وزير الإسكان يتفقد الموقف الإقليمي والمجمع الشرطي بمدينة حدائق العاصمة    وزير التموين يشدد على جودة الدقيق وانتظام منظومة الطحن    سلطنة عُمان والصين تدرسان مقترحا لإنشاء مجمع صناعي متكامل لسلاسل توريد صناعات الطاقة المتجددة    وزير الإسكان يوجه بالإسراع في تنفيذ 7368 شقة لمتوسطي الدخل بحدائق العاصمة    تتصدرها إيران وغزة.. 6 ملفات على طاولة نتنياهو وترامب الاثنين    مظاهرة حاشدة في مقديشو تندد باعتراف الاحتلال الإسرائيلي بأرض الصومال    وزير الشباب والرياضة يشارك في فعاليات القمة العالمية للرياضة بدبي    طقس مضطرب يضرب عدة محافظات.. أمطار رعدية وتحذيرات عاجلة من الأرصاد    بسبب زيادة الأجرة.. الداخلية تكشف تفاصيل تعدي سائق على شخص بالقليوبية    وفاة والدة الفنان هاني رمزي بعد صراع مع المرض    آدم وطني ل في الجول: محمد عبد الله قد ينتقل إلى فرنسا أو ألمانيا قريبا    ريال مدريد يرد على طلب نابولي بشأن ماستانتونو    محافظ الشرقية يُشيد بمجهودات الوحدة العامة لحماية الطفل    الجيش التايلاندي يتهم كمبوديا بانتهاك الهدنة بأكثر من 250 مسيّرة    حصاد أكاديمية الفنون 2025، افتتاح فرع الإسكندرية وتنظيم 15 مهرجانا وملتقى    وزير الصحة يستقبل نظيره التركي بمطار القاهرة الدولي    الاتحاد الدولي للسكري يعترف رسميًا بالنوع الخامس من مرض السكري    مراد مكرم يطرح أغنية جديدة في 2026: التمثيل عشقي الأول والأخير    الأزهر ينتقد استضافة المنجمين والعرافين في الإعلام: مجرد سماعهم مع عدم تصديقهم إثم ومعصية لله    رئيس المنطقة الأزهرية بكفر الشيخ يتابع امتحانات أولى وثانية ثانوى بمعاهد الرياض    حصاد 2025 في قطاع التعليم بأسيوط.. مدارس جديدة وتطوير شامل للبنية التحتية وتوسعات لاستيعاب الزيادة الطلابية    وزير الصحة يستقبل نظيره التركي بمطار القاهرة الدولي    وزير الخارجية: لا بد من وقف أي تصعيد ميداني بشرق الكونغو واستعادة الاستقرار    وزارة السياحة الفلبينية: المنتدى المقبل للآسيان فرصة لمناقشة استدامة السياحة وتحقيق التعاون الإقليمي    الأخير حاول إنقاذ الضحايا.. مصرع 3 أشخاص في حادث سقوط ميكروباص بترعة المريوطية    ذا بيست - دبي تستضيف حفل جوائز الأفضل في 2026    طاهر أبوزيد: مكاسب حسام حسن مع المنتخب إنجاز رغم الظروف.. والمرحلة المقبلة أصعب    إطلاق وتنفيذ أكثر من 20 مبادرة ثقافية ومجتمعية لدعم القراءة وبناء الوعي    أحمد عدوية.. أيقونة الأغنية الشعبية في ذكرى رحيله الأولى    "دورة محمد جبريل".. الثقافة تكشف تفاصيل مؤتمر أدباء مصر في العريش    تصفية ودمج.. رئيس الوزراء يُتابع إجراءات رفع كفاءة أداء الهيئات الاقتصادية    رئيس جامعة المنوفية يتفقد امتحانات كلية الحاسبات والمعلومات    ماذا بعد انضمام أوكرانيا لتدريبات الدفاع الجماعي في الناتو؟    إصابة 8 أشخاص في تصادم سيارتين بالقناطر الخيرية    التحقيقات تكشف مفاجآت في واقعة الهروب الجماعي من مصحة الجيزة    محافظ الإسكندرية يوجه برفع درجة الاستعدادات للتعامل مع موجة الطقس غير المستقر    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الإثنين 29-12-2025 في محافظة الأقصر    وزارة التضامن الاجتماعى تقر تعديل قيد جمعيتين في محافظتي القليوبية وكفر الشيخ    وزير العمل يفتتح المقر الجديد للنقابة العامة للعاملين بالنقل البري    قرار وزاري لتنظيم ترخيص عمل الأجانب في مصر    وزير الخارجية يؤكد دعم مصر لتعزيز منظومة الصحة والأمن الدوائي في إفريقيا    "شباب البحيرة" تنظم برنامجا تدريبيا لتعليم أعمال الخياطة والتريكو    السينمات المصرية على موعد مع فيلم «الملحد» نهاية ديسمبر    «الوطنية للانتخابات» توضح إجراءات التعامل مع الشكاوى خلال جولة الإعادة    نتنياهو يلتقي ترامب في الولايات المتحدة لمناقشة مستقبل الهدنة في غزة    برودة وصقيع.. تفاصيل طقس الأقصر اليوم    مناورات صينية واسعة تطوّق تايوان    وزير التموين ومحافظ الجيزة يفتتحان سوق اليوم الواحد فى شارع فيصل.. صور    قضايا الدولة تنعى المستشارة سهام صبري الأنصاري    قطرات الأنف.. كيف يؤثر الاستخدام المتكرر على التنفس الطبيعي    حمو بيكا ينعي دقدق وتصدر اسمه تريند جوجل... الوسط الفني في صدمة وحزن    مباحث العبور تستمع لأقوال شهود العيان لكشف ملابسات حريق مخزن كراتين البيض    يحيى حسن: التحولات البسيطة تفكك ألغاز التاريخ بين الواقع والافتراض    بشير التابعى: توروب لا يمتلك فكرا تدريبيا واضحا    ما هو فضل الدعاء وقت الفجر؟    لا رب لهذه الأسرة    الأزهر للفتوي: ادعاء معرفة الغيب والتنبؤ بالمستقبل ممارسات تخالف صحيح الدين    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم فى سوهاج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



يحيى الرفاعى.. كان صرحاً من كفاح وهوى
نشر في المصري اليوم يوم 18 - 04 - 2010

عندما أريد أن أكتب عن يحيى الرفاعى بعد أن انتقل إلى رحمة الله أستعيد رحلة طويلة عشناها سوياً منذ عام 1953 عندما عُيّنا معاً فى النيابة العامة فى محافظة سوهاج، واستمرت الرحلة بغير انقطاع إلى أن أراد القدر ليحيى أن يستريح وأن يترك عالمنا بكل آلامه ونقائصه إلى عالم آخر لا ظلم فيه.
أليس صاحبه هو القائل: «لا ظلم اليوم».
وعندما حضرت صلاة الجنازة على جثمانه فى السيدة نفيسة، وعندما وقفت أتلقى العزاء فيه فى مسجد عمر مكرم، خطر فى ذهنى خاطر: لماذا جاءت كل هذه الحشود وقد ذهب يحيى إلى جوار ربه ولم يعد له حول ولا طول، بل إن يحيى ولعدد خلا من السنين لم يكن له من الحول والطول، الذى يعنى الناس، شىء يقرب منه أهل الزلفى، إذن لماذا جاءت كل هذه الحشود؟!
جاءت تنعى القيم التى عاش من أجلها يحيى الرفاعى، وجاءت لتقول لنفسها وللناس إن هذه القيم العظيمة هى الباقية، وإن العبث إلى زوال.
ما أطولها رحلة تلك التى عشناها منذ أن بدأنا حياتنا العملية فى نيابة سوهاج، وكنا نعيش معاً فى «ميز» واحد، وكان ثالثنا محمد الجندى الذى عُيّن معنا فى الأسبوع نفسه، وفى الدائرة نفسها، وهو غير محمد عبدالعزيز الجندى، الذى أصبح نائباً عاماً فيما بعد، وكان الانسجام كاملاً بيننا نحن الثلاثة، وكان زملاؤنا من أعضاء النيابة يتندرون علينا لأنهم لم يعهدوا مثل هذه الألفة والمحبة. ومرت الأيام ونُقلنا من سوهاج إلى القاهرة وعملنا معاً فى نيابة جنوب القاهرة، ثم تشاء الأقدار أن نُعار معاً إلى ليبيا، وإن فى مكانين مختلفين. وزادت علاقتنا توثقاً وقرباً.
ومرت الأيام وتركت العمل القضائى وذهبت إلى المكان الذى كنت أحلم به طوال الشباب وطوال سنوات الدراسة، ذهبت لأعمل مدرساً بقسم القانون العام بكلية الحقوق جامعة القاهرة، واستمر يحيى الرفاعى فى عمله القضائى. وحدثت نكسة 1967 التى زلزلت نفوسنا وعقولنا وكسرتنا من داخلنا.
وأحد المواقع المهمة التى تصدت للهزيمة وأسبابها وآثارها كان نادى قضاة مصر، وكان يحيى الرفاعى آنذاك فى مجلس إدارة النادى وأحد المحركين الأساسيين لسياساته وتوجهاته، وصدر بيان مارس 1968 وكان أول بيان سياسى عاصف ينقد سياسات وتوجهات الحكم نقداً عنيفاً لاذعاً وتداعت بعد هذا البيان موجات احتجاجية عارمة، وثار الطلبة وأصبح واضحاً أن النظام يعيش إلى جوار مأزق الهزيمة مأزق الغليان الداخلى.
وكان نادى القضاة، والقضاة بصفة عامة، محل ترصد من النظام.
وفى عام 1969 ارتكب نظام 23 يوليو أحد أخطائه الكبرى التى لا يدانيها فى سوئها إلا مثيلها عام 1954 عندما وقع العدوان على إمام الفقهاء والمشرعين فى الأمة العربية كلها عبدالرزاق السنهورى- فى عام 1969 وقعت مذبحة القضاة.
وتلخص المذبحة فى أن قانوناً صدر بإعادة تشكيل الهيئة القضائية، واستند هذا القانون إلى قانون التفويض رقم 15 سنة 1967 الخاص بإعطاء رئيس الجمهورية سلطات تمكنه من إزالة آثار العدوان واستعادة الأرض، وكأن فصل رجال القضاء يدخل فى ذلك الهدف.
صدر قانون إعادة تشكيل الهيئة القضائية استناداً إلى ذلك التفويض، وبمقتضاه أخرج بضع مئات من رجال القضاء بدءاً من قضاة فى محكمة النقض إلى وكلاء نيابة من الشباب المبتدئ.
وكان طبيعياً أن يكون المستشار يحيى الرفاعى، نائب رئيس محكمة النقض، فى مقدمة من شملتهم مذبحة رجال القضاء.
وذهبت إلى يحيى فى تلك الليلة السوداء فى منزله وكان من الطبيعى أن يكون ثائراً هائجاً منفعلاً، وكنا عدداً لا بأس به عنده فى المنزل، وكنت أحاول تهدئته قائلاً إن لكل شىء حلاً ولكن كل محاولات التهدئة لم تُجد، وكان يحيى يصيح ويقسم أنه سيعمل سائقاً للتاكسى حتى يعرف العالم كله أن النظام الباغى فى مصر قد أجبر أحد كبار قضاته، وبعد أن أزاحه من على المنصة العالية، أن يعمل سائقاً لتاكسى فى الطرقات.
وعبثاً حاولت تهدئته، ومرت بضعة أيام مُرّة، وكان لابد أن تهدأ الثورة العارمة، وقيد يحيى اسمه فى نقابة المحامين واشتغل بالمحاماة ولمع اسمه فيها وأتيح له أن يحقق مكاسب مالية كبيرة.
ولكن ذلك لم يكن أمله ومناه ومطمحه.
كان أمله أن ينتصر فى كفاحه ضد الظلم وأن يعود إلى المنصة العالية من جديد، وبالفعل وعن طريق الطعن أمام دائرة من دوائر محكمة النقض حكم بعدم مشروعية وعدم دستورية قانون إعادة تنظيم الهيئة القضائية وانعدامه.
وعاد يحيى الرفاعى إلى مكانه معززاً مكرماً، وعلى أثر الحكم أعيد الكثيرون ممن كانوا قد أقصوا عن مناصبهم من رجال القضاء.
وحاول النظام قبيل أن يخوض حرب 1973 أن يزيح عن وجهه آثار هذه الوصمة، وواصل يحيى الرفاعى مسيرة كفاحه من خلال عضويته ثم رئاسته لنادى القضاة.
وفى أوائل عقد الثمانينيات نظم نادى القضاة- وكان على رأسه فى ذلك الوقت يحيى الرفاعى- مؤتمر العدالة الأول ودعانى النادى لكى أكون أحد المتحدثين فى المؤتمر.
وقابل يحيى، بصفته رئيساً للنادى الذى ينظم المؤتمر، رئيس الجمهورية قبيل انعقاد المؤتمر ليدعوه للحضور، وطلب من يحيى ألا يتكلم فى موضوع إلغاء حالة الطوارئ ولكنه وقف كالطود الشامخ ورفض قائلاً: «إن هذا مطلب أساسى للقضاة ولمصر كلها وإن مبررات حالة الطوارئ لم تعد قائمة».
وزاد الاحتقان بين النادى، وعلى رأسه يحيى الرفاعى، وبين النظام التسلطى، وفى عام 1991 أتم يحيى الرفاعى عطاءه فى القضاء وعاد إلى المحاماة من جديد، ولمع اسمه فيها بالقدر الذى كان يستحقه. وحقق من المكاسب المالية ما كان كفيلاً بأن يرضى غيره، ولكن أحلام الثراء لم تكن بغيته رغم بساطة النشأة وما تتركه من ضعف إزاء مغريات الثراء.
وأدرك يحيى الرفاعى حتى وهو بعيد عن منصة القضاء، وهو بعيد عن نادى القضاة - من الناحية الرسمية على الأقل - أن النظام يناصبه العداء وأنه يتربص به، وهذه أنظمة لا ضمان لها ولا رادع يردعها.
كما أدرك ببصيرته الثاقبة مدى ما وصلت إليه أحوال القضاء من هوان وتردٍ وخضوع للسلطة التنفيذية استناداً إلى نصوص فى قانون السلطة مشكوك فى دستوريتها ومشروعيتها تبيح للسلطة التنفيذية التدخل فى صميم أعمال السلطة القضائية.
وفاض الكيل..
وفى 31 ديسمبر من عام 2002 أرسل يحيى الرفاعى خطاباً جامعاً إلى نقابة المحامين وصورة منه إلى نادى قضاة مصر. ولن أستطيع هنا أن أشير إلا إلى فقرات قصيرة من هذا الخطاب التاريخى الذى يعتبر وثيقة تصور مدى ما وصل إليه القضاء الذى يقال إنه ملاذ وموئل الحريات من التردى الذى لحق بكل مرافق الحياة فى مصر، ولكن التردى فى مرافق الحياة العامة شىء والتردى فى السلطة القضائية شىء آخر. عندما دخل ديجول فرنسا عقب انتهاء الغزو النازى كان سؤاله لصديقه مارلو: «كيف حال القضاء؟ فلما أجابه أنه مازال ببعض الخير. قال ديجول إذن نستطيع أن نبنى فرنسا من جديد».
ولكن إذا انهار كل شىء حتى القضاء فإنه قد أصبح متعيناً أن يوجه يحيى الرفاعى خطابه التاريخى هذا الذى يستحق تحليلاً خاصاً ووقفة خاصة وينتهى فيه بالعبارة التالية:
(لذلك كله، وإبراء لذمتى أمام الله والتاريخ، وأمام المجلس الموقر، رأيت أن أضع كل ما تقدم بين يدى السادة الأجلاء النقيب وأعضاء مجلس النقابة العامة للمحامين ليروا فيه رأيهم، لفرط ما أعانيه وسائر الناس من الشعور بالظلم الفادح والخطر المحيق بالبلاد، والله أسأل أن يوفق المجلس الموقر والمحامين جميعهم - إلى تحريك هذا الماء الآسن إلى ما فيه خير البلاد والعباد من نهضة تشريعية وقضائية طال انتظارها دون جدوى حتى الآن، وفى ذلك الماء الآسن ما فيه من خطر عظيم على مستقبل مصر ونظام الحكم فيها.
... يقول الكواكبى «إنها قولة حق وصيحة فى واد، إن ذهبت اليوم مع الريح، لقد تذهب غداً بالأوتاد» وما أريد إلا الإصلاح ما استطعت.. وما توفيقى إلا بالله. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، والحمد لله رب العالمين).
وبدأت مرحلة جديدة فى حياة يحيى الرفاعى. مرحلة الإحباط والاكتئاب والمرض. واشتد عليه المرض. واقترب من النهاية مرات.
وأخيراً ألقى الفارس سلاحه وأسلم روحه إلى باريها.. وحقاً كان صرحاً من كفاح وهوى.
رحمه الله رحمة واسعة وعوّض مصر وعوّض القضاء وعوّض أسرته عنه خير العوض.
وإلى لقاء أيها الحبيب.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.