الصادرات الهندسية تسجل 3.1 مليار دولار للمرة الأولي في التاريخ بالنصف الأول من 2025    رئيس الوزراء: استراتيجية وطنية لإحياء الحرف اليدوية وتعميق التصنيع المحلي    رئيس جامعة القاهرة يفتتح فعاليات المنتدى الثاني للابتكار الأكاديمي وتحديات سوق العمل    مدبولي: كلمة الرئيس السيسي بشأن غزة تعكس ثوابت مصر في دعم القضية الفلسطينية    روسيا: الحوار بين إيران والصين وروسيا يظهر إمكانية التوصل إلى اتفاق بشأن الملف النووي الإيراني    إعلام لبناني: الجيش الإسرائيلي يستهدف بالمدفعية أطراف بلدة "عيترون" جنوبي لبنان    نهال طايل تنعي لطفي لبيب وتكشف كواليس مقابلتها معه: تغيرت أسئلتى كامله إحترامًا لشخصه    7 مؤتمرات انتخابية حاشدة لدعم مرشحي مستقبل وطن بالشرقية    مي طاهر تتحدى الإعاقة واليُتم وتتفوق في الثانوية العامة.. ومحافظ الفيوم يكرمها    تكنولوجيا المعلومات ينظم معسكرا صيفيا لتزويد الطلاب بمهارات سوق العمل    رئيس جامعة بنها يترأس اجتماع لجنة المنشآت    وظائف خالية اليوم.. فرص عمل ب 300 دينارًا بالأردن    رئيس جامعة القاهرة يفتتح فعاليات المنتدى الثاني للابتكار الأكاديمي وتحديات سوق العمل    القوات المسلحة الأردنية تسير قافلة تزويد مساعدات إغاثية للمستشفى الميداني جنوب غزة    مفاوضات وهمية | الزمالك يوضح حقيقة التفاوض مع إمام عاشور    "زي زيزو كدا".. الغندور يكشف الرد الحقيقي للزمالك حول إعادة إمام عاشور    بعد عامين.. عودة ترافورد إلى مانشستر سيتي مجددا    ضبط تجميع كميات من البنزين بغرض البيع بالسوق السوداء و زيوت مجهولة بالإسكندرية    73 ألف ترخيص لمزاولة المهن الطبية خلال السبعة أشهر الأولى من 2025    ضبط عاطل و بحوزته 1000 طلقة نارية داخل قطار بمحطة قنا    رئيس مجلس الدولة: نثمّن دور النيابة الإدارية في دعم دولة القانون    جامعة سوهاج تعلن النتيجة النهائية لكلية الطب للفرقه الاولي    "التضامن" تستجيب لاستغاثات إنسانية وتؤمّن الرعاية لعدد من السيدات والأطفال بلا مأوى    مشروع رعاية صحية ذكية في الإسكندرية بمشاركة الغرف التجارية وتحالف استثماري    الرعاية الصحية تعلن تقديم أكثر من 2000 زيارة منزلية ناجحة    لترشيد الكهرباء.. تحرير 145 مخالفة للمحلات التي لم تلتزم بقرار الغلق    محافظ أسوان يوجه بالانتهاء من تجهيز مبني الغسيل الكلوي الجديد بمستشفى كوم أمبو    انكسار الموجة الحارة.. الأرصاد تكشف حالة الطقس ودرجات الحرارة المتوقعة    برابط التقديم.. إنشاء أول مدرسة تكنولوجية متخصصة بالغردقة (تفاصيل)    مصير رمضان صبحى بقضية التحريض على انتحال الصفة والتزوير بعد تسديد الكفالة    خسارة شباب الطائرة أمام بورتريكو في تحديد مراكز بطولة العالم    صلاح أساسيًا.. سلوت يعلن تشكيل ليفربول لمواجهة يوكوهاما مارينوس وديًا    مبيعات فيلم أحمد وأحمد تصل ل402 ألف تذكرة في 4 أسابيع    صفية القبانى: فوز نازلى مدكور وعبد الوهاب عبد المحسن تقدير لمسيرتهم الطويلة    لمسات فنية لريهام عبد الحكيم ونجوم الموسيقي العربية ترتدي قفاز الإجادة بإستاد الأسكندرية    موجات تسونامى تصل إلى 15 مترا فى سواحل كامتشاتكا عقب الزلزال العنيف    ما حكم كشف وجه الميت لتقبيله وتوديعه.. وهل يصح ذلك بعد التكفين؟.. الإفتاء تجيب    فرانشيسكا ألبانيزي عن فرض واشنطن عقوبات عليها: ستضرني لكن التزامي بالعدالة أهم من مصالحي الشخصية    215 مدرسة بالفيوم تستعد لاستقبال انتخابات مجلس الشيوخ 2025    معلومات الوزراء: مصر في المركز 44 عالميًا والثالث عربيا بمؤشر حقوق الطفل    السفير الأمريكي بإسرائيل: لا خلاف بين ترامب ونتنياهو.. والوضع في غزة ليس بالسوء الذي يصوره الإعلام    علي جمعة يكشف عن حقيقة إيمانية مهمة وكيف نحولها إلى منهج حياة    هل التفاوت بين المساجد في وقت ما بين الأذان والإقامة فيه مخالفة شرعية؟.. أمين الفتوى يجيب    ما معنى (ورابطوا) في قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا)؟.. عالم أزهري يوضح    رابطة الأندية: لن نلغي الهبوط في الموسم الجديد    إخماد حريق نشب داخل شقة سكنية فى أوسيم    استقرار سعر الريال السعودي في بداية تعاملات اليوم 30 يوليو 2025    انخفاض أرباح مرسيدس-بنز لأكثر من النصف في النصف الأول من 2025    ملك المغرب يؤكد استعداد بلاده لحوار صريح وأخوي مع الجزائر حول القضايا العالقة بين البلدين    استراتيجية الفوضى المعلوماتية.. مخطط إخواني لضرب استقرار مصر واستهداف مؤسسات الدولة    حميد أحداد ينتقل إلى الدوري الهندي    لم نؤلف اللائحة.. ثروت سويلم يرد على انتقاد عضو الزمالك    وفري في الميزانية، طريقة عمل الآيس كوفي في البيت زي الكافيهات    فلكيًا.. موعد بداية شهر رمضان 1447-2026    عبداللطيف حجازي يكتب: الرهان المزدوج.. اتجاهات أردوغان لهندسة المشهد التركي عبر الأكراد والمعارضة    حظك اليوم الأربعاء 30 يوليو وتوقعات الأبراج    متابعة تطورات حركة جماعة الإخوان الإرهابية مع الإعلامية آلاء شتا.. فيديو    رسميًا.. جدول صرف مرتبات شهر أغسطس 2025 بعد تصريحات وزارة المالية (تفاصيل)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د. محمد حبيب يكتب: ثقافة الحرية

المبدأ السائد الآن هو: أنا أتكلم فأنا موجود، أو أنا أكتب فأنا موجود.. ولا يهم ما الذى أقوله أو أكتبه، ولا يهم أن يكون ما أكتبه أو أقوله صواباً أو خطأ.. المهم أن أتكلم أو أن أكتب.. ويبدو - والله أعلم بقلوب عباده - أن كثيرا من الذين يتكلمون أو يكتبون هذه الأيام لا يهمهم أن يكون هناك من يسمع أو يقرأ.. المهم أن يشعروا بذواتهم، وأنهم ما زالوا يثرثرون أو يكتبون بعض الكلمات، فذلك يمنحهم إحساساً بالحياة.. على الطرف الآخر، أصبح الذين يسمعون أو يقرؤون يشعرون بملل، أو ضيق، أو ضجر، فلا فائدة ولا صدى ولا مردود، ثم إن الذى قلناه أو كتبناه بالأمس، نقوله أو نكتبه اليوم، وربما نقوله أو نكتبه غدا، وبالتالى لا جديد.. يحضرنى فى هذا أن أحد علمائنا كان يتحدث إلى قوم فى لقاء عام، وبينما هو فى قمة انفعاله قاطعه أحد الجالسين بقوله: «صار لكم أربعون عاما تتكلمون فماذا صنعتم؟!» فرد عليه صاحبنا بقوله: «وأنتم صار لكم أربعون عاما تسمعون فماذا صنعتم؟!».. المسألة مستوية الطرفين لا جدال.. لكن الذى نعلمه يقينا أن كل ما خرج من القلب دخل إلى القلب، وبقدر صدق الكلمة يكون التأثير، وبقدر اقتران الكلمة بالنموذج القدوة يكون التفاعل.
يجب أن تكون لدينا شجاعة الاعتراف بأن الكلمة - مقروءة أو مسموعة - فقدت معناها وصداها.. وليس هناك أكثر من الكلمات التى تمتلئ بها الصحف والكتب أو تلك التى يتردد صداها فى الهواء.. ومع ذلك لا يوجد هناك ملل من الكلام.. أحيانا يسوقنى قدرى لمشاهدة بعض البرامج الحوارية التى تروج فى التلفاز هذه الأيام، فأشعر بالضحك والإشفاق، حيث يبدو المتحدث متأنقا للغاية، يتصنع الاهتمام فى غير موضوع، يقطب ما بين حاجبيه دون حاجة، يبدأ كلامه بصيغة: «فى الواقع» أو «فى الحقيقة» حتى يعطيك إحساسا بأن ما يقوله هو الصواب بعينه أو الفريد فى بابه.. والمحاورة أو المحاور - بكسر الواو - قد يظهر اهتماما أو حرصا بما يقوله الضيف، غير أنه يقاطعه بحدة وبدون معنى، وقد يقوم بإحراجه، مع استرسال فى الكلام دون مبرر، وكأنه هو الآخر يريد أن يقول: «أنا أيضا موجود»! بالطبع هناك برامج حوارية جادة ورائعة، لكنها - للأسف - قليلة، شأن عناصر الامتياز دائما.
أنا لست بذلك أريد أن يمتنع الناس عن الكلام أو الكتابة، فذلك غير ممكن، ولا هو مطلوب.. أنا فقط أريد وقفة ومراجعة.. هل من الممكن أن يستمر الحال هكذا؟ هل صرنا أسرى عملية اجترار وتكرار ممل وسقيم لموضوعات تافهة وغير ذات قيمة؟ ما هذا الذى نفعله فى أنفسنا؟ إن الأسئلة التى أتلقاها بين الحين والآخر من بعض الصحفيين تدعو إلى الرثاء، فهى أسئلة مكرورة وتدل على حالة من التصحر السياسى.. بالتأكيد هناك مشكلات حقيقية موجودة على المستوى المجتمعى العام، سياسية واقتصادية واجتماعية، وهذه المشكلات تحتاج ألا نمل من الحديث عنها أو الكتابة فيها، ولا ينبغى أن نخضع للمنطق السائد منذ فترة: «دع الناس يتكلموا، ونحن - أهل الحكم - نفعل ما نريد».. إن الطرق على الآذان أمرّ من السحر كما يقولون، لكن حبذا لو كان كلامنا متسقاً مع القدرة على الفعل، إذ لا فائدة فى كلام لا يمكن تجسيده أو ترجمته على أرض الواقع.. نريد كلاما رصينا، موضوعيا، جادا، هادفا يرقى بثقافة الشعب المصرى، الذى يتعرض منذ فترة لعمليات مسخ لفكره وثقافته، تغييب لعقله وذاكرته، إبعاده عن تراثه وتاريخه، إلهائه بمشكلات وأزمات يومية، فضلا عن سياسة القمع والبطش والتخويف التى تمارس ضده.
مما سبق أقول: نحن فى حاجة ماسة إلى ترتيب أولوياتنا، وبأى القضايا نبدأ.. نحن نسمع ونقرأ الآن كلاما حول تعديل الدستور، خاصة المواد 76، 77، 88، وهذا كلام جيد، بل هو مطلوب فى هذه المرحلة وفى غيرها من المراحل، لكن علينا ألا ننسى أو نغض الطرف عن ضرورة وحتمية إيقاف العمل بقانون الطوارئ.. بذلك نكون قد وضعنا الحصان أمام العربة، وبدأنا الخطوة المهمة على الطريق الصحيح..
علينا أن نبين للشعب المصرى وللدنيا كلها آثار وتجاوزات واعتداءات وكوارث ومآسى العمل بهذا القانون فى حق الإنسان والوطن.. وقبل أن نطلب من الشعب شيئا، دعونا نلتف جميعا، كتابا وساسة ومفكرين، حول هذه القضية، ونظل نتكلم حولها ونتحرك من أجلها.. نعقد لها المؤتمرات والحوارات، مركزيا ولامركزيا، وأعتقد أننا سوف ننجح - ولو بعد وقت - فى إحراز تقدم فيها.. هذا النجاح سوف يعطينا ثقة فى أنفسنا، وسوف يغرى بالانتقال إلى قضية ثانية وثالثة، وهكذا.
نحن فى مسيس الحاجة إلى ثقافة الحرية، لا ثقافة العبودية.. ثقافة الأحرار، لا ثقافة العبيد.. ثقافة الإقدام، لا ثقافة الإحجام.. ثقافة الإيجابية، لا ثقافة السلبية.. ثقافة الشجاعة، لا ثقافة الخوف.. ثقافة المصلحة العامة، لا ثقافة المصلحة الخاصة.. إن العبيد لا يصنعون وطنا، لا يبنون قيمة، لا يدافعون عن كرامة، لا يحمون مقدسا.. الأحرار فقط هم وحدهم القادرون على ذلك.. رضى الله تعالى عن الفاروق، ثانى الراشدين، لقد أرساها دستورا وقانونا، وجعلها أصلا ومعلما، وصنع منها تاجا للعزة والمجد والفخار.. أرسلها عالية مدوية حتى يسمعها القاصى والدانى، الحاكم والمحكوم، هنا وفى كل مكان، اليوم وغدا وعبر الأيام والأزمان: «أيا عمرو.. متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا؟!»، لقد صك القبطى بشكواه سمع الفاروق.. أوجع قلبه.. قضَّ مضجعه.. هز فؤاده.. يقول الفاروق للقبطى: «خذ الدرة واضرب ابن الأكرمين» (!)، ثم يقول: «خذها وأعل بها صلعة عمرو فإنه لم ينل منك إلا بسلطان أبيه».
منذ أيام نشرت الصحف خبر الطبيب الشاب طه عبد التواب الذى سيق إلى أحد مقار مباحث أمن الدولة حيث تم تعذيبه بسبب إعلان تضامنه بشكل سلمى مع الدكتور البرادعى.. والقصة تحدث كثيرا، وهى تعبير عن سياسة نظام، لكن الكارثة الكبرى أن الخبر يمر - عادة - ولا يحرك فينا ساكنا.. قد نمصمص شفاهنا، أو تتألم نفوسنا، أو نتناول فيما بيننا عبارات استنكار هامسة، وينتهى الأمر عند هذا الحد لكى تطويه صحائف النسيان كما طوت غيره.. إن المستهدف من وراء تعذيب هذا الطبيب هو رسالة تخويف وتفزيع لشعب مصر، كى يضع فى حسبانه أن هذا هو المصير الذى ينتظره.. لذا أقول: إن الاعتداء على مواطن هو فى الحقيقة اعتداء على الوطن كله.. هو إهدار لكرامة مجتمع بأسره.. ولا يتصور أحد - كائنا من كان - أنه بمنأى عن الاعتداء أو لديه حصانة ضد إهدار الكرامة..
 إن البيان الذى أصدره البرادعى منذ أيام بشأن ما حدث لهذا الشاب أو يحدث لأى شاب يستحق الإشادة والتقدير، ويجب أن يكون بداية لوقفة جادة على مستوى مؤسسات المجتمع المدنى كافة دفاعا عن الحق والعدل والحرية.. وأقول أيضا: إن مد العمل بقانون الطوارئ هو استمرار لتكريس سياسة الخوف والسلبية والانكفاء على الذات.. هو استمرار لمزيد من التخلف والتراجع والتبعية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.