أسعار الدولار مساء السبت 13 ديسمبر 2025    قتلى أمريكيون في هجوم داعش بتدمر.. سوريا تكشف تفاصيل الحادث وتحذيرات تجاهلها التحالف الدولي    مصر تدعو للتهدئة والالتزام بمسار السلام في الكونغو الديمقراطية    الرئيس الإندونيسي يؤكد توصيل مياه الشرب وإصلاح البنية التحتية لسكان المناطق المنكوبة بالفيضانات    تشكيل أرسنال لمواجهة وولفرهامبتون في البريميرليج    بالأسماء.. إصابة 14 شخصًا بحادث تصادم في البحيرة    مدير المتحف الكبير ردا على تسرب مياه الأمطار للبهو: لا خطأ في التصميم.. والتدخل البشري كافٍ للتعامل معها    رئيس مجلس القضاء الأعلى يضع حجر أساس مسجد شهداء القضاة بالتجمع السادس    غدا، بدء الصمت الانتخابي في 55 دائرة بجولة الإعادة للمرحلة الثانية من انتخابات النواب    شعبة الدواجن: المنتجون يتعرضون لخسائر فادحة بسبب البيع بأقل من التكلفة    ريهام أبو الحسن تحذر: غزة تواجه "كارثة إنسانية ممنهجة".. والمجتمع الدولي شريك بالصمت    برلماني أوكراني: البعد الإنساني وضغوط الحلفاء شرط أساسي لنجاح المفاوضات    توافق مصرى فرنسى على ضرورة إطلاق عملية سياسية شاملة تؤدى إلى إقامة الدولة الفلسطينية    جهاز تنمية المشروعات ومنتدى الخمسين يوقعان بروتوكول تعاون لنشر فكر العمل الحر وريادة الأعمال    وزير الشباب يشهد ختام بطولة الأندية لكرة القدم الإلكترونية باستاد القاهرة    منال عوض: المحميات المصرية تمتلك مقومات فريدة لجذب السياحة البيئية    ضبط 5370 عبوة أدوية بحوزة أحد الأشخاص بالإسكندرية    كثافات مرورية بسبب كسر ماسورة فى طريق الواحات الصحراوى    25 ألف جنيه غرامات فورية خلال حملات مواعيد الغلق بالإسكندرية    «أفريكسيم بنك»: إطلاق مركز التجارة الإفريقي بحضور مدبولي يعكس دور مصر المحوري في دعم الاقتصاد القاري    يوسا والأشكال الروائية    الشناوي: محمد هنيدي فنان موهوب بالفطرة.. وهذا هو التحدي الذي يواجهه    من مسرح المنيا.. خالد جلال يؤكد: «مسرح مصر» أثر فني ممتد وليس مرحلة عابرة    "فلسطين 36" يفتتح أيام قرطاج السينمائية اليوم    يسري جبر يوضح حقيقة العلاج بالقرآن وتحديد عددٍ للقراءة    مستشار الرئيس للصحة: الإنفلونزا الموسمية أكثر الفيروسات التنفسية انتشارا هذا الموسم    نوال مصطفى تكتب: صباح الأحد    توقف قلبه فجأة، نقابة أطباء الأسنان بالشرقية تنعى طبيبًا شابًا    القومي لذوي الإعاقة يحذر من النصب على ذوي الاحتياجات الخاصة    برلماني أوكراني: البعد الإنساني وضغوط الحلفاء شرط أساسي لنجاح أي مفاوضات    مكتبة الإسكندرية تستضيف "الإسكندر الأكبر.. العودة إلى مصر"    المجلس الأعلى للشئون الإسلامية: الطفولة تمثل جوهر البناء الإنساني    قائمة ريال مدريد - بدون أظهرة.. وعودة هاوسن لمواجهة ألافيس    منافس مصر - مدرب زيمبابوي ل في الجول: بدأنا الاستعدادات مبكرا.. وهذا ما نعمل عليه حاليا    موعد صرف معاشات يناير 2026 بعد زيادة يوليو.. وخطوات الاستعلام والقيمة الجديدة    قائمة الكاميرون لبطولة كأس الأمم الأفريقية 2025    إعلام عبرى: اغتيال رائد سعد جرى بموافقة مباشرة من نتنياهو دون إطلاع واشنطن    حبس مدرب أكاديمية كرة القدم بالمنصورة المتهم بالتعدي على الأطفال وتصويرهم    نائب محافظ الأقصر يزور أسرة مصابي وضحايا انهيار منزل الدير بمستشفى طيبة.. صور    جامعة أسيوط تنظم المائدة المستديرة الرابعة حول احتياجات سوق العمل.. الاثنين    بدء الصمت الانتخابي غدا فى 55 دائرة انتخابية من المرحلة الثانية لانتخابات النواب    محافظ الغربية يهنئ أبناء المحافظة الفائزين في الدورة الثانية والثلاثين للمسابقة العالمية للقرآن الكريم    مواقيت الصلاه اليوم السبت 13ديسمبر 2025 فى المنيا    لاعب بيراميدز يكشف ما أضافه يورتشيتش للفريق    «الجمارك» تبحث مع نظيرتها الكورية تطوير منظومة التجارة الإلكترونية وتبادل الخبرات التقنية    وصفة الزبادي المنزلي بالنكهات الشتوية، بديل صحي للحلويات    محافظ أسيوط يفتتح المؤتمر السنوي الثالث لمستشفى الإيمان العام بنادي الاطباء    فيديو.. الأرصاد: عودة لسقوط الأمطار بشكل مؤثر على المناطق الساحلية غدا    طلعات جوية أميركية مكثفة فوق ساحل فنزويلا    إخلاء سبيل والدة المتهم بالاعتداء على معلم ب"مقص" في الإسماعيلية    تعرف على إيرادات فيلم الست منذ طرحه بدور العرض السينمائي    الأهلي يواجه الجيش الرواندي في نصف نهائي بطولة إفريقيا لكرة السلة للسيدات    محافظ أسيوط يقود مفاوضات استثمارية في الهند لتوطين صناعة خيوط التللي بالمحافظة    القضاء الإداري يؤجل دعوى الإفراج عن هدير عبد الرازق وفق العفو الرئاسي إلى 28 مارس    وزيرة التضامن الاجتماعي تلتقي رئيس الطائفة الإنجيلية ووفد من التحالف الوطني للعمل الأهلي التنموي    تشويه الأجنة وضعف العظام.. 5 مخاطر كارثية تسببها مشروبات الدايت الغازية    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : ولازالت مصطبة عم السيد شاهدة ?!    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 13-12-2025 في محافظة قنا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هل الطرق غير المشروعة هى الحل؟

 لن أنسى ذلك اليوم عندما كنت أسير بشارع قصر العينى فى مارس الماضى، وأنا فى طريقى لمكتبى، وإذا بطبل وزمر وتصفيق ورقص وغناء على رصيف «الشورى»، لم أصدق نفسى من الفرحة بعد علمى أن اعتصام عمال شركة أمونسيتو الذى استمر أكثر من 21 يوماً قد نجح، وأن هناك اتفاقاً تمت صياغته - من خلال لجنة القوى العاملة بمشاركة ممثلين عن بنك مصر والنقابة العامة للعاملين فى الغزل والنسيج واللجنة النقابية للعاملين بشركة أمونسيتو - يقضى بتسوية مرضية للعاملين فى الشركة، والتزام بنك مصر بصرف تعويض لجميع العاملين بها، وحمدت الله على تحرير العمال من عبودية الحاجة والانتظار فى العراء مدة ثلاثة أسابيع.
لم يمض على هذه الواقعة أكثر من شهر حتى فوجئت أثناء مرورى فى نفس الشارع بعمال الشركة يعودون لافتراش الرصيف من جديد، اندهشت كثيراً مما رأيت، وقررت الاقتراب من أحد العمال المعتصمين لأسأله عن هذه العودة، فأجابنى بمنتهى الحسرة والأسى: «يا أستاذ وعدونا ولم يوفوا بوعدهم، أخبرونا أنهم سيعطوننا 106 ملايين جنيه كمعاش مبكر، ثم صفصف الأمر على 50 مليونا فقط، باختصار ضحكوا علينا وخدعونا، ولم يحترموا وقتنا الذى أضعناه وتركونا نخبط رؤوسنا فى الأسفلت، لأجل هذا عدنا، وتركنا بيوتنا وأهلنا ونمنا ثانية على الرصيف كى تهنأ شلة الدكتور نظيف».
وقعت كلمات الرجل فى نفسى ثقيلة موجعة حتى اضطررت إلى أن أتركه دون وداع، لأطلق العنان لقدمى على غير هدى وأنا أسأل نفسى: لماذا انحط مستوى العمال فى مصر إلى هذا الحد؟ ولماذا يتحملون وحدهم خطايا سياسات الخصخصة الفاسدة، التى تسببت فى تدمير حياتهم ومستقبلهم؟ ومن يتحمل مسؤولية الخسائر الرهيبة التى يتعرض لها العمال؟ وما معنى بقائهم فى العراء دون أن يستجيب لهم أحد؟ وإلى متى يظل الاستهتار بمشاعرهم وحقوقهم؟ وماذا لو طال المقام بهم فى العراء مدة أخرى كتلك التى قضوها منذ شهر؟
ظللت أتابع هؤلاء المساكين وما يجرى لهم وهم يحترقون تحت لظى الشمس المحرقة يومياً، يطلقون شعارات معادية للحكومة مرة، ويستجيرون بالرئيس مبارك ثانية، ويدقّون على القضبان الحديدية ويصفرون ثالثة، ثم يعودون لافتراش الأرض من شدة التعب والإجهاد فى مجموعة خلايا صغيرة يوحدهم التضرع إلى الله كى يجيرهم، ثم التوسل للمارة لكف الفرجة عليهم،
وتمضى 16 يوماً على حالهم هذا، وأنا أرى مع كل يوم يمر أن الغضب يستعر ويشتد، والإحباطات تعبر عن نفسها فى صورة مختلفة، فى خلع البعض لملابسهم، وفى صناعة دمى تعبر عن كراهية بعض المسؤولين، وفى ارتداء الأكفان التى تؤكد أن استعداد هؤلاء للموت بات أقرب وأيسر من تحملهم لمرارة الحياة.
وأمام هذه الصور توقعت أن القادم سيكون أسوأ إذا لم يتم احتواء هؤلاء العمال بسرعة، وتكف الحكومة عن صممها المخزى تجاه مطالبهم المشروعة، وكان ما توقعت، وفى مساء يوم الأحد الماضى وبعد فشل الاجتماع بين ممثلى شركة أمونسيتو ولجنة القوى العاملة بمجلس الشعب فى التوصل إلى حل، يضيق الناس بصبرهم مثلما ضاق الرصيف بهم،
ويتحول غضبهم المكبوت إلى ثورة عارمة انضم إليها تلقائياً الجيران المعتصمون على نفس الرصيف من عمال شركة النوبارية وشركة التليفونات وبعض أعضاء نقابة التجاريين وفجأة تتحول الاعتصامات المشروعة إلى حرب غير متكافئة بين مجموعة من العزل والأمن المدجج بالهراوات والعصى والقوى الجسدية، بين من لهم حق، ومن أُجبروا على إسكات الحق بالقوة رغم قناعتهم بأن الجميع قد ذاب فى بوتقة همّ واحدة، وذاق الأمرّين، لا فرق فى ذلك بين رجال الشعب ورجال الأمن،
ويتم اتخاذ أخطر قرار فى هذه الأوقات وهو إجبار جميع المعتصمين على فض اعتصامهم بالقوة، وإغلاق أهم قناة سلمية مشروعة كان يسير الناس من خلالها فى النور، للتعبير عما تجيش به صدورهم، وكانت الحكومة تستثمرها فى إيهام العالم بما تتمتع به مصر من ديمقراطية، وقد عبر الدكتور نظيف نفسه صراحة عن رضائه على الاحتجاجات السلمية التى تنتشر فى مصر، ووصفها بالمشروعة والمقبولة وأكد كونها مظهراً طبيعياً من مظاهر الحراك السياسى المحترم، وكان هذا التصريح أثناء لقائه برؤساء تحرير الصحف المستقلة.
والسؤال الآن: هل يتحول المشروع فى مصر إلى غير مشروع دون سابق إنذار؟ ألم يوافق الدكتور نظيف صراحة على هذه الاعتصامات فلماذا يرفضها الأمن إذاً؟ وإذا لم يكن للدكتور نظيف رأى فى إدارة هذا البلد، فلماذا لا تلغى حكومته نهائياً، وتترك مصر كلها تحت حكم وزارة الداخلية؟، قد يتصور البعض أن الحدوتة قد حُسِمت بتجريد رصيف مجلسى الشعب والشورى من العمال والنقابيين والأطباء والحركات السياسية وغيرها،
وهذا غير صحيح، فلا يزال دمهم، الذى سال، ينبض بحقوقهم الضائعة وحريتهم فى التعبير عن أنفسهم وحتمية التزام هذه الحكومة أخلاقياً بإعادة ما أهدرته عن طيب خاطر، ودفع الناس ثمنه رغماً عنهم، ولايزال الاحتقان موجوداً ولابد له من قناة تسمح بتفريغ الثورة والغضب حتى لا يتحول الكبت إلى انفجار، فإذا حُرِم المصريون من التعبير عن حقهم المشروع فى الاحتجاجات والاعتصامات فماذا عساهم فاعلين؟ هل سيكتفون بالفرجة على أنفسهم وهم يموتون كمداً من الكبت؟
هل سيتركون أبناءهم وبناتهم فريسة سهلة للعوز والحاجة؟ هل سيظلون يسبحون بحمد قهر النظام وأساليبه الأمنية البالية، خشية تعذيب أو تنكيل أو اعتقال؟ بالطبع لا، فعندما يضيق المرء بحياته لا يخشى الموت، وعندما يتألم ويُجْبَر على كتمان الصراخ سيفعل ما بوسعه للتعبير عن هذا الألم سواء بالطرق المشروعة أو غير المشروعة، وعندما تغلق الطرق المشروعة، فالطرق غير المشروعة هى الحل.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.