الإدارية العليا تبدأ نظر 251 طعنا على نتائج المرحلة الأولى من انتخابات النواب    جامعة حلوان تنظم ندوة تخطيط ووضع برامج العمل    انتخابات مجلس النواب 2025.. "القومي للمرأة" يعلن تخصيص غرفة عمليات لمتابعة العملية الانتخابية    «النقل» تكشف حقيقة تعديل توقيتات تشغيل الأتوبيس الترددي    «المشاط»: 10 قطاعات مستفيدة من برنامج الصناعات الخضراء ب 271 مليون يورو    وزارة الدفاع الروسية تعلن استيلاء القوات الروسية على قريتين إضافيتين شرقي أوكرانيا    وزير الخارجية يبحث سبل تعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية بين مصر وكندا    نتنياهو: نرد على خروقات وقف إطلاق النار بشكل مستقل دون الاعتماد على أحد    جيش الاحتلال يزعم اغتيال قيادي بارز في كتائب القسام    مواجهات مثيرة.. مواعيد مباريات اليوم الأحد والقنوات الناقلة    مجموعة الأهلي - الجيش الملكي يتقدم باحتجاج رسمي ضد حكام لقاء يانج أفريكانز    نصر: قيمة رعاية الزمالك لا تصل للربع بالنسبة للأهلي    خبر في الجول - إصابة عضلية ل "دولا" لاعب سلة الاتحاد.. ومدة الغياب    جوزيه جوميز: كنا نستحق نقطة واحدة على الأقل أمام الهلال    أمطار مرتقبة وشبورة كثيفة في الإسكندرية    «لا سفر لكبار السن فوق 75 عاما بدون مرافق».. «التضامن» يوضح ضوابط حج الجمعيات    أمن القاهرة ينجح في تحرير شخص عقب اختطافه واحتجازه بالقوة    ضبط عاطل قتل جارِه بعد مشاجرة في عزبة عثمان بشبرا    جرس إنذار جديد.. كيف نحمي أطفالنا من التحرش؟‬    إصابة مواطن في مشاجرة بين عائلتين بمركز أطسا بالفيوم    أسامة الأزهري: الإفتاء تستند لتاريخ عريق ممتد من زمن النبوة وتواصل دورها مرجعًا لمصر وسائر الأقطار    "آية عبد الرحمن ليست مجرد صوت".. مايا مرسي تُشيد بمذيعة دولة التلاوة    إقبال من الجمهور الإيطالي والأوروبي على زيارة متحف الأكاديمية المصرية بروما    غدا.. تمريض جامعة القاهرة الأهلية تنظم ندوة توعوية بعنوان "السكري والصحة:معا لمجتمع جامعي أفضل"    وكيل صحة الدقهلية يتفقد مستشفى نبروه عقب رصد شكوى بمنصة "صوتك صحة"    أسعار الفراخ اليوم "متتفوتش".. اشتري وخزّن    اليوم.. الزمالك يبدأ رحلة استعادة الهيبة الأفريقية أمام زيسكو الزامبى فى الكونفدرالية    تعرف علي التهم الموجهة لقاتل زميله وتقطيع جثته بصاروخ كهربائى فى الإسماعيلية    موعد مباراة ريال مدريد أمام إلتشي في الدوري الإسباني.. والقنوات الناقلة    المشاط: أدعو القطاع الخاص الياباني للاستثمار في النموذج الجديد للاقتصاد المصري    الكنيسة القبطية تستعيد رفات القديس أثناسيوس الرسولي بعد قرون من الانتقال    اتحاد الأثريين العرب يهدي درع «الريادة» لحمدي السطوحي    كمال أبو رية يكشف حقيقة خلافه مع حمادة هلال.. ويعلق: "السوشيال ميديا بتكبر الموضوع"    يحقق طفرة في إنتاج اللحوم والألبان.. ماذا تعرف عن مشروع إحياء البتلو؟    هيئة الاستثمار: طرح فرص استثمارية عالمية في مدينة الجلالة والترويج لها ضمن الجولات الخارجية    وزارة الصحة: إصابات الأنفلونزا تمثل النسبة الأعلى من الإصابات هذا الموسم بواقع 66%    «سويلم» يتابع منظومة الري والصرف بالفيوم.. ويوجه بإعداد خطة صيانة    الوجه الخفى للملكية    الدفاع الروسية: تدمير 75 مسيرة و5 مراكز قيادة تابعة للقوات الأوكرانية    بدء فعاليات التدريب المشترك «ميدوزا- 14» بجمهورية مصر العربية    الفن الذى يريده الرئيس والشعب    «هنيدي والفخراني» الأبرز.. نجوم خارج منافسة رمضان 2026    قوى عاملة الشيوخ تناقش اليوم تعديل قانون التأمينات والمعاشات    أولياء أمور مصر: كثافة التقييمات ترفع معدلات القلق بين الطلاب خلال امتحانات الشهر وتؤثر على أدائهم    "عيد الميلاد النووي".. حين قدّم الرئيس هديته إلى الوطن    وزارة الصحة: معظم حالات البرد والأنفلونزا ناتجة عن عدوى فيروسية    مواقيت الصلاة فى أسيوط اليوم الاحد 23112025    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاحد 23-11-2025 في محافظة قنا    وزير الري: أي سدود إثيوبية جديدة بحوض النيل ستقابل بتصرف مختلف    حركة القطارات| 90 دقيقة متوسط تأخيرات «بنها وبورسعيد».. الأحد 23 نوفمبر    استطلاع: تراجع رضا الألمان عن أداء حكومتهم إلى أدنى مستوى    استشهاد 24 فلسطينيا في غارات إسرائيلية على غزة    نقيب الموسيقيين يفوض «طارق مرتضى» متحدثاً إعلامياً نيابة ًعنه    الصحة: علاج مريضة ب"15 مايو التخصصي" تعاني من متلازمة نادرة تصيب شخصًا واحدًا من بين كل 36 ألفًا    حمزة عبد الكريم: سعيد بالمشاركة مع الأهلي في بطولة إفريقيا    مفتي الجمهورية: خدمة الحاج عبادة وتنافسا في الخير    دولة التلاوة.. أصوات من الجنة    خلاف حاد على الهواء بين ضيوف "خط أحمر" بسبب مشاركة المرأة في مصروف البيت    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



يحيى الرفاعى.. كان صرحاً من كفاح وهوى
نشر في المصري اليوم يوم 19 - 04 - 2010

عندما أريد أن أكتب عن يحيى الرفاعى بعد أن انتقل إلى رحمة الله أستعيد رحلة طويلة عشناها سوياً منذ عام 1953 عندما عُيّنا معاً فى النيابة العامة فى محافظة سوهاج، واستمرت الرحلة بغير انقطاع إلى أن أراد القدر ليحيى أن يستريح وأن يترك عالمنا بكل آلامه ونقائصه إلى عالم آخر لا ظلم فيه.
أليس صاحبه هو القائل: «لا ظلم اليوم».
وعندما حضرت صلاة الجنازة على جثمانه فى السيدة نفيسة، وعندما وقفت أتلقى العزاء فيه فى مسجد عمر مكرم، خطر فى ذهنى خاطر: لماذا جاءت كل هذه الحشود وقد ذهب يحيى إلى جوار ربه ولم يعد له حول ولا طول، بل إن يحيى ولعدد خلا من السنين لم يكن له من الحول والطول، الذى يعنى الناس، شىء يقرب منه أهل الزلفى، إذن لماذا جاءت كل هذه الحشود؟!
جاءت تنعى القيم التى عاش من أجلها يحيى الرفاعى، وجاءت لتقول لنفسها وللناس إن هذه القيم العظيمة هى الباقية، وإن العبث إلى زوال.
ما أطولها رحلة تلك التى عشناها منذ أن بدأنا حياتنا العملية فى نيابة سوهاج، وكنا نعيش معاً فى «ميز» واحد، وكان ثالثنا محمد الجندى الذى عُيّن معنا فى الأسبوع نفسه، وفى الدائرة نفسها، وهو غير محمد عبدالعزيز الجندى، الذى أصبح نائباً عاماً فيما بعد، وكان الانسجام كاملاً بيننا نحن الثلاثة، وكان زملاؤنا من أعضاء النيابة يتندرون علينا لأنهم لم يعهدوا مثل هذه الألفة والمحبة. ومرت الأيام ونُقلنا من سوهاج إلى القاهرة وعملنا معاً فى نيابة جنوب القاهرة، ثم تشاء الأقدار أن نُعار معاً إلى ليبيا، وإن فى مكانين مختلفين. وزادت علاقتنا توثقاً وقرباً.
ومرت الأيام وتركت العمل القضائى وذهبت إلى المكان الذى كنت أحلم به طوال الشباب وطوال سنوات الدراسة، ذهبت لأعمل مدرساً بقسم القانون العام بكلية الحقوق جامعة القاهرة، واستمر يحيى الرفاعى فى عمله القضائى. وحدثت نكسة 1967 التى زلزلت نفوسنا وعقولنا وكسرتنا من داخلنا.
وأحد المواقع المهمة التى تصدت للهزيمة وأسبابها وآثارها كان نادى قضاة مصر، وكان يحيى الرفاعى آنذاك فى مجلس إدارة النادى وأحد المحركين الأساسيين لسياساته وتوجهاته، وصدر بيان مارس 1968 وكان أول بيان سياسى عاصف ينقد سياسات وتوجهات الحكم نقداً عنيفاً لاذعاً وتداعت بعد هذا البيان موجات احتجاجية عارمة، وثار الطلبة وأصبح واضحاً أن النظام يعيش إلى جوار مأزق الهزيمة مأزق الغليان الداخلى.
وكان نادى القضاة، والقضاة بصفة عامة، محل ترصد من النظام.
وفى عام 1969 ارتكب نظام 23 يوليو أحد أخطائه الكبرى التى لا يدانيها فى سوئها إلا مثيلها عام 1954 عندما وقع العدوان على إمام الفقهاء والمشرعين فى الأمة العربية كلها عبدالرزاق السنهورى- فى عام 1969 وقعت مذبحة القضاة.
وتلخص المذبحة فى أن قانوناً صدر بإعادة تشكيل الهيئة القضائية، واستند هذا القانون إلى قانون التفويض رقم 15 سنة 1967 الخاص بإعطاء رئيس الجمهورية سلطات تمكنه من إزالة آثار العدوان واستعادة الأرض، وكأن فصل رجال القضاء يدخل فى ذلك الهدف.
صدر قانون إعادة تشكيل الهيئة القضائية استناداً إلى ذلك التفويض، وبمقتضاه أخرج بضع مئات من رجال القضاء بدءاً من قضاة فى محكمة النقض إلى وكلاء نيابة من الشباب المبتدئ.
وكان طبيعياً أن يكون المستشار يحيى الرفاعى، نائب رئيس محكمة النقض، فى مقدمة من شملتهم مذبحة رجال القضاء.
وذهبت إلى يحيى فى تلك الليلة السوداء فى منزله وكان من الطبيعى أن يكون ثائراً هائجاً منفعلاً، وكنا عدداً لا بأس به عنده فى المنزل، وكنت أحاول تهدئته قائلاً إن لكل شىء حلاً ولكن كل محاولات التهدئة لم تُجد، وكان يحيى يصيح ويقسم أنه سيعمل سائقاً للتاكسى حتى يعرف العالم كله أن النظام الباغى فى مصر قد أجبر أحد كبار قضاته، وبعد أن أزاحه من على المنصة العالية، أن يعمل سائقاً لتاكسى فى الطرقات.
وعبثاً حاولت تهدئته، ومرت بضعة أيام مُرّة، وكان لابد أن تهدأ الثورة العارمة، وقيد يحيى اسمه فى نقابة المحامين واشتغل بالمحاماة ولمع اسمه فيها وأتيح له أن يحقق مكاسب مالية كبيرة.
ولكن ذلك لم يكن أمله ومناه ومطمحه.
كان أمله أن ينتصر فى كفاحه ضد الظلم وأن يعود إلى المنصة العالية من جديد، وبالفعل وعن طريق الطعن أمام دائرة من دوائر محكمة النقض حكم بعدم مشروعية وعدم دستورية قانون إعادة تنظيم الهيئة القضائية وانعدامه.
وعاد يحيى الرفاعى إلى مكانه معززاً مكرماً، وعلى أثر الحكم أعيد الكثيرون ممن كانوا قد أقصوا عن مناصبهم من رجال القضاء.
وحاول النظام قبيل أن يخوض حرب 1973 أن يزيح عن وجهه آثار هذه الوصمة، وواصل يحيى الرفاعى مسيرة كفاحه من خلال عضويته ثم رئاسته لنادى القضاة.
وفى أوائل عقد الثمانينيات نظم نادى القضاة- وكان على رأسه فى ذلك الوقت يحيى الرفاعى- مؤتمر العدالة الأول ودعانى النادى لكى أكون أحد المتحدثين فى المؤتمر.
وقابل يحيى، بصفته رئيساً للنادى الذى ينظم المؤتمر، رئيس الجمهورية قبيل انعقاد المؤتمر ليدعوه للحضور، وطلب من يحيى ألا يتكلم فى موضوع إلغاء حالة الطوارئ ولكنه وقف كالطود الشامخ ورفض قائلاً: «إن هذا مطلب أساسى للقضاة ولمصر كلها وإن مبررات حالة الطوارئ لم تعد قائمة».
وزاد الاحتقان بين النادى، وعلى رأسه يحيى الرفاعى، وبين النظام التسلطى، وفى عام 1991 أتم يحيى الرفاعى عطاءه فى القضاء وعاد إلى المحاماة من جديد، ولمع اسمه فيها بالقدر الذى كان يستحقه. وحقق من المكاسب المالية ما كان كفيلاً بأن يرضى غيره، ولكن أحلام الثراء لم تكن بغيته رغم بساطة النشأة وما تتركه من ضعف إزاء مغريات الثراء.
وأدرك يحيى الرفاعى حتى وهو بعيد عن منصة القضاء، وهو بعيد عن نادى القضاة - من الناحية الرسمية على الأقل - أن النظام يناصبه العداء وأنه يتربص به، وهذه أنظمة لا ضمان لها ولا رادع يردعها.
كما أدرك ببصيرته الثاقبة مدى ما وصلت إليه أحوال القضاء من هوان وتردٍ وخضوع للسلطة التنفيذية استناداً إلى نصوص فى قانون السلطة مشكوك فى دستوريتها ومشروعيتها تبيح للسلطة التنفيذية التدخل فى صميم أعمال السلطة القضائية.
وفاض الكيل..
وفى 31 ديسمبر من عام 2002 أرسل يحيى الرفاعى خطاباً جامعاً إلى نقابة المحامين وصورة منه إلى نادى قضاة مصر. ولن أستطيع هنا أن أشير إلا إلى فقرات قصيرة من هذا الخطاب التاريخى الذى يعتبر وثيقة تصور مدى ما وصل إليه القضاء الذى يقال إنه ملاذ وموئل الحريات من التردى الذى لحق بكل مرافق الحياة فى مصر، ولكن التردى فى مرافق الحياة العامة شىء والتردى فى السلطة القضائية شىء آخر. عندما دخل ديجول فرنسا عقب انتهاء الغزو النازى كان سؤاله لصديقه مارلو: «كيف حال القضاء؟ فلما أجابه أنه مازال ببعض الخير. قال ديجول إذن نستطيع أن نبنى فرنسا من جديد».
ولكن إذا انهار كل شىء حتى القضاء فإنه قد أصبح متعيناً أن يوجه يحيى الرفاعى خطابه التاريخى هذا الذى يستحق تحليلاً خاصاً ووقفة خاصة وينتهى فيه بالعبارة التالية:
(لذلك كله، وإبراء لذمتى أمام الله والتاريخ، وأمام المجلس الموقر، رأيت أن أضع كل ما تقدم بين يدى السادة الأجلاء النقيب وأعضاء مجلس النقابة العامة للمحامين ليروا فيه رأيهم، لفرط ما أعانيه وسائر الناس من الشعور بالظلم الفادح والخطر المحيق بالبلاد، والله أسأل أن يوفق المجلس الموقر والمحامين جميعهم - إلى تحريك هذا الماء الآسن إلى ما فيه خير البلاد والعباد من نهضة تشريعية وقضائية طال انتظارها دون جدوى حتى الآن، وفى ذلك الماء الآسن ما فيه من خطر عظيم على مستقبل مصر ونظام الحكم فيها.
... يقول الكواكبى «إنها قولة حق وصيحة فى واد، إن ذهبت اليوم مع الريح، لقد تذهب غداً بالأوتاد» وما أريد إلا الإصلاح ما استطعت.. وما توفيقى إلا بالله. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، والحمد لله رب العالمين).
وبدأت مرحلة جديدة فى حياة يحيى الرفاعى. مرحلة الإحباط والاكتئاب والمرض. واشتد عليه المرض. واقترب من النهاية مرات.
وأخيراً ألقى الفارس سلاحه وأسلم روحه إلى باريها.. وحقاً كان صرحاً من كفاح وهوى.
رحمه الله رحمة واسعة وعوّض مصر وعوّض القضاء وعوّض أسرته عنه خير العوض.
وإلى لقاء أيها الحبيب.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.