فى لقاء الإخوان مع التجمع بدا الوضع مقلوباً، فالتجمعيون رغم علمهم بمقولة لينين الشهيرة عن ضرورة العمل السياسى ولو فى جمعية دفن الموتى، فإنهم أبدوا ممانعة ومعارضة لأى شكل من أشكال التعامل السياسى مع الإخوان طوال السنوات الماضية، التى شهدت نمواً تنظيمياً ووجوداً إعلامياً وتمثيلاً برلمانياً غير مسبوق فى تاريخ الإخوان، وفى اللقاء الأخير ظل التجمعيون فى حزبهم قاعدين بينما طاف عليهم الإخوان دون أن يحملوا معهم نقاطاً محددة للعمل الوطنى يلتقى حولها الجمعان، فجاء اللقاء فاتراً حرص فيه كل طرف على تأكيد مساحة الاختلاف أكثر من اهتمامه بتوضيح بنود الاتفاق، وما إن انتهى اللقاء حتى انبرى كتاب التجمع فى التأكيد على عدم ديمقراطية الجماعة، وعلى فساد تحالفاتها السياسية منذ عهد المرشد المؤسس حتى عهد أتباع التابعين، مما يعنى أن التجمع لا تزال «نفسه مسدودة» من الاشتراك فى أى تحالف سياسى يكون الإخوان طرفاً فيه. فإن كان موقف التجمع فى العزوف عن العمل السياسى مع فصيل وطنى يبدو موقفاً مقلوباً، فإن الأكثر عجباً من التجمع هو الإخوان الذين يملكون بناء تنظيمياً، لا تتوفر له كثرة العدد ولا قوة الشكيمة فقط، بل يضاف إلى ذلك أنه بناء مؤسس على السمع والطاعة، ولو تمرشد عليهم من لا شأن له بضرورة الواقع ولا تطورات التاريخ، ومع ذلك لو أشار لهم بالدخول فى أى تحالف سياسى لدخلوا فيه غير وجلين. ومصدر العجب فى سلوك إخوان هذا الزمان أنهم رغم هذا البناء التنظيمى القوى، فإنهم على خلاف المشهور من تاريخهم يسعون إلى التحالف مع أحزاب معارضة، يعلمون أنها لا تملك جماهير تدعمهم، ولا خيلا تهديها لهم، ولا حماية تبسطها عليهم فى فترة التمكين، التى طالت عليهم عقوداً وعهوداً، فلا هم حققوا التمكين طوال تاريخهم، ولا هم كفوا عن تسويق ضخامتهم التنظيمية، التى كانت تمنحهم أعلى سعر فى فترات الاحتدام الوطنى، فى صورة بعض مكاسب على صعيد الحركة وبعض بحبوحة أمنية، فإذا انقضى منهم الوطر انقلب عليهم حلفاء الأمس فشتتوا شملهم التنظيمى، وأشبعوهم مطاردة وسجناً وتجويعاً، فيشبعوننا خطباً وأحاديث ومذكرات تئن من الأسى وتضج بأحاديث العذاب، هذا ديدنهم وذلك هو أفقهم السياسى الذى يكررونه ولا يعرفون غيره، فما الذى استجد على الإخوان حتى خرجوا عن السياق الذى يعرفونه ويحبون الدوران فى نافه وساقيته، فإذا هم يزورون التجمع متناسين سلفيتهم الأيديولوجية المعادية للاشتراكية والمعادية لسلطة الشعب، وإذا التجمع المحب للجبهات السياسية يبدو سلفياً متحفظاً لا ينسى ولا يغفر ولا يتحالف أبداً. لا تفسير عندى لهذا الانعكاس فى الطباع سوى أن ذلك بعض من توابع الحركة الوطنية التى استأنفت المسير بعد طول توقف، أما الانتخابات التشريعية التى تقترب منا فهى تضع الإخوان فى مأزق آخر، فإن هم شاركوا فيها، فإن معنى هذا أنهم يقبلون سقفاً سياسياً «أوطى» بكثير من السقف الذى نطالب به الحركة الوطنية التى تلتف حول الدكتور البرادعى، والتى تشترط تغييراً فى مواد الدستور يكفل تداول السلطة وضمانات قانونية لنزاهة الانتخابات، فإن هم قبلوا أقل من ذلك فلن يبكى عليهم أحد لو أن الحكومة عصفت بهم فى الانتخابات، وإن هم امتنعوا عن المشاركة فليس أمامهم إلا الانضمام إلى التيار الوطنى العام، الذى يصعب تجريده من ليبراليته أو صرفه عن سماته العلمانية الذى يتجه إلى تأكيدهما بقوة. وذلك طريق لا يستطيع الإخوان المسايرة فيه، كما لا يستطيعون ممارسة عادتهم فى التحالف مع حزب السلطة، لأن الحزب الوطنى ببساطة لا ينوى أن يمنحهم من العلنية وحرية الحركة أكثر مما منحهم بالفعل.