ألقى الرئيس حسنى مبارك خطاباً سياسياً شاملاً، أمس، خلال حضوره احتفال مصر بعيد العمال، تناول فيه أهم القضايا الداخلية، وأكد أنه سوف يكون دائماً منحازاً لقضايا العمال وحقوقهم ومصالحهم، محذراً فى الوقت نفسه من أن زيادة الأجور «التى لا تعكس مستوى الإنتاجية» ستؤدى إلى «انحسار فرص العمل وزيادة التضخم»، وشدد الرئيس على نزاهة الانتخابات البرلمانية والرئاسية المقبلة، مطالباً من «يرفعون الشعارات» بأن «يجتهدوا لإقناع الشعب برؤى واضحة تطرح الحلول لمشكلاتنا». وأضاف الرئيس فى كلمته التى ألقاها فى قاعة المؤتمرات بمدينة نصر أنه كلف الحكومة ب«تحقيق أهداف محددة خلال الاثنى عشر شهراً المقبلة تستكمل ما وعد به برنامجى الانتخابى وتضيف إليه»، موضحاً: «سنشهد خلال الأشهر المقبلة تشغيل 200 مصنع جديد، وإقامة 12 منطقة صناعية و7 مناطق تجارية جديدة، وسنطرح حوافز جديدة لاستثمارات القطاع الخاص، ونتيح مجالات جديدة لمشاركة الاستثمارات العامة والخاصة فى إطار مشروع القانون المعروض أمام الدورة الحالية للبرلمان، كما سندفع باستثمارات جديدة للدولة بمقدار 8 مليارات جنيه على الأقل نوجهها لقطاعات الإنتاج والخدمات والبنية الأساسية». وأشار الرئيس إلى أنه وجه الحكومة للعمل على اجتذاب استثمارات مصرية وعربية وأجنبية لا تقل سنوياً عن 24% من الناتج الإجمالى المحلى، توفر ما لا يقل عن مليون فرصة عمل جديدة عاماً بعد عام، كما كلفها بالمضى فى تنفيذ خطة محددة لمضاعفة صادراتنا غير البترولية خلال السنوات الأربع المقبلة، لتصل إلى 200 مليار جنيه عام 2013. وأكد الرئيس أن الحاجة لاتزال قائمة «لمراجعة دقيقة للتشريعات الحاكمة للعلاقة بين العمال وأرباب الأعمال بما يحقق عدالة وتوازن هذه العلاقة وتفعيل الرقابة عليها والتزام الشركات بمسؤوليتها الاجتماعية. وطالب الحكومة والبرلمان بالعمل على إنجاز تعديلات القوانين ذات الصلة «على نحو يحقق الزيادة المطلوبة فى النشاط الاقتصادى ويسمح - فى ذات الوقت - بتخارج الشركات فى حالة اضطرارها لذلك مع توفير الضمانات القانونية للحفاظ على حقوق العاملين بما فى ذلك أولوية سداد مستحقاتهم المالية بضوابط تضمن الوفاء بهذه المستحقات دون مماطلة أو إبطاء ودون الإخلال بحماية مستحقات باقى الدائنين». وفيما يتعلق بقضية الأجور والمطالبات المستمرة بزيادتها ورفع الحد الأدنى لها، قال مبارك: «لقد عملنا على زيادة الأجور عاما بعد عام ليس من خلال قرارات إدارية تلتهمها زيادة الأسعار وإنما بجهود مستمرة لرفع إنتاجية العمال، وجهود موازية للسيطرة على غلاء الأسعار الوارد إلينا من الخارج»، مضيفاً: «تعلمون جميعاً أن الأجور والرواتب قد زادت خلال السنوات الخمس الماضية بأكثر مما وعد برنامجى الانتخابى بتحقيقه فى ست سنوات». واعتبر الرئيس أن «أى زيادة غير واقعية فى الأجور لا تعكس مستوى الإنتاجية ستؤدى إلى تراجع قدرتنا التنافسية وانحسار فرص العمل وزيادة التضخم»، وتساءل قائلاً: «هل هذا ما نريده، وهل هذا ما يعود بالنفع على المجتمع بأكمله ويدعم قدرتنا على زيادة الاستثمار والنمو والتشغيل؟». وقال مبارك: «إن الاهتمام بزيادة الأجور يصاحبه اهتمام مماثل بزيادة المعاشات، فمن يتقاعد بعد سنوات من العمل والعطاء لابد أن نحافظ على حقوقه، وأن نضمن الحياة الكريمة له ولأسرته»، مشيراً إلى أن اعتماد قانون التأمينات الجديد بالبرلمان سوف يؤدى لرفع معاشات 2.7 مليون مواطن تقع معاشاتهم الحالية دون الحد الأدنى الذى يحدده القانون الجديد وتزداد بنسب تصل إلى 300% لأدنى معاش يصرف اليوم، فور تطبيق القانون. واعتبر الرئيس أن عالم اليوم يشهد تحول موازين القوى الاقتصادية لصالح الاقتصادات الناشئة مثل الصين والهند والبرازيل «بما حققته هذه الدول من ارتفاع فى إنتاجية عمالها وقدرة صادراتها على المنافسة فى أسواق العالم»، مؤكداً أن مصر «صارت واحدة من هذه الاقتصادات البازغة وفق تصنيف مؤسسات التمويل الدولية المحايدة»، وأضاف:«اطلعت مؤخراً على تقارير عديدة حول توقعات أداء الاقتصاد العالمى خلال العامين الحالى والمقبل أشارت فى مجملها إلى توقع نمو دول الشرق الأوسط وأفريقيا بمعدلات تصل إلى 4.8% فى حين توقعت أن تحقق مصر معدلات للنمو تصل إلى 5.5% خلال هذه الفترة، وأقول إن طموحنا يتجاوز هذه التوقعات». وتعهد مبارك بأن يظل المواطن الفقير والأسرة محدودة ومتوسطة الدخل فى قلب تحرك الدولة نحو انطلاقة جديدة، مشدداً على مواصلة تطوير القرى الأكثر فقراً والعشوائيات والمضى فى تعديل جوهرى لقانون الضمان الاجتماعى يوسع شبكته لتغطى نصف مليون أسرة جديدة، والاستمرار فى تطوير خدمات الرعاية الصحية «إلى أن نتفق على صيغة لتدبير الموارد المطلوبة لمشروع قانون التأمين الصحى يتحملها القادرون لنرسى دعائم نظام متطور يتيح خدمات جيدة للرعاية الصحية ويغطى ملايين الأسر المصرية غير المشمولة بالتأمين حتى الآن»، كما أوضح أن الحكومة تعمل على الانتهاء من تطوير التعليم الثانوى ونظام القبول بالجامعات بحلول عام 2014. وعلى صعيد الأوضاع السياسية، قال الرئيس إن مصر تشهد فى الوقت الراهن «تفاعلاً غير مسبوق فى حركة مجتمعها هو محصلة ما بادرت إليه بالتعديلات الدستورية عامى 2005 و2007»، مؤكداً تمسكه باستكمال ما وعد به من إصلاحات سياسية «ترسخ دعائم الديمقراطية، وتدعم دور البرلمان والأحزاب، وتعزز استقلال القضاء وتنأى بالدين عن السياسة». وأشار مبارك إلى ترحيبه ب«ما تموج به مصر من تفاعل نشط لقوى المجتمع»، باعتباره «ظاهرة صحية ودليلاً على حيوية مجتمعنا»، مستدركاً: «لكننى وقد قضيت عمراً فى خدمة الوطن وشعبه أتحسب من أن ينزلق البعض بهذا التفاعل إلى انفلات يعرض مصر وأبناءها لمخاطر الانتكاس». واختتم الرئيس كلمته بالتأكيد على أننا «نقف الآن فى مفترق طرق وأمامنا خيارات وتحديات صعبة وعلينا أن نختار»، وقال: «إننى كواحد من أبناء مصر أجد نفسى اليوم وأكثر من أى وقت مضى أقوى عزماً وأشد تصميماً على ألا ترتد حركة مجتمعنا للوراء»، مؤكداً أنه «لا بديل لنا عن المضى إلى الأمام واثقين فى أنفسنا موقنين برؤيتنا وسياساتنا مؤمنين بمستقبلنا وعزيمة شعبنا، لا نهتز ولا نتردد أو نتزعزع ونمضى فى طريقنا نحو انطلاقة جديدة وغد جديد».