عندما سألوا الرئيس مبارك، فى ألمانيا، عن الدكتور البرادعى، قال إن مدير الوكالة الدولية للطاقة النووية السابق، يستطيع أن يخوض انتخابات الرئاسة المقبلة إذا كان يرغب فى ذلك، من خلال أحد الأحزاب القائمة، أو حتى مستقلاً، فى إطار الدستور! ومعنى كلام الرئيس، وخصوصاً العبارة الأخيرة، أن تعديلاً على الدستور، لن يجرى، من هنا إلى الانتخابات المقبلة، وأن هذه هى قواعد اللعبة، وأن مَن أراد أن يلعب، فليكن فى إطارها، ووفقاً لها وليس خارجها، أو رغماً عنها! ولا نستطيع أن نقول إن الرئيس قد استجاب لرغبة قطاع من المصريين، يريد للبرادعى أن يترشح، حين قال هذا الكلام، ورحب بالبرادعى مرشحاً رئاسياً، ولكن نستطيع أن نقول إن الرئيس قد قطع ربع المسافة على الأقل، فى اتجاه تحقيق هذه الرغبة، لتبقى ثلاثة أرباعها، بعد ذلك، على الدكتور البرادعى نفسه، ثم على الأحزاب القائمة! وسوف يرد واحد ويقول إن البرادعى كان قد قال إنه لن يترشح تحت مظلة أى حزب، وهذا صحيح، غير أن الرجل، فى ظل ظروف كهذه، مطلوب منه أن يراجع نفسه، فيما كان قد قاله، مادامت الدولة قد حسمت الموضوع، من خلال الرئيس ذاته، وقالت إنها لن تقوم بأى تعديل على الدستور، بما يسمح للبرادعى بأن يخوض الانتخابات مستقلاً! فالسياسة، فى أحد تعريفاتها، هى فن الممكن، لا المستحيل، وما لا يمكن إدراكه كله فيها، لا يجوز أن نتركه كله، وبما أن وجود البرادعى مرشحاً مستقلاً، مسألة تكاد تكون مستحيلة، فى ضوء الوضع الدستورى الحالى، فلماذا لا يبحث هو، ونبحث نحن معه، عما هو ممكن بالنسبة له، وبالنسبة لنا، وليس عما هو مستحيل؟! وإذا كانت أحزاب الائتلاف الأربعة سوف تعقد مؤتمرها السياسى، صباح السبت المقبل، بدعوة ومبادرة من «الوفد»، فإن هذه الأحزاب «الوفد، التجمع، الناصرى، الجبهة» مدعوة إلى أن تتعامل مع قضية البرادعى، بشكل مختلف، بحيث تنتقل بهذه القضية، من المستوى النظرى، الذى لانزال جميعاً نتحدث به حولها، إلى الآن، إلى مستوى عملى، وممكن، ومتاح! صحيح أن جدول المؤتمر مملوء بقضايا كثيرة، وهى قضايا مهمة، ولكن الأحزاب الأربعة، فى الوقت نفسه، مدعوة بقوة، إلى التعامل مع البرادعى، بدرجة من التجرد، وطرح أى حساسية معه بعيداً، بحيث يمكن التوافق بينها، حوله، مرشحاً، أو حتى التوافق حول غيره.. فليس من الضرورى والحال كذلك، أن يكون البرادعى، على وجه التحديد، هو المرشح الرئاسى الذى يجب أن تتوافق عليه الأحزاب الأربعة.. على العكس.. قد تتوافق على واحد منها، كأن يكون - مثلاً - محمود أباظة، أو منير فخرى عبدالنور، أو رفعت السعيد، أو أسامة الغزالى حرب، أو أحمد حسن، قيادى الحزب الناصرى.. أو.. أو.. فالمهم هنا، أن يتجردوا جميعاً، من أى إحساس زائد عن الحد بالذات، وأن يجلسوا، وأن يتفقوا، ثم يتوافقوا بطريقة ديمقراطية، على أن الشخص الفلانى، هو الأكثر حظاً من القبول، لدى الناس، فيكون هو مرشح الأحزاب الأربعة، فى أى انتخابات رئاسية مقبلة، سواء كان من داخلها، أو من خارجها، وسواء كان هو البرادعى، أو عمرو موسى، أو حتى الدكتور الجنزورى! لا نريد مؤتمراً ينعقد، ثم ينفض، بعد أن يدور فيه كلام كثير، أو قليل، ليس له عائد على الأرض، ولكننا نريد مؤتمراً، يأتى من حيث نتائجه، وطموحه، على قدر هذه الأحزاب التى إذا كانت تعانى ضعفاً فى بعضها، فليس هذا فى حقيقة الأمر من مسؤوليتها، وإنما مسؤولية الدولة التى كانت ولاتزال تحاصرها، ولكن تبقى مسؤولية الأحزاب الأربعة، كاملة، تجاه البرادعى.. وما نطلبه منها، هنا تحديداً، أن يكون مؤتمرها مؤتمراً جديداً، من حيث ما سوف يتم طرحه فيه، بمعنى أن يكون فيه «اختراع» سياسى جديد، أو فكرة جديدة، أو حتى ومضة من ومضات ثورة 19 تلمع فى أعين ورؤوس الناس!