نور الهدى: رحلة البحث عن أمل

كل الظروف كانت كفيلة بإصابة علا عبدالرازق بالإحباط واليأس إلا أن إيمانها وتمسكها بالأمل كان أقوى من أى ظروف أو تحديات، كانت علا على يقين بأن هناك حلقة مفقودة عليها البحث عنها لعلاج أو تأهيل ابنتها.
علا عبدالرازق امرأة ثلاثينية درست الأدب الإنجليزى ثم تزوجت وعاشت فى المنصورة حيث تختصر أسرتها الحياة بتفاصيلها. ثلاث سنوات كاملة قضتها علا بين الأطباء الذين كانوا دوماً يؤكدون أن عينى ابنتها سليمة حتى شخص أحد أطباء المخ والأعصاب حالة ابنتها بأنها تعانى ضموراً فى مراكز الإبصار والسمع فى المخ.
ومع إتمام نور عامها الثالث، لاحظت علا أن ابنتها تأخرت كثيراً فى الحديث وبعرضها على إحدى الطبيبات صنفت حالة نور باعتبارها تعانى من التوحد حيث كانت تقوم ببعض الحركات التى تشبه مرضى التوحد إلا أن علا لم تقتنع بالتشخيص.
ورغم أن الأمر البديهى أن يتم الكشف على السمع فى حالة تأخر الطفل فى الكلام إلا أن كل الأطباء اعتبروا حالتها نوعاً من التوحد حيث قررت طبيبة أخرى أن تضع نور تحت الملاحظة لمدة ثلاثة أشهر للتأكد من أنها حالة توحد حقيقية بينما استمرت فى جلسات التخاطب مع المكفوفين.
ولعلاج التوحد، عملت الأم كمديرة لدار حضانة لتجد لابنتها أصدقاء فربما يساعدها «اللعب» على ما فشل فيه «الحكما».
قلبت نور الهدى حياة أسرتها رأساً على عقب، خاصة بعدما اكتشفت أنها لن تحصل على أى فرصة للتأهيل إلا فى القاهرة، كان الأب يحصل على إجازة 4 مرات أسبوعياً من عمله كإمام مسجد ليصطحب زوجته ونور إلى القاهرة بحثاً عن مكان للتأهيل، تاركين وراءهما ابنيهما فى منزل أحد الأقارب.
كان لابد من اتخاذ القرار الصعب الذى لم يلق استحساناً من أفراد العائلة، والانتقال للقاهرة للم شمل الأسرة ومتابعة عملية تأهيل نور، طلب الأب من الأوقاف أن ينقل عمله وكذلك مدارس الأولاد.
كانت علا تقطع شوارع القاهرة شرقاً وغرباً بلا عنوان سعياً وراء أى أمل حتى قادتها قدماها لإحدى الطبيبات التى أكدت لها أن ابنتها لا تسمع لأنها تعانى من مشكلة فى مراكز السمع فى المخ.
للوهلة الأولى اعتقدت علا أن ابنتها تحتاج إلى سماعة لكى تسمع لكن مع الوقت أدركت أنها لن تسمع أبداً. فى تلك اللحظة فقط، وبعد أكثر من ثلاث سنوات حصلت علا على تشخيص لحالة ابنتها وتأكدت من أنها لا تعانى من التوحد وبدأت فى تأهيلها من خلال عدد من الجمعيات التى تهتم بفئة الصم المكفوفين.
ورغم التطور الكبير الذى طرأ على حالة نور وتحولها إلى شخصية اجتماعية بصورة أكبر جعلتها قادرة على اللعب فإن علا لم تكتف بما وصلت إليه حالة ابنتها ومازالت تصر على إكسابها المزيد من المهارات بل وتسعى لتعلم لغة الإشارة الملموسة لتفهم ابنتها وتستطيع التعرف على رغباتها بسهولة.
لم تقف علا عند تلك المرحلة، فقد قررت تعويض النقص فى عدد الإخصائيين المؤهلين للتعامل مع الصم المكفوفين من خلال عدد من الدورات التدريبية التى تؤهلها لمساعدة الحالات الشبيهة لحالة نور خاصة فى مدينة المنصورة.
تحديات كثيرة تواجه علا، على رأسها أنها تحاول أن تؤهل ابنتها فى ظل راتب زوجها المحدود وإيجار شقة يلتهم أكثر من ثلثى الدخل لكنها لا تستسلم أبداً، خاصة مع وجود زوج يدعمها ويساعدها فى تربية الأبناء.
«نور الهدى هى الحاجة الحلوة اللى فى حياتى» بهذه العبارة المقتضبة تعلِّق الأم على حالة ابنتها دون أن تفقد الأمل.