احتجاجات واسعة في لوس أنجلوس بعد نشر قوات الحرس الوطني| صور    تحطم طائرة على متنها 20 شخصا في ولاية تينيسي الأمريكية    موعد مباراة المغرب ضد بنين الودية اليوم الإثنين والقناة الناقلة    أسعار الفراخ اليوم الاثنين 9-6-2025 بعد الارتفاع الكبير.. وبورصة الدواجن آخر أيام العيد    روسيا: لافروف وروبيو يتواصلان باستمرار بشأن جميع القضايا المشتركة    الاحتجاجات تتصاعد في لوس أنجلوس بعد نشر قوات الحرس الوطني    قوارب سريعة تحاصر سفينة مادلين وتطالب نشطاءها برفع أيديهم قبل اعتقالهم    بعد الإطاحة بالأسد.. سوريا تجتذب استثمارات بقيمة 16 مليار دولار خلال 6 أشهر    6 مواجهات في تصفيات كأس العالم.. جدول مباريات اليوم والقنوات الناقلة    «الوصول لأبعد نقطة».. ماذا قال خوسيه ريبيرو بعد خسارة الأهلي أمام باتشوكا؟    ليفاندوفسكي: لن ألعب لمنتخب بولندا تحت قيادة المدرب الحالي    "لن يعود حيا" .."أبو عبيدة" يكشف محاصرة الاحتلال لمكان تواجد أسير إسرائيلي    تسليم شقق جنة والإسكان المتميز بدمياط الجديدة 15 يونيو    نقابة الأطباء بعد واقعة طبيب عيادة قوص: نؤكد احترامنا الكامل للمرضى    الدولار ب49.59 جنيه.. سعر العملات الأجنبية اليوم الاثنين 9-6-2025    إطلاق صفارات الإنذار في جميع أنحاء أوكرانيا    لاعب إسبانيا يتحسر على خسارة دوري الأمم الأوروبية أمام البرتغال    تشييع جثمان ضحية حادث شاحنة بنزين العاشر بمسقط رأسه في الدقهلية- صور    صحة المنيا: 21 مصابًا ب"اشتباه تسمم" يغادرون المستشفى بعد تلقي الرعاية    تحذير من شبورة كثيفة على هذه الطرق اليوم    تامر عاشور يروي طقوسه في عيد الأضحى    طريقة عمل طاجن اللحم بالبصل في الفرن    ياسمين صبري: «مش بنافس غير نفسي وأحب تقديم قصص من الواقع» (فيديو)    المنيا: وجبة مسمومة تنقل 35 شخصا إلى المستشفى في ملوي    الخميس المقبل.. ستاد السلام يستضيف مباراتي الختام في كأس الرابطة    غادر مصابا أمام باتشوكا.. جراديشار يثير قلق الأهلي قبل كأس العالم للأندية    تريزيجيه يُتوج بجائزة أفضل لاعب في ودية الأهلي وباتشوكا    اتحاد العمال: مصر فرضت حضورها في مؤتمر العمل الدولي بجنيف    جنود إسرائيليون يحاصرون السفينة «مادلين» المتجه إلى غزة    أوربان يتعهد بالاحتفال حال انتخاب لوبان رئيسة لفرنسا    بعد تصديق الرئيس السيسي.. تعرف على عدد مقاعد الفردي والقائمة لمجلسي النواب والشيوخ بالمحافظات بانتخابات 2025    وفاة شخص إثر إصابته بطلقٍ ناري بالرأس في مشاجرة بالفيوم    إصابة سائق وطالب في حادث تصادم بين سيارة ملاكي و«توك توك» بالمنيا    رسميا.. نتيجة الصف الثالث الابتدائي 2025 في مدارس الإسكندرية.. ومتى تظهر بالقاهرة؟    ضحى بحياته لإنقاذ المدينة.. مدير مصنع "يوتوبيا فارما" يتبرع بنصف مليون جنيه لأسرة سائق العاشر من رمضان    حركة القطارات| 90 دقيقة متوسط تأخيرات «بنها وبورسعيد» الاثنين 9 يونيو    وزارة الأوقاف تقيم أمسية ثقافية بمسجد العلي العظيم    سعر الذهب اليوم وعيار 21 الآن ببداية تعاملات الاثنين 9 يونيو 2025    بدون كيماويات.. طرق فعالة وطبيعية للتخلص من النمل    مكسل بعد إجازة العيد؟ إليك نصائح للاستعداد نفسيًا للعودة إلى العمل    فيديو تشويقي عن افتتاح المتحف المصري الكبير في احتفالية ضخمة 3 يوليو    4 أبراج «بيشوفوا الأشباح في الليل».. فضوليون ينجذبون للأسرار والحكايات الغريبة    بشكل مفاجئ .. إلغاء حفل لؤي على مسرح محمد عبد الوهاب بالإسكندرية    تامر عاشور: أتمنى تقديم دويتو مع أصالة وشيرين    سعر طن الحديد والأسمنت بسوق مواد البناء اليوم الإثنين 9 يونيو 2025    أسماء ضحايا حادث انقلاب ميكروباص ترعة الدقهلية    فسحة العيد في المنصورة.. شارع قناة السويس أبرز الأماكن    مكونات بسيطة تخلصك من رائحة الأضاحي داخل منزلك.. متوفرة لدى العطار    وكيل صحة سوهاج: تقديم الخدمة الطبية ل8 آلاف و866 مواطنا مؤخرًا بمستشفيات المحافظة    حدث بالفن | شيماء سعيد تستعيد بناتها وحلا شيحة تحلم ب يوم القيامة    تعديلات تشريعية جديدة.. الدولة تعزز التمثيل النيابي للشباب والمرأة وذوي الهمم    الوفد النقابي في جنيف: مصر نموذج للدفاع عن كرامة العمال    فضيلة الإمام الأكبر    5 أيام يحرم صومها تعرف عليها من دار الإفتاء    تنسيق الجامعات 2025، قائمة الجامعات المعتمدة في مصر    هل يجوز الاشتراك في الأضحية بعد ذبحها؟.. واقعة نادرة يكشف حكمها عالم أزهري    النسوية الإسلامية «خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى» السيدة هاجر.. ومناسك الحج "128"    من قلب الحرم.. الحجاج يعايدون أحبتهم برسائل من أطهر بقاع الأرض    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الهرم أم النيل؟
نشر في المصري اليوم يوم 28 - 03 - 2012

الصور الذهنية جزء من نظرية المعرفة سواء فى الإدراك أو فى التعبير، ويتم ذلك شعورياً، فهى اختيار حر، وكثيراً ما تتم لاشعورياً بالرغم من أنها تحرك الشعور واللسان، وهى مستمدة من البيئة، بل تتحول أحياناً إلى حكم على العقل نفسه، فيقال على صورة الخيمة والجمل عقلية الصحراء، والمدخنة والترس عقلية المدن الصناعية.
وهو التقابل عند ابن خلدون بين البدو والحضر. وقد استعمل «برجسون» هذه الصور الذهنية كوسائل أدبية للتعبير عن أعمق الأفكار الفلسفية مثل الحدس، والدافع الحيوى، والطاقة الروحية، فهى أبلغ وأكثر تأثيراً من المعادلات الرياضية والقضايا المنطقية.. تجمع بين الأدب والفلسفة، بين الوسيلة والغاية، وهو ما سماه القرآن (الأمثال) «وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ»، وهى بالمئات، تجعل القرآن كتاباً شعرياً بالأصالة، ودفعت علماء البلاغة لوضع نظرية فى الأمثال «المثل والممثول»، بل وضع علماء الشيعة علماً بأكمله هو «علم الميزان» لرصد التقابل بين عالم الصور وعالم الأشياء، وبتعبير الفلاسفة بين عالم الأذهان وعالم الأعيان، بين العقل والوجود، بين الروح والعالم. الصور الذهنية تنبع من طبيعة البيئة الجغرافية التى تعتريها الثقافة الوطنية، فرمز اليابان الشمس، وكوريا القمر، والمغرب النجمة، وتركيا وتونس والجزائر ومصر الهلال.
والهرم والنيل، وليس الشمس والقمر رمزين لمصر. الهرم من عجائب الدنيا السبع، والنيل حياة المصريين، فمصر هبة النيل كما صرح هيرودوت. الشمس والقمر تشارك فيهما معظم الدول الصحراوية، الشمس لهيبها للاتقاء منه، والقمر نوره للاسترشاد والتغنى به. الهرم من صنع الإنسان ويدل على عبقريته الهندسية والفنية، والنيل من صنع الطبيعة يدل على عظمة الخالق، الهرم سياحة يأتى الأجانب لمشاهدته والتصوير معه ويركبون الجمال حوله، والنيل شعب باق على ضفافه وإن تحرك على شطآنه، وسارت المراكب الشراعية وسطه طبقاً لاتجاه الريح، الهرم للأجانب والنيل للوطنيين. الهرم حى، حى الهرم، وخط مواصلات يصيح عليه مساعد السائق: هرم هرم، والنيل يمتد من أول مصر إلى آخرها، من جنوبها إلى شمالها، لا ينادى عليه أحد، و«مجرى العيون» خط مياه قديم منذ أيام الرومان. الهرم ثابت فى مكانه لا يتحرك بل الإنسان هو الذى يتحرك حوله، والنيل يتحرك ويربط بين شعوبه من المنبع إلى المصب، من الجنوب إلى الشمال، معبراً عن وحدته، حوض وادى النيل. الهرم حوله الصحراء من كل جانب، رمال وكثبان. فى حين أن النيل حوله الاخضرار والمزارع، الهرم لا يروى أحداً بل هو فى حاجة إلى من يروى زائريه.. الهرم أثر من آثار الماضى، من قدماء المصريين عبر آلاف السنين، يبقى ذكريات فى أذهان المصريين فى الحاضر والمستقبل، فى حين أن النيل ممتد عبر آلاف السنين منذ بداية الخليقة، من الماضى والحاضر إلى المستقبل، مرئى بالعين وليس مجرد ذكريات. الأهرام للأموات، والنيل للأحياء.
الهرم صامت لا يتكلم فى حين أن أمواج النيل تحادث الصيادين والفلاحين والمزارعين. يمكن دك الهرم فى زلزال أو بقنبلة ذرية مع أنه بُنى لمقاومة الفناء وإعطاء الخلود للنفس والبدن وحفظهما من البلاء، فى حين أن النيل باق بقاء الأرض والخلق. لا يدمره سلاح، ولا يدكه زلزال، ولا تغيره عوامل النحر. الأهرام فى الأرض وعليها ومنها فى حين أن النيل - كما تروى كتب التفاسير - ينبع هو و«دجلة» من السماء، من الجنة، فهما نهران مباركان لا يحولهما عن مسارهما طاغ أو عاص أو شرير. توالت عليه أنظمة الحكم الاستبدادية وهو باق ليقاوم ويدافع عن الحق والعدل والحياة.
ومن المأثورات الأدبية القديمة «شكاوى الفلاح الفصيح» إلى فرعون عن أخذ حماره وغلته وحقله من شيخ البلاد وممثل فرعون. الأهرامات متعددة طبقا لتعدد الملوك، تختلف فى الكبر طبقاً لعظمة الملوك، من الأكبر إلى الأوسط إلى الأصغر، من خوفو إلى خفرع إلى منقرع، والنيل واحد يعيش على ضفافه الكبير والصغير، المعبد والحقل، القصر والكوخ. يشرب من مياهه الفرعون والفلاح، ويأكل من ثماره الوزير والخفير، فالنيل أقرب إلى التوحيد، أنقذ موسى طفلاً بعدما وضعته أمه فى صندوق فيه، وجرفه التيار حتى وصل إلى أهل فرعون وقصره حتى شب وكبر ودافع عن التوحيد ضد ألوهية فرعون الذى غرق فى الماء. ماء النيل ينقذ وماء البحر يهلك. الأهرام لها حارس من لصوص المقابر، «أبوالهول» (رأس إنسان وجسد أسد): قوة الإنسان والحيوان. والنيل ليس له حارس إلا شعب مصر فى ثوراته مثل ثورة 1919، وفى فلاحيه مثل حادثة دنشواى. حارسها الله الذى ذكرها فى القرآن أكثر من مرة، منها «ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ».
وأهم مقارنة بين الهرم والنيل هى الصورة الذهنية التى لها أثر فى الثقافة السياسية، فالهرم رأسى، متدرج بين الأعلى والأدنى كما هو الحال فى هرم سقارة المدرج، وهى صورة للمجتمع الرأسمالى الذى يتكون من طبقات، أو المجتمع الاستبدادى التسلطى الذى يتكون من الرئيس ثم الوزراء ثم رجال الأعمال ثم رجال الأمن والشرطة.
والجيش حارس للجميع، فى حين أن النيل يجرى من الجنوب إلى الشمال فى مسار أفقى يُمحى فيه التدرج، يتساوى فيه الجميع، لا فرق بين منبع أو مصب، بين أوغندى أو حبشى أو نوبى أو مصرى، وإذا وقفت أمامه صخرة قفز فوقها فإذا هو شلال أو التف حولها وأحاط بها من كل جانب فإذا هو جزيرة.. كل الروافد تصب فيه، وتصبح جزءاً منه وليست منفصلة عنه انفصالات الأهرامات الثلاثة أو الأربعة. صورة الهرم الرأسية من أسفل إلى أعلى، من القاعدة إلى القمة، وصورة النيل الأفقية من الجنوب إلى الشمال، من المنبع إلى المصب، وقد انطبقت هاتان الصورتان فى المجتمع فولدت المجتمع الهرمى الرأسى الرأسمالى، والمجتمع الأفقى الاشتراكى. الهرم صورة الثابت الأبدى، والنيل صورة المتحرك الجارى، مرة فيضان ومرة قحط، كما عبّرت عن ذلك سورة يوسف فى تفسيره لحلم فرعون، سبع بقرات سمان وسبع بقرات عجاف، وسبع سنابل خضر فى مقابل سبع سنابل يابسات. وما ساد فى الثقافة الشعبية هو الثبات والتدرج الرأسى مما أنتج المجتمع الاستبدادى منذ فرعون الأول حتى الفرعون الأخير الذى قضى عليه الربيع العربى عندما تحولت ثقافة الهرم إلى ثقافة النيل، ثقافة الثبات إلى ثقافة الحركة.
كان الغناء للنيل فى حياة المصريين لكنه لم يكن صورة ذهنية فى الثقافة السياسية مثل صورة الهرم. وكان مصدراً للحياة والزراعة وليس صورة للجفاف والصحراء مثل صورة الهرم، زف إليه المصريون عروساً، أجمل فتيات مصر بعد تزيينها، وهى أمنية كل فتاة: أن يكون النيل عريسها. ألّهه المصريون كما ألّهوا الشمس وفضلوا النيل، «وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَىْءٍ حَىٍّ»، «وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ». وإذا كان الهرم رمز العبودية واستعمال آلاف من الفلاحين فى بنائه سخرة، وعلى قمته وفى داخله فرعون الإله فإن الماء أقوى، فهو الذى تطفو فوقه الحجارة لبناء الهرم. وهو الذى أنقذ موسى فى الصندوق حتى وصل إلى قصر فرعون، وهو الذى أنقذ سفينة نوح من الطوفان، وهو الذى أنقذ يونس فى بطن الحوت فى اليم، وهو الذى أبقى يوسف حياً فى البئر حتى التقطه المارة وباعوه إلى قصر فرعون، وهو الذى أنقذ مصر من القحط بتخزين المحاصيل، من سنوات الفيض إلى سنوات الجفاف.
الماء أقوى من الحجر. ضرب موسى الحجر بعصاه فانفجرت منه اثنتا عشرة عيناً. والدعاء للأمطار. وما أكثر الأغانى للنيل «يا شباب النيل، يا عماد الجيل»، «يا نيل يا اسمرانى»، «النيل نجاشى»، «والموجة تجرى ورا الموجة عايزة تطولها». فيه صدر عديد من الأفلام مثل «صراع فى الوادى»، «شىء من الخوف». وحافظ إبراهيم «شاعر النيل»، وأعلى قلادة «قلادة النيل»، هو شريان الحياة فى مصر، لذلك من العيب أن تتعثر اتفاقيات مياه النيل بين دوله فى حوضه، والعيب الأكبر ألا تتحول صورته الذهنية إلى بنية اجتماعية سياسية يقوم المجتمع فيها على الحرية والمساواة.. يتحرك باستمرار من المنبع إلى المصب، من القاعدة إلى القمة حتى يثور المجتمع كما يثور الفيضان.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.