علاقتى بطارق العشرى تتجاوز بكثير وظيفته كمدير فنى لحرس الحدود، ودائماً أرى مشواره ومسيرته ومكانته أعمق جدا من أن أنتمى للنادى الأهلى فأتمنى خسارة طارق والحرس غداً فى نهائى كأس مصر، أو أنتمى لنادى الزمالك فأتمنى التوفيق والمكسب للحرس الذى يقوده طارق العشرى.. فطارق ليس فقط واحداً من قادة المدربين الجدد فى مصر الذين ردوا لهذه المهنة كرامتها وبريقها وأعادوا صياغة حدودها وقوانينها.. ولكنه أصبح أحد العناوين المهمة التى تفضح تناقضاتنا الرياضية فى مصر.. فعلى الرغم من نجاحات طارق كمدرب وثقافته الكروية رفيعة المستوى فإنه لا أحد يحفل به باعتباره ليس منتمياً لدولتى الأهلى والزمالك.. هو مجرد موهوب عابر من غلابة أقاليم كرة القدم.. فهو بالميلاد ينتمى لكفر الدوار وباللعب للاتحاد السكندرى وبالتدريب لحرس الحدود.. وهؤلاء الغلابة يولدون فى صمت ويرحلون أيضاً فى صمت إن لم يجتازوا البوابات الحمراء أو البيضاء.. وحين يفاجأ هؤلاء الفقراء المنسيون والمهمشون بإعلام رياضى مصرى لا يعترف بغير الأهلى والزمالك.. يرضى معظمهم بهذا القدر الضئيل جدا المتاح أمامهم من الضوء والاهتمام والانتباه.. فيبقى قليلون جدا منهم يرفضون الاستسلام ويصرون على قطع المشوار حتى آخره مهما كانت المصاعب والتحديات.. وطارق العشرى كان واحداً من هؤلاء القليلين.. تلميذ موهوب اكتشف أنه لا يملك الوساطة ولا رسوم الالتحاق بالمدرستين الكبيرتين.. فقرر أن يلجأ للدروس الخصوصية.. فأصبح التلميذ الأول لمانويل جوزيه.. يذهب له فى النادى الأهلى أو خارجه.. يسأله ويناقشه ويتعلم منه ويراجع معه الدروس والنصوص والأفكار.. حتى إن جوزيه قبل رحيله عن مصر اعترف مؤكدا أنه يترك ابناً له فى مصر هو طارق العشرى.. وهكذا يمكن التوقف مؤقتاً أمام المشهد التدريبى فى نهائى الكأس غداً لنكتشف أن جوزيه هو الحاضر الغائب فى هذا اللقاء.. فالأهلى يقوده البدرى الذى يعتبره جوزيه خليفته الرائع والقادر على إكمال المسيرة مع الأهلى.. والحرس يقوده طارق العشرى التلميذ النجيب لمانويل جوزيه.. وبصرف النظر عمن سيفوز غدا: البدرى ليحقق بطولته الثانية مع الأهلى ويداوى كثيراً من جروح التشكيك فى قدرته وكفاءته واستحقاقه لمكانه ودوره.. أم العشرى لتصبح هذه الكأس هى بطولته الثالثة مع الحرس ويصبح أحد المدربين المصريين القلائل جدا فى العشرين سنة الماضية الذين فازوا بثلاث بطولات كروية رسمية.. فإن الاثنين رائعان ويستحقان التصفيق.. لكننى واثق أن كثيرين لن يصفقوا للعشرى سواء فاز أو خسر.. فمن المنطقى جداً ألا يصفق جمهور الأهلى لمدرب آخر إن فاز على الأهلى.. وجمهور الزمالك لن يصفق للعشرى مهما فاز لأن عشاق الزمالك باتوا يكرهون العشرى الذى رفض التنازل عن أحمد عبدالملك للزمالك.. والجمهوران معاً لم يصفقوا أبدا لمدرب مصرى شاب بدأت تنهال عليه عروض لتدريب منتخبات أفريقية وأندية عربية اعترافاً بقدراته وفكره الكروى.. وأنا بالفعل أتمنى خروج العشرى لأفريقيا أو لأى بلد عربى، ويلحق بأنور سلامة الذى بدأت رحلته مع الاتحاد الليبى.. فالعشرى هو أحد القليلين فى مجال التدريب الذى يمكن بهم أن تتحول الكرة إلى صناعة مصرية قابلة للتصدير لأسواق جديدة.. وإن كنا قد فشلنا فى إقناع نجوم اللعب بأن يقوموا بذلك.. فهؤلاء المدربون الكبار المثقفون الرائعون قادرون على ذلك تماما. [email protected]