لم يدرك محمد عبد البديع -24 عاماً- أن رغبته وحدها فى أن يعيش حياة جديدة وصحيحة ليست كافية، كان محمد يعيش مع أسرته فى جزيرة دمنهور بالوراق، وكان يعيش معهم على الكفاف، ويجمعون بالكاد الطعام والشراب، ولكنهم كانوا يعيشون فى بيت واحد، إلى أن انفصل والده عن والدته، وتزوج كل منهما شخصا آخر، فوقع حظ أمه العاثر فى مدمن مخدرات. لم يجد محمد حلاً لإطعام أختيه اللتين لم يتجاوز عمر أكبرهما العاشرة، غادر الطفل منزل الأسرة عدة مرات، حتى تعرف على «عيال الشارع» لتبدأ مأساته الثانية « خرجت من البيت مش طايق نفسى ومش عارف هاعمل إيه .. وفى الشارع اتبهدلت كتير أوى، بالذات من الشرطة، كانوا كل شوية يعملوا لى محاضر تحرى وتسول، وحد من العيال قالى تعالى بيع كليتك وخد 10 آلاف جنيه وفعلا رحت معاه وخدت الفلوس وفى الآخر بعد ما بعت كليتى طلع نص المبلغ فلوس مزورة». كانت بارقة الأمل الوحيدة التى لاحت له، عندما عرضت جمعية كاريتاس مصر لحماية الأطفال المعرضين للخطر عليه أن يفتتح مشروعاً تجارياً صغيراً فى إطار المشروع الذى أطلقته اليونيسيف، وكما يحكى صفوت كامل- الإخصائى بجمعية كاريتاس- قامت الجمعية بعمل عملية تأهيل لمحمد وإعادة دمجه فى المجتمع، إلى أن أصبح مؤهلا ليفتتح مشروعه. يتابع صفوت «كان والد محمد يملك كشكا قديماً مغلقاً ومهجوراً، الكشك ظل طوال سنوات طويلة مغلقا، لأن الأسرة لا تملك المال اللازم لإصلاحه، وشراء بضائع جديدة، وهذا ما ساعدت فيه كاريتاس». تغيرت حياة محمد تماما بعد افتتاح الكشك، عاد الشاب إلى بيته ليعيش مع أختيه ووالدته بعد سنوات طويلة قضاها فى الشارع. مسيرة محمد لم تخل من مشاكل بعد منحة اليونسيف «بعد 6 شهور من فتح الكشك.. جه الجماعة بتوع حى شبرا الخيمة، وقالك هانعمل تجديد فى المعدية جمب الكشك.. ورغم إن معايا ترخيص لكنهم قالوا لازم نعمل إزالة، لأن الكشك ده يشغل الطريق العام، رغم إن الكشك موجود فى مكانه ده من 20 سنة ومرخص». فى يوم وليلة – يقول محمد – جاء البلدوزر ليهدم الكشك «كسروا الكشك من كل ناحية وخدوه على الحى وقعد هناك 4 شهور .. ومن ساعتها والدنيا اسودت فى وشى»، عاد محمد إلى حياة الشارع القديمة مرة أخرى، كان يشعر أن الجميع ضده، فبعد سنوات قضاها فى الشارع، وبعد أن أقلع عن إدمان المخدرات وجد بلدوزر الحى يهدم حلمه الصغير فى شبرا الخيمة، عاد محمد للشارع بكل تفاصيله، وتورط فى قضية سرقة بالإكراه. يقول محامى شبكة حماية الأطفال المعرضين للخطر التابعة لليونيسيف «التهم المنسوبة لمحمد شديدة القسوة، وعقوبتها لا تقل عن 7 سنوات، ورغم أنه حتى الآن لم يصدر بحقه ورفاقه المتهمين حكم قضائى إلا أن ما مر به من تجارب أثر على نفسيته بشدة». يعيش محمد حاليا فى انتظار السجن، بعد أن فقد الأمل فى تغيير حياته، بسبب قرار الحى الذى اعتبر «أكل عيش» محمد محاولة لإشغال طريق عام كان منسياً منذ 20 سنة.