، فى السادسة والنصف صباحاً، تحكى أسماء السيد، شابة، سر الانصراف ليلا والعودة فى وقت مبكر، قائلة: «انصرفنا عند منتصف الليل لإنهاء الأعمال المنزلية مثل تحضير الأكل، والاطمئنان على الأطفال الصغار، لكننا نحضر منذ الصباح الباكر ونستمر حتى ساعات متأخرة من الليل تأكيداً على موقفنا المؤيد للإضراب والاعتصام».