كان الترويج للديمقراطية من بين السياسات والمفاهيم التى تبنتها إدارة بوش الابن وفسرت ذلك أنه فضلاً عن أن الديمقراطية من القيم الأمريكية الأصيلة، فإن الترويج لها هو فى صالح الأمن القومى الأمريكى، ذلك أن المجتمعات التى تغيب عنها الديمقراطية هى تلك التى تدعم الإرهاب وقوى التطرف وبشكل يرتد فى نهاية الأمر إلى الأمن الأمريكى. وقد جاءت إدارة أوباما تحمل دعوى التغيير وتصحيح سياسات بوش الخارجية، وبالنسبة لقضية الديمقراطية بدت إدارة أوباما وكأنها ترفض مفهوم إدارة بوش وأساليبها فى الترويج للديمقراطية، بل إن وزيرة الخارجية «هيلارى كلينتون» ذهبت خلال زيارتها للصين إلى إعلان أن إدارتها لن تدع قضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان تتدخل فى العلاقات الأشمل بين الولاياتالمتحدة والصين. وفى خطابه فى القاهرة بدا أوباما متفهماً لمقولة أن لكل مجتمع تقاليده ومراحل تطوره. وبسبب ذلك تعرض أوباما للنقد من كثير من الدوائر الأمريكية التى اعتبرته إهمالاً للقيم الأمريكية وتضحية بالديمقراطية وحقوق الإنسان. ويبدو أن هذا النقد كان وراء اتجاه إدارة أوباما لإعادة تحديد مفهومها لقضية الديمقراطية وموقفها منها. فى المحاضرة التى ألقاها فى أوسلو فى 10 ديسمبر بمناسبة تسلمه جائزة نوبل للسلام شدد أوباما على مفاهيم الديمقراطية وحقوق الإنسان وقال: «... إنه فى بعض البلدان فإن الفشل فى التمسك بحقوق الإنسان يعتذر عنه بأن هذه مبادئ غربية، وأنها غريبة عن الثقافات المحلية أو مراحل تطور الأمة.. واعتقد أن السلام سيظل غير مستقر حين ينكر على الشعوب حقها فى أن تتحدث بحرية أو أن تمارس ديانتها كما تحب وأن تختار قادتها أو أن تجتمع بلا خوف..»، مؤكداً «أن أمريكا ستظل دائما صوتا لهذه الأمانى والتى هى أمانى عالمية..». أما وزيرة خارجيته «هيلارى كلينتون» فقد طورت بشكل أكثر مفهوم الإدارة للدفاع عن ودعم أمانى الشعوب فى الديمقراطية وحقوق الإنسان، ففى خطاب لها مؤخراً فى جامعة جورج تاون، وصفت أسلوب الإدارة بأنه «برجماتى وذكى» pargmatic and agile، يهدف إلى أن يؤكد ليس فقط الديمقراطية ولكن أيضا التنمية وبشكل عام يثير قضايا حساسة مع دول رئيسية مثل روسيا والصين خلف أبواب مغلقة. وفى شرحها لأسلوب الإدارة ركزت كلينتون على التنمية «بالطبع فإن الشعوب بجب أن تتحرر من القهر أو الاستبداد، من التعذيب والتمييز ومن الخوف من الزعماء الذين يسجنون أو يدفعونهم إلى اليأس، ولكنهم أيضا يجب أن يكونوا أحرارا من قهر الحاجة، الحاجة إلى الطعام والصحة والتعليم والمساواة». وهكذا يريد أوباما ووزيرة خارجيته أن يؤكدا التزام إداراتهما بدعم الديمقراطية وحقوق الإنسان، ومن خلال رؤية أوسع لا تتضمن فقط الحقوق السياسية ولكن كذلك الحقوق الاجتماعية والاقتصادية، حيث تركز كلينتون على التنمية. وفى ذكر جهودها لدعم الديمقراطية لم تنكر كلينتون أنها فى تناولها لذلك مع دول مثل روسيا والصين، ومن داخل «الحجرات المغلقة» إنما تراعى أيضا حاجة الولاياتالمتحدة إلى التعاون مع الصين حيث قضايا مثل تغير المناخ، ومنع الانتشار، وكوريا الشمالية وإيران، ونستطيع أن نستخلص أن إدارة أوباما فى تناولها لقضايا الديمقراطية لن تذهب إلى ما ذهبت إليه إدارة بوش من «فرض الديمقراطية» أو تغيير النظم regime change فذلك وفيما عبر مسؤولون فى الإدارة «مهمة الشعوب».