يرغب الإنسان السوى دائما فى مشاطرة الآخرين أموراً إيجابية، فى حين يبتعد عن السلبى قدر الإمكان بدافع من توازن نفسى وعصبى يمنحانه قدرة على رؤية الجيد فى الحياة. قد تظن كلماتى فلسفية لكنها تعبير عن شعور غلبنى عندما رأيت الابتذال يتحقق بدافع استهلاكى محض، هدفه حصد ملايين الجنيهات من إعلانات، من سلعة تليفزيونية رخيصة. وهذه السلعة المتدنية التى شاهدها المصريون الأربعاء الماضى فى برنامج «مصر النهارده» على شاشة التليفزيون الحكومى بين شوبير ومرتضى، طاردتنى أينما ذهبت، فالحديث العام فى مصر تحول إليها متناسياً اعتداءات الأمن على متظاهرى 6 أبريل ودعاوى التغيير والبرادعى ومريديه، ولازمتنى معها مشاعر سلبية حركها الإسفاف والتحلل والصدمة لملايين تعرضوا لرسالة إعلامية خرقاء تفتقر إلى قواعد الأخلاق. للإسفاف إيقاع خاص يشغل ألباب الغوغاء والساعين إلى الإثارة، وتحقق هذا الإيقاع بالمحاولة الفاشلة للصلح بين مرتضى وشوبير على هواء ماسبيرو، فجاء الحوار يمس الأعراض ويخدش الحياء، دون أى تدخل من مقدم البرنامج والممسك بالمسبحة التى تصلح لشنق إنسان وليس لذكر المولى عز وجل. فى علم الإدارة مبدأ يقول «إذا أردت التخلص من أحدهم، افعل ما فى وسعك لتحريضه على التصرف بوقاحة»، شعرت بأن هناك نية ما للتخلص من أحدهم، ولكن نحيت فكرة المؤامرة جانبا، وأيقنت أن الجميع تصرف بوقاحة، بدءاً من إدارة البرنامج التى خشيت من خسارة الإعلانات التى لم يخجل أحدهم من أن يصرح بأنها كانت «96 إعلاناً»، انتهاء بالضيفين اللذين لم يعقلا أن أى صلح لا ينبغى أن يكون على مرأى ومسمع من الملايين. المريدون من الغوغاء والصناع والمعلنين، وجدوا ضالتهم فى شوبير ومرتضى، واتفق الجميع، بغير ترتيب، على أن يذبحا الأخلاق على شاشة ماسبيرو، ليكتشف دافع الضرائب أنه الضحية، فهو الذى يدفع ثمن الهواء والبث، وفى النهاية تأتيه «الشين» و«الخاء» إلى بيته دون جهد منه بالنزول إلى أقرب شارع أو حارة، فيسمعها على الشاشة مثل كل المصريين لتتحقق له ميزة المساواة التى ينادى بها المعارضون، وليضيف أنس الفقى إلى إنجازاته إنجازاً فريداً بإنهاء معاناة التمييز بين المواطنين وتطبيق معايير العدالة الغائبة بالشين والخاء. وفق داروين فإن زقزقة العصافير هى التى تجلب الشريك وتدفع إلى التكاثر، وفى عرف أنس الفقى ومن معه، فإن زقزقة الإعلانات تعويض لغياب «البيت بيتك»، و«الشو» هو السبيل إلى الحضور والرسوخ لبرنامج جديد لم يتجاوز عمره شهرين، يعتبره الوزير سابقا ومعد البرامج حاليا، أحد أبنائه الذى يجب أن يرتوى شهرة ومالاً باستراتيجية تنتصر فقط لرغبات وهوس العامة. المعادلة الحاكمة فى ماسبيرو تخلو من الصدق وتعتمد اللعب على مشاعر الجماهير الغفيرة، ولو نظرت إلى تقنية أحد مشاهيرها لفطنت إلى الأمر، فهو يدفع إلى الجميع بصورة نصير الفقراء واللعب على أوتار العوز والحاجة، رغم أن الأبقى هو الصدق واليقين بما تفعل دونما ولوج إلى دغدغة المشاعر لتعويض غياب الأجندة السياسية وسقف الحرية المتدنى. كيف نصدق من كان عن ماسبيرو مسؤولاً عندما يتحدث عن الحرية، فالحرية هى الرحابة وليست الصفاقة، وإذا كانت الريادة قد ولت، فأهلا بالسذاجة فى عصر الفقى، وإن كان شوبير ومرتضى قد وضعا ثقوباً فى ثوب إعلامه، فأعتقد أن الرتق سيتسع ولن تفلح معه محاولات الراتق، فالخطيئة بدأت منذ زمن لكنها بلغت مؤخراً الذروة. [email protected]