اتهامات بالتقصير لوزارة «السكان».. وولى أمر الضحية الثانية: عرضته على طبيب نفسى حتى لا يصبح شاذا تواصل «المصرى اليوم» كشف وقائع الاعتداء الجنسى داخل إحدى الجمعيات الخيرية للمعاقين حركياً والمدارس التابعة لها، ففى الوقت الذى حاول فيه مسؤولو الجمعية التأكيد على أن الواقعة فردية تمت مع شخص واحد فقط، أكدت المسؤولة عن الضحية الثانية- طالب «مجهول النسب» يدرس بالمرحلة الابتدائية- فى حوارها مع «المصرى اليوم» تعرض الطالب للاعتداء من الجانى فى حمام الجمعية، الأمر الذى جعله يعالج نفسياً جراء ما أصابه. على الجانب الآخر أدان عدد من الحقوقيين ما حدث فى الجمعية، لافتين إلى أن المسؤولية لا تقع على وزارتى التضامن الاجتماعى والتعليم فقط، بل إن وزارة الأسرة والسكان طرف ثالث، بسبب عدم تفعيل قانون الطفل، رغم الانتهاء منه منذ عامين، والذى ينص على ضرورة وجود لجان حماية مهمتها مراقبة أعمال الجمعيات الأهلية والحكومية والخاصة وغيرها فى معاملة الأطفال ورصد أى انتهاكات ضدهم، مؤكدين أن الجانى مهما كان فهو مراهق لم يجد إشرافاً جيداً من المسؤولين قبل أن ينتهك حق أطفال كهؤلاء فى سلامة جسدهم وأن هناك حالة من غياب الإشراف الكامل والتنسيق بين الجهتين بسبب تبعية الجمعيات الأهلية لوزارة التضامن الاجتماعى وتبعية المدارس لوزارة التربية والتعليم. كانت «المصرى اليوم» كشفت على مدار يومين عن وقائع اعتداء جنسى تحدث طوال 3 سنوات يقوم بها طالب فى جمعية أهلية تسمى «الطفولة السعيدة لمجهولى النسب والمعاقين حركياً» ضد عدد من الطلاب الذين يقيمون معه فى نفس الدار، ويدرسون فى المدرسة، التابعة للجمعية المعروفة باسم «جنة الأطفال للمعاقين حركياً». ولى أمر أحد الضحايا: الولد حلف لى أن الجانى تحرش به فى حمام الجمعية.. والمعتدى كان يتحدث معه أثناء اليوم الدراسى فى الوقت الذى تحاول فيه سحر المانسترلى، أمين صندوق الجمعية، المسؤولة عن التبرعات فيها، التأكيد على أن واقعة الاعتداء الجنسى فردية، بل إنها لم تحدث من الأساس، وإنما تم تلقينها للمجنى عليه «ط.س» واعترف بها فى محضر الإخصائى الاجتماعى ومحضر الشرطة، حاورت «المصرى اليوم» إيمان عباس محمد، المشرف العام على جمعية دار القدس لرعاية الأيتام ومجهولى النسب المعاقين حركياً، بصفتها المسؤولة عن الضحية الثانية «م.ح» الذى ورد اعترافه بواقعة الاعتداء عليه ضمن تحقيقات الإخصائى الاجتماعى، وهو الطالب نفسه الذى كشف أمر الجانى بعد أن تقدم أحد أوليا الأمور بشكوى لإدارة المدرسة بعد رؤيتها واقعة شذوذ جنسى وراء حمامات الجمعية. فالطالب «م.ح» مجهول النسب يقيم فى جمعية دار القدس، ويذهب يومياً إلى مدرسة «جنة الأطفال» الملحقة بجمعية «الطفولة السعيدة» لتلقى تعليمه هناك، لكنه لا يبيت فى الجمعية.. وكشفت المشرفة على جمعية دار القدس عن وقائع جديدة خلال هذا الحوار. ■ هل علمت الجمعية بواقعة الاعتداء الجنسى التى حدثت فى جمعية الطفولة السعيدة والتى اعترف بها الطالب «م.ح»؟ - لا أستطيع إنكار ذلك، فقد وصلتنى أخبار بالواقعة، وقمت باستجواب ابنى «م.ح» وهو من الطلاب الجيدين خلقياً، ويستمع إلى توجيهاتنا بصورة دائمة، وعندما سألته إيه اللى حصل،. قال لى «الولد بيتحرش بى»، لأن غرفته فى الجمعية بها حمامها الخاص، ليس كجمعية «الطفولة السعيدة» التى يغيب عنها الإشراف بصورة كبيرة، ولا يوجد عندنا مثلية جنسية. ■ ألا تجدين أن مصطلح «بيتحرش بى» أكبر من إدراك طالب فى المرحلة الابتدائية؟ - هو قال لى «إن الولد كان بياخدنى جوه الحمام وبيلزق فىّ». ■ وهل التصاقه به مجرد تحرش جنسى أم اعتداء جنسى؟ - يمكن أن تسميه «تاتش» جنسى. ■ ولماذا عرضته على الطبيب؟ - أردت أن أحافظ على ابنى فى الدار، لأنه من الممكن أن يتأذى بسبب ذلك، «والناس تشاور عليه فى الرايحة والجاية»، أو أنه يبدأ ممارسة أشياء مثل التى تعرض لها فى الجمعية، عندى فى المدرسة، وأخبرنى الطبيب بأن ما حدث «لعب عيال وهيروح». ■ هيروح بالأدوية؟ - آه.. (ثم استدركت) الولد ما أخدش أى علاج أو أدوية. ■ وأين حدثت الواقعة كما حكى «م.ح»؟ - فى حمام الجمعية. ■ وكيف حدث ذلك و«م.ح» يذهب إلى المدرسة فقط؟ - الجمعية فى مواجهة المدرسة مباشرة، والطالب «ج.ش» الذى يقوم بالواقعة يتواجد فى جمعية «الطفولة السعيدة» فقط، لكنه كان يتحدث مع الطلبة أثناء اليوم الدراسى ويعرض عليهم أن يذهبوا إليه بعد انتهاء اليوم الدراسى «عشان يديهم أكل» فكانوا بيروحوا له. ■ وهل كان «م.ح» يتحرك بين مدرسة «جنة الأطفال» فى شارع قصر العينى وجمعية دار القدس التى يقيم فيها بالمعادى بمفرده دون وجود مشرف لانتظاره من جمعيتكم؟ - كنت أعطى ابنى مساحة من الحرية، لكن بعد الواقعة عينت له عاملاً ليذهب به إلى المدرسة ويحضره بعد انتهاء اليوم الدراسى. ■ وما الإجراء الذى قمتم به تجاه الجمعية؟ - تحدثت إلى مسؤولى المدرسة، والناظر ضرب «ج.ش» وأقسم عليه أنه لن يقيم فى الجمعية، وبعد أن أكد لى الناظر ذلك قمت بإرسال «م.ح» مرة أخرى إلى المدرسة لأنه لا خوف ولا ضرر، وقد وعدته إذا انتظم سلوكياً بأن أتيح له الحرية مرة أخرى وأتركه يذهب ويجىء بمفرده. ■ وهل سن «م.ح» وظروفه الاجتماعية والجسمانية تتيح له التجول بمفرده بدون إشراف؟ - «م.ح» كبير.. ده فى سنة سادسة ابتدائى. حقوقيون: عدم تفعيل قانون الطفل ساعد على ارتكاب الانتهاكات أثار الكشف عن واقعة الاعتداء على الطلاب المعاقين فى الجمعية الأهلية، جدلاً واسعاً حول جدوى تنفيذ قانون الطفل، وطالب عدد من الحقوقيين بضرورة تفعيل القانون وتطبيق مواده الخاصة بحماية الأطفال فى الدور الخاصة والأهلية والحكومية، وانتقدوا عدم وجود مشرفين مؤهلين للتعامل بشكل جيد فى تلك الأماكن سواء على المستوى المهنى أو النفسى أو الاجتماعى، مشددين على ضرورة وجود عقاب رادع لكل المسؤولين عن تلك الجريمة التى انتهكت حق الأطفال فى سلامة الجسد، بخلاف المشاكل النفسية التى قد تنتج عن تلك المشكلة. وأكد هانى هلال، الأمين العام بالائتلاف المصرى لحقوق الطفل، أن تأجيل تفعيل قانون الطفل جعل المؤسسات المتعاملة مع الأطفال مجرد أسماء ولافتات فقط، لكن يتم خلفها كم كبير من الانتهاكات، وهو ما يتم رصده على فترات مثلما حدث فى دار الرحمة فى الإسكندرية، واصفاً إدارتها بالعشوائية الشديدة والضعف فى إدارتها والرقابة المجتمعية عليها، والتى تسبق الرقابة الحكومية، وقال: «طالبنا أكثر من مرة بوضع سياسات وإجراءات الحماية داخل المؤسسات المتعاملة مع الطفل، وحاولنا أن نجعل ذلك بنداً واضحاً فى قانون الطفل من خلال إجبار أصحاب المؤسسات على توقيع وثيقة سياسات خاصة بحماية الطفل وهى أحد بنود اللائحة التنفيذية لقانون الطفل، ولكن عدم تفعيل القانون جعل الإجراءات الأخرى معطلة وبالتالى فإن لجان الحماية التى مطلوب منها القيام بالدور الرقابى على المؤسسات لاتزال غير مفعلة، والموضوع برمته مسؤولية وزارة الصحة والسكان». وقال هلال: إن هناك مبدأ المسؤولية المجتمعية المنصوص عليه فى قانون الطفل الذى يدين المؤسسات قبل الحكومات فى مثل تلك المواقف، وهو ما حاولنا تسليط الضوء عليه بجانب لجان الحماية، لأن دور كل منها يكمل الثانى، ورغم إقرار قانون الطفل منذ عامين تقريباً، إلا أنه لا يوجد مبرر حتى الآن لعدم قيامه بدوره الحقيقى، خاصة أنه ينقصه بعض التوضيحات نأمل أن تنص عليها لائحته التنفيذية وهى تفصيلات خاصة بصلاحيات ودور لجان الحماية، هل ستسمح أن تدخل مؤسسات المعاقين والأيتام وأقسام الشرطة وغيره للتفتيش داخلها عن الانتهاكات للأطفال، أم أنها ستتم بشكل مقنن غير مفيد بأى شكل». وأضاف هلال: «ليست لدينا برامج تأهيل نفسى للأطفال، رغم أن غالبيتهم مصابون بمشاكل نفسية تتمثل فى العنف أو ممارسة الجنس أو الميل للسلطة على الآخرين، وهو ما تفتقده دور الرعاية فى مصر على السواء». وأكد أحمد راغب، المدير التنفيذى لمركز هشام مبارك لحقوق الإنسان، أن المسؤولية الأولى فى تلك المشكلة تقع على عاتق وزارة التضامن الاجتماعى، مع العاملين بالجمعية ومسؤوليها، لأن ما حدث هو انتهاك لحق سلامة الجسد بالإضافة إلى انتهاك لحقوق ذوى الاحتياجات الخاصة، الذين من المفترض أن جمعياتهم الأهلية هى الأولى برعايتهم والتى أول أهدافها أن تدافع عن حقوقهم ولا تنتهكها، وكانت فى وقت من الأوقات الحل الآخر لمشاكل الأسر البديلة التى تنتهك الأطفال فى ديارهم، وقال «الإجراء اللازم الآن هو قيام أسر الضحايا بتقديم بلاغات للنيابة العامة، ومجرد نشر الموضوع يعتبر بلاغاً للنائب العام، بعدها لابد من التحقيق مع المسؤولين عن الانتهاكات واستدعاء الضحايا وسؤالهم وإقامة الدعوى الجنائية لأن الواقعة تمثل اعتداء على المجتمع». على الجانب الآخر قال حافظ أبوسعدة، الأمين العام للمنظمة المصرية لحقوق الإنسان: «إن ما حدث جريمة انتهاك فردية لها طابع خاص فقط لأنها تمت لمعاقين، وبالتالى ستقع تحت طائلة قانون العقوبات، وفى النهاية هى استثناء لأفراد خارجين على القانون والشرعية ولكن كل ما نطالب به أن يتعامل معها القانون بشكل رادع». ورفض جمال عيد، مدير الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، وصف مرتكب تلك الأفعال ب«الجانى»، مؤكداً أنه فى النهاية طفل معرض للميل للانحراف فى أى وقت نتيجة الكبت، ولكن الجانى فى المشكلة والمدان هو الجهات التى تسمى نفسها على الورق جهات رعاية ورقابة.