■ فى الوقت الذى تسعى فيه إسرائيل إلى استكمال المخطط الصهيونى بتهجير المواطنين الفلسطينيين قسراً من أراضيهم ووطنهم، يأتى إحياء ذكرى النكبة 62، فى نفس يوم الاحتفال بذكرى تأسيس إسرائيل. احتفلت إسرائيل بحسب تقويمها العبرى بسنوية قيامها فى 20 من أبريل 1948، وتحدث نتنياهو بهذه المناسبة بقدر أكبر من الغطرسة والصلف المعروفين عنه، وظهرت تصريحاته التى أدلى بها فى هذه المناسبة فى افتتاح الجلسة الأسبوعية للحكومة: «ينبغى على إسرائيل ألا تثق بالغرباء، ومطالبات الدولة العبرية بوقف نشاطها الاستيطانى فى القدسالمحتلة، والقيام بمبادرات حسن نية تجاه الفلسطينيين»، وكان نتنياهو قد اقتبس من أقوال لمؤسس الحركة الصهيونية وصاحب فكرة «دولة اليهود» بنيامين تيودر هرتزل، مطلع القرن الماضى، التى دعا فيها اليهود إلى عدم الثقة بمساعدة الغرباء، ولم يخف نتنياهو إعجابه الشديد بهذه المقولة واقتناعه بها. ورغم أن أقوال نتنياهو جاءت بمناسبة إحياء إسرائيل ذكرى احتلالها للأراضى الفلسطينية وإعلان دولتها، غير أنها لم تتطرق مباشرة إلى العلاقات مع الولاياتالمتحدة، إلا أن قولها فى هذه الأيام التى يتواصل فيها ضغط إدارة الرئيس الأمريكى على الحكومة الإسرائيلية، لا يمكن إخراجها من هذا السياق. ومع هذه الذكرى الأليمة على الفلسطينيين فإن عدد سكان إسرائيل يقترب من 7.6 مليون نسمة بحسب إحصاءات رسمية نشرت فى إطار الاحتفال بذكرى تأسيسها، ويشمل 5 ملايين و726 ألفاً من اليهود أى 75.5٪ ومليون و548 ألفاً من العرب 20.4٪، بزيادة قدرها 1.8٪ عن السنة الماضية، وبين السكان العرب نحو 270 ألف فلسطينى يقيمون فى القدسالشرقية التى احتلتها إسرائيل عام 1967 وضمتها، وهو ما لم تعترف به الأسرة الدولية حتى الآن، وهؤلاء الفلسطينيون الذين يحملون أذونات إقامة دائمة، رفض غالبيتهم الحصول على الجنسية الإسرائيلية. أما العرب الإسرائيليون وهم من يطلق عليهم «فلسطينيو مناطق 48» فهم المنحدرون من 160 ألف فلسطينى بقوا فى أراضيهم مع إنشاء دولة إسرائيل عام 1948، علماً بأن عدد اللاجئين اليوم يتجاوز 4.7 مليون لاجئ فلسطينى مسجلين لدى الأممالمتحدة فى الضفة الغربية وقطاع غزة والدول العربية المجاورة، بينما يعيش عرب 48 حالة من التمييز العنصرى والاضطهاد بشكل واضح، وكان الكنيست الإسرائيلى قد أقر بالقراءة الأولى فى منتصف مارس الماضى، مشروع قرار تقدم به حزب «إسرائيل بيتنا» اليمينى المتطرف بقيادة وزير الخارجية أفيجدور ليبرمان، يحظر إحياء ذكرى النكبة فى نفس يوم الاحتفال بذكرى تأسيس إسرائيل، ويبدو واضحاً أن هذا القانون جاء ليمس بالمواطنين العرب -الذين يعيشون فى إسرائيل ويعتبرون درجة ثانية- والمس بمؤسساتهم وقياداتهم أيضاً فى التعبير عن انتمائهم لشعبهم الفلسطينى وتضامنهم مع قضيته وشعورهم بآلامه، وينطوى القانون أيضاً على عنصرية وفاشية مشهودة للدولة العبرية منذ نشأتها على أنقاض القرى والمدن الفلسطينية، ويدل على الخوف الذى أصاب القائمين عليه من تنامى الوعى الوطنى والسياسى لدى المواطنين العرب. غير أن المواطنين العرب داخل إسرائيل رفضوا القرار، وأحيوا ذكرى النكبة التى توافق 15 مايو من كل عام، وهو اليوم الذى أعلن فيه عن تأسيس دولة إسرائيل عام 1948 -حسب التقويم الميلادى. وأياً كانت التقويمات، فإن ذلك لا يلغى حقيقة قيام دولة إسرائيل على أنقاض وجثث سكانها الأصليين، فأكثر من 530 قرية فلسطينية هدمت منذ عام 1948، وتم تهجير سكانها، وتعرضوا للتشرد تحت وطأة تهديد العصابات الصهيونية والمجازر البشعة التى ارتكبوها فى حقهم، وطرد نحو مليون فلسطينى خارج الوطن ليصبحوا، بين ليلة وضحاها، شعباً مهجراً يفترش الأرض، ويلتحف السماء فى مخيمات اللجوء. ومازالت إسرائيل ماضية فى مخططاتها الإجرامية عبر سن الكثير من القوانين المتعلقة بخصخصة أملاك اللاجئين والمهجرين، وكذلك القانون سيئ الذكر الذى يتعلق بإحياء ذكرى النكبة وآخرها القانون الذى صدر، قبل أيام قليلة، وأثار زوبعة من ردود الأفعال حول استمرار تهجير الفلسطينيين من وطنهم، باعتبارهم متسللين، وترحيلهم من الضفة الغربية إلى قطاع غزة، وهو القرار الذى يعتبر الأخطر إذا تم تنفيذه.