هو الوحيد الذى لا يمثل اختراقه للحدود أزمة، إنما يشكل غيابه، بل مجرد نقصانه، تهديدا للأمن القومى. من هنا ينتظر أن يشكل التوقيع المرتقب لدول منابع حوض النيل على الاتفاقية الإطارية بعد غد الجمعة «14 مايو»- حال تنفيذ تهديداتهم- علامة فاصلة فى تاريخ علاقات دول الحوض، منذ ارتبط اقتصادها ووجودها بشريان النيل. فى البدء كانت «فكتوريا» واحدة من كبرى بحيرات العالم العذبة. منها تفجّر نهر النيل، شاقا طريقه من الجنوب إلى الشمال بتفرد جغرافى مع ميل الأرض، مخلفا وراءه خط الاستواء، وعن يمينه القرن الأفريقى، إحدى أكثر مناطق العالم معاناة من المجاعة والجفاف. هكذا نبع النيل منذ فجر التاريخ من قارة ملؤها التناقضات، بنحو 7 أسماء مختلفة، من نيل «فكتوريا» إلى «ألبرت» إلى «بحر الجبل» إلى «النيل الأبيض» إلى «النيل الأزرق» ثم «عطبرة» ف «نهر النيل». يخترق النهر أولا «7» أراض ٍهى دول المنبع، يلتوى عبرها مساره ثم يستقيم ثم يعود لينحنى، إلى أن يخترق بعنفوان الأراضى السودانية ثم المصرية- دولتى المصب. وفى نهاية رحلة طولها 6650 كم، ينتهى بفرعى رشيد ودمياط، ليمنحاه بجدارة صك ثانى أطول أنهار الكرة الأرضية، التى من أجلها جاء تجمع حوض النيل، المكون من الدول ال 9 التى يمر بها، إضافة إلى إريتريا- بصفة مراقب. ومن أجله، وقعت بريطانيا الاستعمارية، نيابة عن بعض دول الحوض، اتفاقية مع مصر عام 1929 تلتها اتفاقية عام 1959، التى تضمنت بند «الأمن المائى»، القاضى بمنع إقامة أى مشروعات على الحوض إلا بالرجوع لدولتى المصب. ويمثل هذا البند أحد أهم القيود التى تتضرر منها دول المنبع حاليا، وترفضها باعتبارها اتفاقيات غير ملزمة على أساس أنها أبرمت فى الحقبة الاستعمارية، ما انقسمت حوله الآراء بين وصفها ب«مطالب مشروعة»، أو انعكاس لحالة من «التمرد» المتصاعد فى جنوب الوادى.