هى فتاة أمريكية اغتالها الإسرائيليون فى رفح عام 2003، وتحولت قصتها إلى أسطورة تتغنى بها الأناشيد، وتحكيها المسرحيات، ويستدعى اسمها فى كل مناسبة للتضامن مع الشعب الفلسطينى وقضيته العادلة، وحملت اسمها السفينة الأيرلندية التى تأخرت عن أسطول الحرية الذى تعرض لمجزرة إسرائيلية، قتل وجرح خلالها العشرات، ومع ذلك لم تتردد القوات الإسرائيلية، بدورها، فى اعتراضها وسحبها إلى ميناء أشدود الإسرائيلى عبر عملية قرصنة جديدة فى المياه الدولية، ولكن دون ارتكاب مجزرة أخرى هذه المرة.. فما قصة هذه الفتاة الأسطورة؟ ولدت راشيل كورى لأبوين أمريكيين فى مدينة أولمبيا بولاية واشنطن يوم 10 إبريل عام 1979، وبعد أن أنهت دراستها الثانوية التحقت بإحدى الجامعات الأمريكية، ثم حصلت، فى عامها الدراسى الأخير، على منحة تفرغ لمدة عام لإنجاز مشروعها للتخرج. ولأن مشروعها كان يدور حول إمكانية «التوأمة بين مدينتى رفح الفلسطينية ومسقط رأسها أولمبيا»، فقد قررت الذهاب إلى قطاع غزة حين كانت الانتفاضة الفلسطينية الثانية فى ذروتها، حيث استقرت لبعض الوقت فى مدينة رفح وأحبت أهلها وأحبوها. وفى يوم 16 مارس من العام نفسه، وبينما كانت تقف متضامنة مع نساء وأطفال أحد المنازل الفلسطينية التى قرر الجيش الإسرائيلى هدمها، سحقها جرار يقوده جندى إسرائيلى أثناء محاولتها منعه من الاقتراب من هذا المنزل. وقد حاولت إسرائيل تصوير الأمر على أنه حادث وقع بطريق الخطأ، لكنها رفضت إجراء أى تحقيقات خارج نظاق الجيش الإسرائيلى، وتبين، فيما بعد، وبما لا يدع مجالا لأى شك، أن الجندى الإسرائيلى دهس الفتاة الأمريكية عامدا متعمدا. لم تكن راشيل كورى فتاة عادية، وكان جسدها النحيل يخفى بداخله إرادة فولاذية تدفعها لرفض الظلم والدفاع عن المظلومين، وكانت حالمة موهوبة تعبر عن مشاعرها وتكتب يومياتها فى رسائل قصيرة وطويلة ترسلها لوالدتها عبر البريد الإلكترونى. ويبدو أن هذه اليوميات، التى نشرت صحيفة الجارديان البريطانية بعضا منها، كانت هى بداية الخيط الذى أكد شكوكا كثيرة ثارت حول ملابسات مصرعها، وقد ألهبت قصتها خيالات العديد من المبدعين، لتتحول إلى نغمات ترددت على شفاه المطربين عبر أكثر من 30 أغنية، وإلى مسرحيات طويلة وقصيرة عرضت فى أماكن عديدة، كان من بينها مسرحية أخرجها آلان ريكمان ومنعت فى أمريكا بعد عرضها لفترة قصيرة لتعرض على مسرح «رويال كورت» البريطانى. راشيل كورى هى الوجه الآخر غير القبيح لأمريكا، وكتب عنها المفكر العربى الفلسطينى الراحل إدوارد سعيد، وقدم ياسر عرفات التعازى لأهلها واعتبرها ابنة لفلسطين وللشعب الفلسطينى ووعد بإطلاق اسمها على أحد شوارع غزة. ليس من الواضح ما إذا كان ياسر عرفات قد أوفى بوعده أم لا، لكن المؤكد أن اسم راشيل كورى سيظل خالدا فى الضمير الإنسانى، ودليلا على أن أمريكا الرسمية ستظل دائما، حتى فى عهد أوباما، جاهزة للتواطؤ مع إسرائيل والتغطية على كل أعمالها الإجرامية، بما فى ذلك قتل المواطنين الأمريكيين أو التجسس على الولاياتالمتحدةالأمريكية، لكننى أظن أن هذا الوضع لن يستمر طويلا، فقد بدأ العالم كله يضيق بهذه الدولة المارقة، التى أصبحت تشكل خطرا فعليا على السلام.