كان الحوار مع الخصوم ومد اليد إليهم من أبرز المفاهيم التى وعد وارتبط بها باراك أوباما عندما جاء إلى الحكم، وكانت بلاد ونظم مثل إيران وكوريا الشمالية بوجه خاص مما ينطبق عليها هذا المفهوم فضلاً عن دول مثل روسيا التى أورثه جورج بوش علاقات متوترة معها، ودول مثل كوبا وميانمار، كما انطبق هذا المفهوم على دول ونظم لا تتبنى المفاهيم الديمقراطية فى الحكم. وعلى مدى العام الذى قضاه أوباما فى الحكم تعرض هذا المفهوم للنقد من جانب القوى السياسية اليمينية والمحافظة فى الولاياتالمتحدة التى اعتبرت أن مثل هذا المفهوم هو نوع من المهادنة Appeasment، مستعيدة السياسة التى اتبعت مع هتلر قبل اندلاع الحرب وشجعته على سياسته العدوانية وابتلاع دول أوروبية. وقد استند منتقدو أوباما على نتائج سياسته بشكل خاص مع إيران وأنها لم تحقق شيئاً ولم يستجب النظام معها لليد الممدودة، بل ربما شجعتهم على المزيد من التحدى. غير أن أوباما لم يعدم من يتقدم للدفاع عنه وعن مفهوم الحوار مع الخصوم أو مع الأعداء، وكان من أبرزهم Charles Kupchan أستاذ العلاقات الدولية فى جامعة جورج تاون (راجع دورية Foreign Affairs عدد مارس/ أبريل 2010)، فى هذه الدراسة يقول إن النقد الذى يوجه إلى أوباما هو نقد فى غير موضعه، وأن السجل التاريخى يثبت أن أوباما يسير على الطريق الصحيح فى التواصل مع خصومه، فالخصومات الطويلة تتجه إلى الذوبان نتيجة التقارب المتبادل وليس نتيجة القهر أو التخويف، وقد تتعرض عروض التقارب فى بعض الأحيان للصد، الأمر الذى قد يدعو إلى نبذها، لكن وتحت ظروف مناسبة، فإن التنازلات المتبادلة تمثل استثماراً جريئاً وشجاعاً فى السلام، وعلى هذا فإن واشنطن تنطلق مع بداية جديدة فى العمل من أجل تحويل الأعداء إلى خصوم إلا أن هذا الهدف يتطلب دبلوماسية استثنائية سواء فى الداخل أو الخارج. وعلى عكس الانطباع فإن سياسة الحوار قد حققت بعض النجاح خاصة مع روسيا التى أبدت تعاونا مع قضايا خفض التسلح، وأفغانستان، وإيران، ورغم بعض السلوك المعادى تجاه كوريا الشمالية إلا أن كوريا الشمالية أبدت استعداداً للارتباط مع الولاياتالمتحدة حول برامجها النووية، وفى الوقت نفسه توسع حوارها الدبلوماسى مع الولاياتالمتحدة، ورحبت ميانمار باستقبال دبلوماسى عالى المستوى من الولاياتالمتحدة وقبلت أن يلتقى مع زعيمة المعارضة أونج سات سوكى. ويعتبر مؤيدو أوباما أنه إذا كان مفهوم التقارب والحوار جذاباً فهو أكثر جاذبية اليوم فى وقت تتمدد فيه الولاياتالمتحدة فى حروب فى العراق وأفغانستان، وفى وضع اقتصادى صعب فى الداخل. وقد تكون سياسة أوباما فى مد اليد تنطوى على أخطاء وليس لها ضمانات نجاح، إلا أن نيكسون عندما مد يده للصين لم يكن يملك ضماناً للنجاح، كذلك الحال مع ذهاب أنور السادات للقدس عام 1977، بل إن جورج بوش الابن الذى بدأت إدارته برفض الحوار مع من سماها «محور الشر»، انتهى بإرسال مبعوث للقاء الرسميين الإيرانيين، والتعاون مع كوريا الشمالية، وسمح للقوات الأمريكية فى العراق بالتعاون مع المتمردين السنة فى العراق الذين اتفقوا العام الماضى على محاولة قتل الأمريكيين، وعلى هذا فإن سياسة الارتباط، إذا ما تم تناولها بشكل ناجح ليست هى المهادنة Appeasment أو الخضوع للخصوم، ولكنها فتح لإمكانيات التوصل إلى تقاسمات وتسويات مقبولة، وفى تقدير المدافعين عن أوباما فإنه وهو يتبع سياسة الحوار مع الخصوم إنما يواجه تحديين رئيسيين هما: كيف يتناول تتابع وجوهر المفاوضات، وكيف يدير آثارها السياسية فى الداخل والخارج، أما عن الانتقادات التى توجه إلى أوباما حول سياسته تجاه الديمقراطية وحقوق الإنسان، فإن مؤيدى أوباما يعتقدون أن عملية الحوار مع الخصوم قد تتضمن تأجيل جدول أعمال الديمقراطية، وإقامة دبلوماسية الولاياتالمتحدة تجاه الدول الأخرى على أساس من سلوكها الخارجى وليس على شكل الحكم فيها، فحتى النظم القهرية يمكن الاعتماد عليها حين يأتى الأمر إلى إدارة سياستها الخارجية، فالتوصل إلى صفقات مع النظم القهرية قد يتطلب مساومات أخلاقية، غير أن هذا له ما يبرره فى المساهمات المحددة فى الاستقرار الدولى التى نتج عنها، ويجب أن تتحدث واشنطن ضد خرق حقوق الإنسان وتؤيد الليبرالية السياسية حول العالم، ولكن عندما تكون الأسلحة النووية، والإرهاب وأمور السلام والحرب على الإرهاب على الخط فإن فن الحكم المسؤول يتطلب مساومات براجماتية وليس التشدد الأيديولوجى. ويستخلص من يدافعون عن مفهوم أوباما فى الحوار والارتباط مع الخصوم أنه على الرغم من العقبات العديدة فى الداخل والخارج فإن إدارة أوباما يجب أن تتمسك باستراتيجيتها فى الارتباط مع خصوم الولاياتالمتحدة، فالتقارب يجرى عادة وفقاً لخطوات متباعدة وغير منتظمة «In Fits And Starts» وهى تحت أفضل الظروف تتطلب دبلوماسية صعبة، ولكن حين تجدى فإنها تجعل العالم مكاناً أكثر أمناً، مثل هذا الإدراك فقط سوف يساعد أن يكسب أوباما على الأقل بعض الوقت الذى يحتاجه إذا ما كان سوف ينجح فى تحويل الأعداء إلى أصدقاء.