أوقاف القليوبية تنظم قافلة دعوية كبرى وأخرى للواعظات بالخانكة    مجلس الشيوخ يناقش أموال الوقف ونقص الأئمة والخطباء ومقيمي الشعائر.. الأحد    أبرزها قانون المنشآت الصحية.. تعرف على ما ناقشه «النواب» خلال أسبوع    الذهب يخسر 3% في بداية تداولات الأسبوع    التموين تستعد لعيد الأضحى بضخ كميات من اللحوم والضأن بتخفيضات 30%    محافظ أسيوط يتابع مستجدات ملف التصالح في مخالفات البناء    رئيس جامعة المنيا يشهد حفل ختام أنشطة كلية التربية الرياضية    زعيم المعارضة ببريطانيا: سأعترف بدولة فلسطين حال فوزي بالانتخابات    بوليتيكو: واشنطن تدرس القيام بدور بارز في غزة بعد الحرب    موعد مباراة الأهلى والزمالك فى نهائى دورى كرة اليد والقناة المجانية الناقلة    برشلونة يعلن إقالة تشافي رسميًا.. وهذا هو البديل    جوميز يتراجع ويمنح لاعبي الزمالك راحة من التدريبات اليوم    محمد صلاح يستعد لمعسكر المنتخب ب «حلق شعره»    الأهلى يكشف حقيقة حضور إنفانتينو نهائى أفريقيا أمام الترجى بالقاهرة    الأمن العام يكشف غموض 10 جرائم سرقة ويضبط 9 متهمين| صور    إحالة سائق أوبر للجنايات في واقعة اختطاف «سالي» فتاة التجمع    مصرع وإصابة 3 أشخاص في الشرقية    انهيار مدحت صالح أثناء وداع شقيقه أحمد وتشييع جثمانه من مسجد الحصري (بث مباشر)    عائشة بن أحمد تكشف سبب هروبها من الزواج    بطولة عمرو يوسف.. فيلم شقو يقفز بإيراداته إلى 72.7 مليون جنيه    هل تراجعت جماهيرية غادة عبدالرازق في شباك تذاكر السينما؟.. شباك التذاكر يجيب    قافلة الواعظات بالقليوبية: ديننا الحنيف قائم على التيسير ورفع الحرج    مفتي الجمهورية: ينبغي التثبُّت قبل إلصاق أي تهمة بأي إنسان    من صفات المتقين.. المفتي: الشريعة قائمة على الرحمة والسماحة (تفاصيل)    بالفيديو.. متصل: حلفت بالله كذبا للنجاة من مصيبة؟.. وأمين الفتوى يرد    ما هو موعد عيد الأضحى لهذا العام وكم عدد أيام العطلة المتوقعة؟    مدير جمعية الإغاثة الطبية بغزة: لا توجد مستشفيات تعمل فى شمال القطاع    الاحتفال باليوم العالمي لارتفاع ضغط الدم بطب عين شمس    «التنمية الصناعية»: طرح خدمات الهيئة «أونلاين» للمستثمرين على البوابة الإلكترونية    قائمة أسعار الأجهزة الكهربائية في مصر 2024 (تفاصيل)    وزارة الداخلية تواصل فعاليات مبادرة "كلنا واحد.. معك في كل مكان" وتوجه قافلة إنسانية وطبية بجنوب سيناء    وزير الري: إفريقيا قدمت رؤية مشتركة لتحقيق مستقبل آمن للمياه    "طرد للاعب فيوتشر".. حكم دولي يحسم الجدل بشأن عدم احتساب ركلة جزاء للزمالك    الجيش الأمريكي يعتزم إجراء جزء من تدريبات واسعة النطاق في اليابان لأول مرة    الشرطة الإسبانية تعلن جنسيات ضحايا حادث انهيار مبنى في مايوركا    رئيسة جامعة هومبولت ببرلين تدافع عن الحوار مع معتصمين مؤيدين للفلسطينيين    لمدة 4 ساعات.. قطع المياه عن منطقة هضبة الأهرام مساء اليوم    الإفتاء: الترجي والحلف بالنبي وآل البيت والكعبة جائز شرعًا في هذه الحالة    أول جمعة بعد الإعدادية.. الحياة تدب في شواطئ عروس البحر المتوسط- صور    تعشق البطيخ؟- احذر تناوله في هذا الوقت    الدبلومات الفنية 2024.. 51 ألف طالب يؤدون الامتحانات بالقاهرة غدًا    الإسلام الحضاري    أبرزها التشكيك في الأديان.. «الأزهر العالمي للفلك» و«الثقافي القبطي» يناقشان مجموعة من القضايا    الأكاديمية العسكرية المصرية تنظم زيارة لطلبة الكلية البحرية لمستشفى أهل مصر لعلاج الحروق    تعرف على مباريات اليوم في أمم إفريقيا للساق الواحدة بالقاهرة    في ختام دورته ال 77 مهرجان «كان» ما بين الفن والسياسة    رئيس الأركان يتفقد أحد الأنشطة التدريبية بالقوات البحرية    الإسكان: تشغيل 50 كم من مشروع ازدواج طريق سيوة - مطروح    انطلاق امتحانات الدبلومات الفنية غدا.. وكيل تعليم الوادى الجديد يوجه بتوفير أجواء مناسبة للطلاب    حزب الله يستهدف جنوداً إسرائيليين بالأسلحة الصاروخية    بوتين يوقع قرارا يسمح بمصادرة الأصول الأمريكية    "صحة مطروح" تدفع بقافلة طبية مجانية لخدمة أهالي قريتي الظافر وأبو ميلاد    الصحة العالمية: شركات التبغ تستهدف جيلا جديدا بهذه الحيل    «العدل الدولية» تحاصر الاحتلال الإسرائيلي اليوم.. 3 سيناريوهات متوقعة    حظك اليوم برج العقرب 24_5_2024 مهنيا وعاطفيا..تصل لمناصب عليا    مدرب الزمالك السابق.. يكشف نقاط القوة والضعف لدى الأهلي والترجي التونسي قبل نهائي دوري أبطال إفريقيا    نقيب الصحفيين يكشف تفاصيل لقائه برئيس الوزراء    إصابة 5 أشخاص إثر حادث اصطدام سيارة بسور محطة مترو فيصل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



.. ومازال النيل يجرى.. من جنادل أسوان إلى شواطئ «المتوسط»

س: لماذا يحب النهر مصر؟ ج: يصل أراضيها بشوق عاشق.. ويلتقط أنفاسه بعد رحلة شاقة.. ويتهادى حتى مصبه
من حدودها الجنوبية يتسلل نهر النيل إلى مصر هادئاً وديعاً. هنا ينهى النهر رحلة طويلة شاقة، تبدأ من الجنوب حيث منبعه فى قلب القارة السمراء، وتنتهى عند مصبه فى أقصى الشمال الشرقى على أطراف القارة البعيدة.
يدرك النهر الفوّار أن رحلته فى مصر لها طعم مختلف، ليس فقط لأن مصر بلد المصب التى تمنحه ختم الوصول إلى نقطة النهاية، ولكن لأنه على تلك الأرض يلتقط أنفاسه للمرة الأولى، فيودع ما كان له من خشونة وقسوة تصاحبه على امتداد مجراه، ويستعد لرحلة جديدة يتهادى فيها هذه المرة برقة ووداعة ووقار يغلف ضفتيه من أسوان حتى دمياط ورشيد.
يمتد النيل داخل مصر مسافة تقدر ب1536 كم.. امتداد يقول عنه الراحل جمال حمدان فى سيمفونيته الخالدة الشهيرة «شخصية مصر» إنه «أكبر مما نتصور عادة»، ذلك أن احتساب التعريجات والثنيات فى جسد النيل يمنحه طولاً غير محسوس.
يستحوذ الوادى وحده على 1052 كم، بينما يبلغ نصيب الدلتا 484 كم، مقسمة بين فرعى دمياط ورشيد بواقع 239 كم لفرع رشيد، و245 لفرع دمياط، على مساحة طول تبلغ 170 كم يتم احتسابها من القاهرة، فى حين يمتد الوادى أيضاً من نفس النقطة حوالى 903 كم أى ما يعادل خمسة أضعاف طول الدلتا.
يبدأ نهر النيل رحلته على الأراضى المصرية من نقطة تقع أسفل مدينة أسوان. يدخلها متخفياً فى صورة البحيرة التى تحمل اسم الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، صاحب قرار إنشاء سد مصر العالى، وبحيرته التى توصف بأنها «أكبر بحيرة صناعية فى العالم»، صنعت البحيرة خصيصاً لتكون خزان مصر الدائم للمياه فى أوقات انخفاض مياه فيضان النيل.
يقطع النيل داخل مصر ما يقرب من ثلثى مساحة البحيرة، بعد أن يودع الثلث الباقى فى السودان، يصطدم فى أول دخوله بالجنادل التى تعوق سيره بعض الوقت.
ثلاثة مواضع «حرجة ومعروفة» كما يقول الدكتور جمال حمدان أولها «باب الكلابشة» الذى يقع إلى الجنوب من أسوان بنحو 50 كم، وهو كما يصفه حمدان «أضيق خانق فى النوبة المصرية»، وهو عبارة عن «اختناق فى المجرى يمتد لنحو 5 كم، يضيق فيه النهر إلى 200 متر فقط، كما تتحول فيه جوانب النهر وقاعه من صخور الخرسان النوبى السابقة واللاحقة إلى صخور بلورية نارية صلبة فأسفل طبقة من الحصى والرمال سمكها نحو 20 متراً، توجد الصخور الجرانيتية لعمق يزيد على 30 متراً».
أما الموضع الثانى فيعرف ب«الشلال الأول»، ويقع جنوب أسوان بنحو 7 كم، وهو كما يقول حمدان «لا شلال ولا أول»، وإنما «جندل من جنادل ثنية النوبة أى مجرد أسراب متواصلة أو أرخبيلات نهرية من الصخور تعترض مجرى النهر دون سقوط، وهو إلى ذلك الجندل السادس والأخير».
وبشىء من التفصيل يصف حمدان الشلال بقوله «يتكون الشلال من نحو دستة من الجزر الرئيسية الكبيرة أو المتوسطة، يتشعب النهر بينها إلى عدة مجار، يضاف إليها سديم من مئات من الجزر الميكروسكوبية التى لا تعدو أن تكون صخوراً ضخمة، ورغم التركيب الصخرى، فإن بعض الجزر الكبرى طمى النيل إلى غطاها وباتت تزرع وتسكن».
يبقى الموضع الثالث والأخير الذى يعرفه حمدان باسم «خانق السلسلة» الذى يقع على بعد 40 كم من أسوان، وإلى الشمال قليلاً من كوم امبو، ويصفه حمدان بأنه «كتلة من الحجر الرملى النوبى المكون من طبقات صلبة ضخمة تكثر بها المفاصل الرأسية» عنده يتحول النهر إلى مجرى مختنق لا يعدو 300 متر، ولذا يعرف ب«خانق» السلسلة، والسلسلة نفسها يمكن أن تكون كما يقول حمدان «نسبة إلى السلسلة الحديدية الحاجزة التى على غرار تقليد العصور الوسطى الشائع كانت تمتد عبر النهر هنا منعاً لزحف السفن المعادية من الجنوب».
تبدو الطبيعة التى يصفها حمدان قاسية للغاية.. مجرى مائى يختنق ويتلوى، ولا يستطيع السير دون معوقات.. على النقيض تماماً يبدو السكان الذين يحيطون به - أهالى النوبة - ببشرتهم السمراء، وأخلاقهم اللينة المنبسطة، وأرواحهم الصافية التى لا تنافسها فى صفائها سوى مياه النهر الرقراقة العذبة.
لم يعرف النوبيون لأنفسهم حياة بعيداً عن النهر.. تبرز منازلهم الملونة البهيجة فى خلفية المشهد صانعة مع المياه الرائقة معزوفة شديدة البهاء. تم ترحيل بعض منهم أثناء إقامة السد العالى، ومنذ ذلك الوقت وهم يطالبون ب«حق العودة» لقراهم القديمة التى أغرقتها مياه النيل.
من مدينة أسوان يسير النيل مستقيماً حتى مركز كوم أمبو، يتعرج إلى اليسار قليلاً قبل وصوله لمركز إدفو، وبانحراف شديد إلى جهة اليسار يتابع النيل سيره فى اتجاه مركز إسنا، ثم يواصل انحرافه جهة اليسار مع الاقتراب من الجنوب استعداداً لثنية قنا الشهيرة.
ثم تبدأ ثنية قنا، تلك التى يصفها جمال حمدان بأنها «أكبر وأخطر انثناءة فى اتجاه النهر بمصر، بمحاورها الثلاثة التى تجرى معاً فى دورة عكس عقارب الساعة كما قد نقول، مؤلفة أضلاع مربع مفتوح غير كامل كما أنه غير صارم، حيث إن ضلعه الجنوبى أقرب إلى المحور الجنوبى الغربى الشمالى الشرقى، بحيث يكاد يتشوه المربع إلى مثلث، ويكاد شكل الثنية برمتها يكون مزيجاً غير عادى من نصف الدائرة المنبعجة، والمربع الناقص، والمثلث المنكسر».
فى قنا يظهر الطابع الجنوبى واضحاً للغاية فى أخلاقيات الناس.. هناك حدة فى الطباع، ربما تتسبب فيها خشونة التضاريس التى تجبر النهر على الانثناء، ووضوح وصراحة فى المشاعر، ربما تنبع من اتساع مجرى النهر، وعطائه غير المحدود. على الرغم من ذلك لا يفارق اللون الأسمر بشرة الجنوبيين هناك.. يتدرج بين القمحى الغامق بدرجاته، حتى يصل لأفتح نقطة فيه، إلا أنه لا يفارق أهل الصعيد فيلتصق بهم تماماً كعلامة الجودة.
من قنا يوغل النيل بعد انفراج ثنيته إلى الشمال الغربى مخترقاً محافظة سوهاج ثم أسيوط، حتى يصل إلى مركز منفلوط التابع لمحافظة أسيوط، هناك يعدل اتجاهه من الشمال الغربى إلى الشمال نصاً ما بين منفلوط ومركز سمالوط التابع لمحافظة المنيا، ومن سمالوط ينحرف النهر بشكل طفيف إلى اتجاه الشمال الشرقى مخترقاً محافظتى بنى سويف، والفيوم اللتين يزورهما عن طريق بحر يوسف أحد فروعه التاريخية.
يبتعد الجبل تدريجياً عن مجرى النهر كلما اتجهنا شمالاً، ترق التضاريس، وينعكس ذلك بالتبعية على طباع السكان انعكاساً مباشراً، فهم فى سوهاج غيرهم بالتأكيد فى أسيوط، تنفرج أخلاقهم قليلاً عندما نقترب من المنيا، ولا تفارقهم حدة الطباع إلا عند اقتراب النهر من القاهرة.
يصل النيل للقاهرة عقب رحلة طويلة. يحاذيها من جهتها الغربية ويترك الجيزة لتطل عليه بجهتها الشرقية، ثم يتركها لينحرف قليلاً جهة الغرب بطول يقترب من 23 كم فى اتجاه القناطر الخيرية، نفس الموضع الذى يفترق فيه النهر إلى فرعين أحدهما يتجه ناحية الشرق ويعرف بفرع دمياط، والثانى يتجه ناحية الغرب ويعرف بفرع رشيد، ويرجع السبب فى تلك التسمية إلى المدن الواقعة فى نهاية الفرعين عند التقاء النهر مع مصبه بعد رحلة شديدة الطول.
لا يقتصر تفرع النيل عند القناطر الخيرية على فرعين، وإنما تتسلل مياهه مشكلة عشرات الترع والقنوات والرياحات كالمروحة جامعة بين ضفافها محافظات القليوبية المنوفية والشرقية والغربية والدقهلية وكفر الشيخ والبحيرة ودمياط. هناك تنبسط أخلاق الناس تبعاً لانبساط أراضيهم.. لا جبال، ولا تضاريس، ولا ثنيات تعقد حياة الناس.. فقط مياه غامرة تجرى بانتظام وتروى الأراضى المنبسطة على امتداد الأفق.
يعرف النهر طريقه جيداً مع انتهاء الرحلة إلى حيث مصبه.. سواء عند مدينة رأس البر التابعة لمحافظة دمياط، أو مدينة رشيد التابعة لمحافظة البحيرة.. هناك حيث يضع النيل بنفسه ولنفسه خاتمة للرحلة التى قطعها، ولا يزال منذ آلاف السنين.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.