يأتى يوم المرأة المصرية هذا العام كاشفاً أكثر من أى وقت مضى عن تناقضات وعى النساء المصريات بذواتهن. فقد انفجرت حالة غضب عارمة ضد قرار الجمعية العمومية لمجلس الدولة برفض تعيين المرأة قاضية فى المجلس، وتظاهرت المئات، وتبارت الجمعيات النسائية والأحزاب الديمقراطية فى إصدار بيانات الاحتجاج وعقد مؤتمرات المساندة. فى الوقت نفسه تفاقمت ظاهرة النساء المنقبات اللاتى شلغت المجتمع المصرى بالقضايا التى حركوها مدافعات عما أسمينه حقوقهن فى دخول الامتحانات بالنقاب أو تولى مواقع فى مهنهن وأعمال تحتاج بطبيعتها إلى علاقات مباشرة وغير مخفية بين الناس وبعضهم البعض. ويشكل النقاب –من وجهة نظرى– عدواناً على المجتمع حين تختفى كلية حقيقة الشخصية التى من المفترض أن يتعامل معها الناس. كما أنه إعلان للكافة أن الرجال ليسوا إلا شهوات تتحرك على الأرض، وكائنات جنسية تعجز عن التحكم فى هذه الشهوات. ومع زيادة مساحة الفقر والبطالة برزت ظاهرة تأنيثها، فالفقر فى أوساط النساء أكثر انتشاراً حيث يعلن 40% من الأسر المصرية، وكذلك هى البطالة فبين كل أربعة عاطلين هناك ثلاث نساء، ولكن النساء يعملن عملا غير مدفوع الأجر على نطاق واسع حتى إنهن ينتجن 42% من ثروة الريف، و32% من ثروة المدن. وتفاعلت كل هذه العوامل مجتمعة لتؤدى إلى تراجع أوضاع النساء ونظرة المجتمع لهن، ويعود هذا المجتمع لطرح قضايا كانت فى زمن سابق تعد من البديهيات مثل عمل المرأة والاختلاط وحدود المشاركة السياسية. ويلعب الإسلام السياسى دوراً أساسياً فى حالة التراجع العام إذ إنه يعتبر المرأة عورة ويدعو إلى إخفائها سواء خلف النقاب أو الحجاب أو إعادتها إلى البيت، ويعيد صياغة كل أشكال الوصاية الأبوية على النساء رابطا بينها وبين المشروعية الدينية. ومن جهة أخرى فإن سياسات السوق والليبرالية الجديدة، فى تناقض مع مركزية فكرة التحرير ففيها تعتبر المرأة سلعة، وهى التى تحمل على أكتافها عبء ترويج البضائع فى النظام التجارى الاستهلاكى القائم، سواء باستخدام جسدها فى الإعلان أو الأغانى الهابطة الشائعة، أو استخدام هذه الجسد نفسه كسلعة مباشرة فى شبكات الدعارة والاتجار بالبشر. ويقودنا التحليل العميق لمفهومى العورة والسلعة إلى التحقق من أنهما ليسا إلا وجهين لعملة واحدة هى نتائج حزمة السياسات القائمة التى تستخدم الدين والجنس، وفى الحالتين المرأة هى موضوع هذا الاستخدام. وحين يدخل مجتمع ما فى أزمة عميقة كالتى يعيش فيها مجتمعنا فإن قضايا النساء تبرز كعلامة محققة على هذه الأزمة وتصبح عنوانا لها. وليست التناقضات المشار إليها إلا تناقضات المجتمع ذاته الذى تتصارع فيه قوى الجديد والقديم، قوى الحداثة والتأخر، قوى العدالة والمساواة وكرامة الإنسان من جهة وقوى الاستغلال والقهر والوصاية من جهة أخرى. لكن التاريخ لا يعود إلى الوراء وإن لم يتقدم دائما إلى الإمام بشكل خطى فإن الصراع الدائر من أجل حقوق المرأة وحريتها وإنسانيتها لن يتوقف. ويحق للمرأة المصرية فى عيدها أن تفخر بكل ما أنجزته فى شتى الميادين وإن وقفت لها بالمرصاد قوى التأخر والوصاية والعنف ماديا ومعنوياً. فريدة النقاش رئيس تحرير جريدة الأهالى