حياد الإعلام المرئى فى التعامل مع مرشحى انتخابات الرئاسة الفرنسية كان مؤكداً، من زاوية المساحة المتساوية التى أعطيت لكل مرشح، كما جرت تغطية جولات المرشحين بشكل متساو، خاصة فى الإعادة، حيث تقاسم المرشحان الوقت بصورة متساوية، حتى فى المناظرة التى ضمت - يوم الأربعاء الماضى - المرشحين الفائز والخاسر، حيث اقتسم الوقت بينهما بالدقيقة والثانية - قد تفرق أجزاء من الدقيقة - ولضمان الشفافية يشاهد المتفرجون عداد الساعة الخاص بكل مرشح وهو يدور معلناً الوقت الذى أخذه كل منهما. وقد انقسمت الصحافة المكتوبة بين ثلاث صحف رئيسية عبرت عن المدارس الثلاث الكبرى فى الصحافة الفرنسية، «لوموند ولوفيجارو وليبراسيون»، فالأولى تنتمى إلى الوسط وتحافظ غالباً على حيادها التام فى التغطية وفى عرض برامج المرشحين ولا تدعو لمرشح بعينه ولا تعلن من خلال افتتاحيتها انحيازها لأى من المرشحين. أما «لوفيجارو» اليمينية و«ليبراسيون» اليسارية فقد عبرت كل منهما بشكل واضح عن انحيازهما لمرشح بعينه، فالأولى انحازت لنيكولا ساركوزى، والثانية لفرانسوا هولاند، لكنهما حاولتا طوال المعركة الانتخابية أن تحتفظا بقواعدهما المهنية، فغطيتا حملات كل المرشحين وسمحتا بمقالات رأى تؤيد وتعارض مرشح الصحيفة المفضل، دون أن تدخلا فى أى حملات تشويه منظمة ضد أى من المرشحين تخل بالقواعد المهنية لعمل أى صحيفة وتحولها لمنشور حزبى كما يجرى أحياناً فى مصر. أما فى تغطية الصحيفتين لعددى السبت والأحد - لا تصدر الصحف الثلاث الكبرى يوم الأحد - فجاء واضحاً حجم تعاطف كل منهما مع أحد المرشحين، فعلى الصفحة الأولى لصحيفة ليبراسيون اليسارية وضعت صورة كبيرة لمظاهرة تحمل فيها طفلة صغيرة علماً مكتوباً عليه هولاند - المرشح الاشتراكى الذى أصبح رئيساً - بطريقة معكوسة حتى لا يقرأها القارئ بسهولة فتبدو دعاية فجة للمرشح، وكتب على الصورة «يوم الأحد كل شىء ممكن»، «تقدم هولاند فى استطلاعات الرأى رغم نقص الفارق مع ساركوزى»، وإضافة الفقرة الأخيرة - على صحتها - لم تكن بريئة تماماً فإذا وصل للناخب إحساس بأن مرشحه متقدم بفارق كبير على منافسه فربما لا يذهب لانتخابه. أما لوفيجارو اليمينية فقد وضعت صورة المرشحين فى مواجهة بعضهما البعض وكتب تحتها: «الرئاسة خيار تاريخى»، أما الافتتاحية التى احتلت النصف الأسفل من الصفحة الأولى فكانت بعنوان «قدر فرنسا» وانتقدت بشكل واضح برنامج المرشح الاشتراكى هولاند، وجاء فيها أنه فى حال فوز اليسار فى الرئاسة غداً وفى الانتخابات التشريعية بعد غد فإن هذا سيعنى أن اليسار سيسيطر على السلطتين التنفيذية والتشريعية بجانب البلديات والنقابات، وهو أمر لن يكون فى صالح فرنسا، واختتمت الصحيفة تعليقها بجملة ذات دلالة: «إن مشكلة فرانسوا هولاند ليست فى ذكائه ولا كفاءته، إنما فى مشروعه السياسى وفى تحالفاته - فى إشارة لتأييد بعض الجماعات اليسارية المتطرفة له - على عكس ساركوزى الذى تتمثل قوته فى تماسك مشروعه السياسى»، دون أن تشير إلى أى ميزة شخصية فى الرجل سوى الخبرة. نعم لقد انحازت الصحافة لمرشح ولمشروع سياسى لكنها لم تتخل عن قواعدها المهنية التى كانت أشبه بفلتر يهذب ويضبط الانحياز السياسى، ويجعل المهنية حاضرة حتى فى الانحياز. [email protected]