هادئ، حذر، يرسم على وجهه نصف ابتسامة وهو يقول نعم، ويرسم نفس الابتسامة وهو يقول لا . الاسم : أشرف، السن: 27 سنة، المهنة: ديلر، مكان العمل: صالة قمار. «مش عايز الصحافة تأذينى فى شغلى» هكذا تحدث أشرف، الذى اشترط عدم نشر اسمه كاملا مقابل أن يفتح لنا باب هذا العالم السرى. «أنا بشتغل شغلانة محترمة حتى لو المجتمع مش شايف ده.. شغلانة زى أى شغلانة فى الدنيا، وبتحتاج مجهود ومواصفات خاصة جدا مش أى حد يشتغلها». بدأ أشرف العمل منذ 7 سنوات بعد أن فقد الأمل فى إيجاد عمل بشهادة «حاسبات ونظم المعلومات» التى يحملها. تجاوز الديلر الشاب «اختبارات» عديدة قبل التحاقه بالوظيفة، وتنقل من الإشراف على لعبة إلى أخرى ليرى عالما مختلفا لم يكن يتصور أنه موجود، «الكازينو دنيا تانية خالص، فيه الحلو وفيه الوحش، عرفت هنا ناس بتشتغل فى الدعارة، وسماسرة ورجال أعمال ومرابين وفنانين وكمان عرفت ناس متدينة، وناس أول مرة تجرب، وناس كل همها فكرة المكسب بغض النظر عن الفلوس اللى هايكسبوها، والغريب بقى إنى لقيت ديلر متدين، آه متدين بجد، طبعا مش أغلبية الناس هنا متدينين لكن فيه نسبة معقولة من الشباب متدينين وبيشتغلوا هنا لأنهم هايعملوا إيه يعنى». ضحك طويلا حين لاحظ التشابه بين فيلم «الريس عمر حرب»، الذى قام ببطولته الفنان هانى سلامة ولعب دور «ديلر قمار» مع ما يحكيه أشرف عن الصالة «لا لا.. الوضع مختلف شوية.. مثلا هانى سلامة انضرب فى الفيلم.. هنا مافيش ضرب، وأقصى حاجة ممكن الزبون يعملها هى الشتيمة، ومدير الصالة بيعرف يتصرف فى المواقف دى». يصف أشرف الأيام الأولى له فى المكان «فى البداية كنت مذهولاً من اللى بيحصل، ملايين على كل لعبة، وناس من كل حتة، وعلاقات مش مفهومة وكل حاجة بتيجى وتروح فى ثانية.. بس بعد كده اتعودت على الشغل وبقت حياتى زى الروليت تقبل كل الاحتمالات». يبدأ أشرف عمله غالبا فى ال«night shift»، فهناك يبدأ الموسم الحقيقى الذى يحتاج لديلر يعرف ما يجب عمله «وقت الشغل يبقى تركيزى كله على الترابيزة اللى أنا واقف قدامها.. ما أفكرش حتى إنى أسحب كرسى وأقعد طوال 8 ساعات كاملة، لكن أكتر حاجة بترهقنى فعلا هى التركيز فى الحسابات والأرقام وورق الزباين، لأن فيه أوقات بيبقى قدامى على الترابيزة 3 أو 4 مليون دولار وأنا الوحيد المسؤول عنها». تعرض الديلر الشاب لمواقف مشابهة لما حدث فى السينما «مرة زبون تقيل شتمنى بالأم وما كنتش قادر أرد عليه لأن أى رد هايكلفنى مستقبلى كله، بلعت الشتيمة بهدوء لحد آخر اليوم جه مدير الصالة وقعد مع الزبون وأقنعه بأنه يعتذر لى، وفيه يوم مش هانساه أبدا.. كنت واقف على لعبة الروليت وقدام عينى مات زبون عمره حوالى 40 سنة.. الراجل ده أول ما جه خسر 100 ألف دولار، ولف على المرابين اللى فى المكان واستلف من الجميع، وبعد كام ساعة من اللعب فجأة كسب نص مليون دولار أو أكتر.. الراجل قلبه وقف من الصدمة ومات قدامى، الكازينو تعامل بشكل بارد مع الموقف.. مسكوا موبايله واتصلوا برقم حد من قرايبه يجى يستلم الجثة واللعب ما وقفش لحظة». يبدأ راتب الديلر – حسب أشرف – من 2000 جنيه شهريا، ويرتفع إلى 3000 بعد اطمئنان مدير الصالة لكفاءته، والتدرج الوظيفى الذى ينتظر أى ديلر يبدأ من تغيير اللعبة إلى اخرى أكثر تعقيدا حتى الوصول إلى منصب مشرف صالة وراتبه يصل إلى 7000 جنية شهريا، فيما يتجاوز راتبى المدير 25 ألف جنيه. «ممنوع مصاحبة أى زبون، ولو عرفوا بالموضوع ده هاترفد على طول، هنا بيوفروا لى كل حاجة أنا دلوقتى موظف فى القطاع الخاص زى أى شاب فى أى شركة أو مصنع، عندى تأمينات اجتماعية وتأمين صحى وورق رسمى وكل حاجة. يبدو أشرف مقتنعا إلى حد كبير بوظيفته، ويعتبر الكازينو المكان الوحيد فى العالم الذى يعرف تفاصيله وخباياه كافة، ورغم ذلك فحكاية أشرف لم تنته بعد، هناك دائما فصول تروى همسا وبعيدا عن الكازينو وعالمه «كنت بحب بنت واتفقنا على الجواز، فرحت لأهلها البيت.. وقلت لأبوها يا عمى أنا جاى أتجوز بنتك على سنة الله ورسوله.. الراجل رفض بحجة أنه يقول لأهله جوز بنته بيشتغل إيه.. قلت له قولهم بيشتغل ديلر.. سكت كده وقال لى يا بنى كل العيلة مجوزة بناتها من ناس بتشتغل شغلانة محترمة أروح أقولهم جوز بنتى بتاع قمار.. وباظت الجوازة». حاول أشرف أن يبحث عن وظيفة أخرى غير «الديلر» ولو بنصف الراتب فلم يجد، عاد فى النهاية إلى الصالة، وقد تأكد أنها عالمه إلى الأبد حتى لو تعرض لمضايقات «فى القسم رحت أجدد البطاقة.. الموظف طلب منى أشرح له يعنى إيه ديلر.. فشرحتها، وعينك ما تشوف إلا النور.. كانت المعاملة سيئة جدا جدا.. الراجل كان بيتكلم بقرف وكل شوية يبص لى ويقول أستغفر الله العظيم زى ما يكون هايطلع بطاقة لإبليس». رغم الراتب فإن أشرف يبحث الآن عن وظيفة لا يضطر لشرحها هو وأبناؤه للناس، وظيفة لا تجعله مرفوضا بمجرد النظر كلما تقدم لخطبة «أى واحدة بنت ناس». يبحث أشرف فور خروجه من الكازينو عن فرصة عمل أخرى دون أن يشعر سوى بالامتنان لصالة القمار «هناك اشتغلت واتعلمت وخدت مرتب محترم واتعاملت أحسن معاملة واتعينت ولا تاجرت فى مخدرات ولا اشتغلت فى دعارة ولا شربت خمرة.. وما دام مافيش بديل الناس بتلومنى ليه».