صار واضحا لكل متابع أن إسرائيل تستخدم «عملية السلام» لمجرد كسب الوقت حتى يتم ابتلاع الأرض. ومع الوتيرة التى يتم بها الاستيطان فإن حل الدولتين سيصبح فى وقت قريب للغاية مستحيلا، ببساطة لأنه لن تكون هناك أرض تقام عليها الدولة الفلسطينية أصلا، بما يعنى أن سيناريو الدولة الواحدة سيصبح أمرا واقعا. وهى دولة ستكون بسبب التوازن السكانى بين الفلسطينيين والإسرائيليين دولة أبارتيد بامتياز. لذلك فإن الأمل فى ظنى ليس فى استئناف «العملية» إياها وإنما فى الحركة العالمية السلمية لمقاطعة إسرائيل وفرض العقوبات عليها. وهى الحركة التى تستخدم اليوم الأساليب نفسها التى استخدمتها حركة مماثلة ضد نظام الأبارتيد السابق فى جنوب أفريقيا. والحركة تكتسب أرضية جديدة كل يوم. وكنت قد ركزت الأضواء فى هذه الزاوية مرارا على وقائع وأحداث من شتى أنحاء العالم تنضم فيها مؤسسات ورموز مهمة لتلك الحركة، من الأكاديميين ومعلمى المدارس لاتحادات العمال والكنائس. والأسبوعان الأخيران شهدا حدثين جديدين فى طرفى العالم. الحدث الأول وقع فى نيوزيلندا، التى نظمت فيها المظاهرات ضد افتتاح السفارة الإسرائيلية فى ولنجتون. فالعلاقات الدبلوماسية بين البلدين كان قد تم تخفيضها فى 2004 ولمدة عام كامل، إلى أن اعتذرت إسرائيل بعد أن تم القبض على عميلين للموساد متلبسين بالسعى للحصول على جواز سفر نيوزيلندى بشكل غير قانونى. لكن الجرائم التى ارتكبت فى حرب غزة خلقت هناك حركة رافضة لعودة العلاقات إلى سابق عهدها. أما الحدث الثانى فلاتزال وقائعه تجرى فى جامعة كاليفورنيا - بيركلى، حيث كانت رابطة الطلاب قد صوتت بأغلبية ساحقة لصالح سحب استثمارات الجامعة فى شركتى جنرال إليكتريك ويونايتد تكنولوجيز، لأنهما «تدعمان الاحتلال الإسرائيلى». ورغم أن رئيس الرابطة استخدم الفيتو ضد المشروع فإن القرار النهائى لم يتخذ بعد. لكن يظل ما حدث فى بيركلى هو الأول من نوعه بين الجامعات الأمريكية المهمة، التى تنضم لحملة سحب الاستثمارات من الشركات التى تدعم الاحتلال. والكثيرون يشككون فى فاعلية تلك الحركة العالمية وقدرتها على تغيير الوضع الراهن. والإجابة عندى من محاور عدة، أولها: علينا أن نتذكر أن حملة دولية مماثلة كانت أحد أهم أسباب إنهاء نظام الفصل العنصرى فى جنوب أفريقيا. وثانيها: رغم اختلاف الظروف بين حالتى فلسطينوجنوب أفريقيا، فإن أوجه التشابه بينهما أيضا لا يمكن الاستهانة بها. وهو ما عبر عنه نيلسون مانديلا حين قال إن فلسطين صارت «القضية الأخلاقية الأولى فى عصرنا الحالى». فجوهر تلك الحركة العالمية لمقاطعة إسرائيل، والتى يدعمها الكثير من اليهود بل والإسرائيليين من أصحاب الضمائر الحية، هو وضع العالم أمام مسؤوليته الأخلاقية. فصعود الحركة يصعب معه على الحكومات، التى تصدع رؤوسنا بالحديث عن حقوق الإنسان أن تظل تغض الطرف عن الجرائم التى ترتكب. وثالثها: أن الحركة سلمية وجوهرها قانونى، فهى تسعى لإجبار إسرائيل على الالتزام بالقانون الدولى. أما رابعها: وهو الأهم، فهى حركة تسمح للمجتمع المدنى بل وللمواطن العادى بالإسهام الخلاق دون انتظار الحكومات.