«لا مانع من إتمام الزواج» كانت هذه الجملة مفتاح إتمام زواج جيهان، فهى آخر ورقة رسمية طلبها المأذون منها لإتمام الزواج، وعلى الرغم من تخوفها من الفحوصات الطبية، إلا أنها اكتشفت أن هذه الورقة لم تكلفها سوى دفع رسوم الشهادة «10.5 جنيه»، وانتظار نصف ساعة من الوقت، دون إجراء أى فحوصات طبية أو حتى رؤية طبيب واحد. تحكى جيهان قصتها قائلة: توجهت إلى إحدى الوحدات الصحية بالمنوفية، لأجرى الفحص الطبى، لكننى اكتشفت أن موظف الحسابات هو الذى يملأ استمارة الفحص بعد أن حصل على الرسوم «10.5 جنيه»، وتضيف: «انتظرت أن أرى طبيبة الفحص، ولكن بعد نصف ساعة وجدت الموظف يعود إلى حاملاً الشهادة الصحية مع عشرات الشهادات الأخرى، مسجلاً عليها (لا مانع من إتمام الزواج)». دكتورة عنايات محمد إبراهيم، دكتورة أمراض نساء، قالت إن الشهادة الصحية تنص على عمل تحليل دم كامل، بالإضافة إلى تحليل «آر اتش» وكلا التحليلين لا يظهران إلا نسبة الهيموجلوبين فى الدم، وغير كافيين لإظهار أى أمراض وراثية أو معدية أو أمراض تمنع الزواج، الأمر الذى حولها إلى ورقة روتينية، حتى إن بعض الشباب المقبل على الزواج لا يذهب بنفسه لعملها، ويكتفى بإرسال أحد من العائلة أو المأذون أو طبيب قريب من العائلة لاستخراجها، وتتفاوت أسعار استخراجها ما بين 50 و150 جنيهاً. الدكتور حمدى السيد، نقيب الأطباء، رئيس لجنة الصحة بمجلس الشعب، قال إن ما يحدث من تحول الفحص الطبى إلى ورقة، يعد أمراً مخالفاً للقانون، لأنه يهدم حق الطفل، فى أن يكون الطفل سليماً وخالياً من الأمراض، ولا توجد به تشوهات، لافتاً إلى أن عدم الكشف الحقيقى على العروسين قبل الزواج خطأ يهدم الغرض من نص القانون، وأنه لابد على الدولة من عمل مراكز متخصصة لهذا الكشف. رمضان حسن، مأذون بمحكمة طوخ، قال الشهادة الصحية نصت عليها المادة 7 من قانون الطفل المصرى المعدل عام 2008، حيث قال «لا يجوز توثيق عقد زواج لمن لم يبلغ 18 سنة مع إجراء الفحوصات الطبية»، لكنها فى حقيقتها لا تزيد عن مجرد مورد دخل لوزارة الصحة، فهى مجرد ورقة حكومية يتم استخراجها بعد دفع 10.5 جنيه كرسوم كشف طبى، دون إجراء أى كشف طبى حقيقى، ويمكن للمأذون أو أخ العريس، أو العروسة استخراجها دون الحاجة لوجود العريس أو العروسة، لافتاً إلى استغلال الأطباء فى بعض الوحدات الصحية لهذه الشهادة والمغالاة فى ثمنها لتصل إلى 50 و100 جنيه. وأضاف «منذ سن القانون والالتزام بالكشف الطبى، لم أصادف حتى الآن ورقة طبية واحدة تقول إن هناك مانعاً من الزواج، أو هناك مرض وراثى ما «على الرغم من وجود حالات طلاق كثيرة بسبب بعض الأمراض»، وكل الشهادات الطبية التى تصله يكتب فيها، لا مانع من الزواج، لافتاً إلى أنه عندما سأل أحد الأطباء حول عدم تطبيق هذا الفحص قال إن الفحص الطبى للفرد الواحد تكلف ما بين 1500 2000 جنيه، وهذه الموارد المادية غير متوافرة بوزارة الصحة، الأمر الذى يجعل من تطبيق هذا الكشف أمراً مستحيلاً. سهام نجم، رئيس جمعية تنمية المرأة والمجتمع، قالت: «تحول الفحص الطبى قبل الزواج إلى ورقة، تدر دخلاً للحكومة، ويتحكم فيها المأذون، الذى لا يعى أهميتها بعد أن أهملت الحكومة تعريف المجتمع بأهمية الفحص لكونه وسيلة للكشف عن نسبة الإعاقة والأمراض الوراثية والمعدية بين الشباب بالمجتمع والتعرف على الخصائص السكانية، والعمل على الحد منها»، مشيرة إلى أن الحكومة أثناء تعديل قانون الطفل ألقت الضوء على رفع سن الزواج، ولم تتعامل مع البند الخاص بالكشف الصحى بطريقة صحية، وتركت أمره للبيئة الثقافية والمجتمعية للمأذون والعروسين، حتى تحول إلى حبر على ورق. وأضافت أنه لابد من تغيير التعامل الحكومى مع الفحص الطبى وأن تحشد كل قواها لتفعيل القوانين وتعديل ثقافة المجتمع، وعمل حملة توعية إعلامية بأهميته، تتبناها الحكومة بهيئاتها المختلفة من وزارة الصحة، والتى عليها أن تتعامل مع الفحص الطبى بطريقة أكثر عملية، ولا تكتفى بحصولها على الرسوم فقط، وهو الأمر نفسه بالنسبة لوزارة العدل، والتى يجب أن تتخذ إجراءات صارمة مع المآذين، الذين يثبت قيامهم بإستخراج ورقة الفحص الطبى، بالإضافة إلى وزارتى الإعلام والأسرة والسكان واللذين عليهما أن يقوما بدورهما بصورة جيدة، وتعريف المجتمع بأنها «مش مجرد شهادة وإنما وسيلة أمان مجتمعى وطريقة للتعرف على خصائص الأطفال القادمين والتغلب على الإعاقات المحتملة».