برلماني: 30 يونيو ستظل شاهدة على وعي الشعب وحمايته لوطنه    آخر تحديث رسمي ل عيار 21.. أسعار الذهب اليوم الثلاثاء 10 يونيو بالصاغة بعد الارتفاع الكبير    بعد الانخفاض الأخير.. سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم الثلاثاء 10 يونيو 2025    الغربية تُنهي موسم عيد الأضحى ب1431 ذبيحة مجانية في 18 مجزرا    تفاصيل حجز شقق صبا بمدينة 6 أكتوبر..آخر موعد للتقديم وأنظمة السداد    معاريف: الشاباك جند عصابات إجرامية كبرنامج تجريبي لفرض حكم بديل لحماس في منطقة محددة برفح    هيئة عائلات أسرى إسرائيل: مصالح حكومة نتنياهو أعاقت عودة ذوينا    مستشار ماكرون للسلام: حان وقت الاعتراف بدولة فلسطين.. وحماس لا تمثل الفلسطينيين    نائب الرئيس الفلسطيني: قرار هدم المنازل جريمة جديدة في سجل انتهاكات إسرائيل    مجلس الأمن القومي الإيراني: بنك أهداف إسرائيلي على طاولة قواتنا المسلحة    نفقات حرب غزة تقفز بديون إسرائيل 17% في 2024    عضو «أسطول الحرية» ل«المصري اليوم»: الاعتداء الإسرائيلي على سفينة مادلين الخيرية «قرصنة»    إعلام عبري: سقوط صاروخ من اليمن قبل وصوله ل إسرائيل    إمام عاشور: تعرضت لمواقف صعبة وتركيزي داخل الملعب فقط    القنوات الناقلة لمباراة العراق والأردن مباشر اليوم في تصفيات كأس العالم 2026    منافس الأهلي.. مدرب إنتر ميامي: كأس العالم للأندية يضم أندية عريقة    سباليتي يعترف: من العدل أن أرحل عن تدريب منتخب إيطاليا    الاتحاد السكندري يؤجل حسم المدير الفني انتظارا لموقف مصيلحي    18 أغسطس.. آخر موعد لسداد اشتراكات الأندية في كأس مصر 2025/2026    إمام عاشور: تعرضت لمواقف كادت تدفعني لاعتزال كرة القدم    مأساة على شاطئ بقبق بمطروح.. مصرع 10 مصريين وأفارقة في رحلة هجرة غير شرعية قادمة من ليبيا    خلافات قاتلة.. حبس عامل شنق زوجته حتى الموت في قرية بغداد بالبحيرة    إقبال أهالي كفر الشيخ على قضاء إجازة العيد بحديقة الخالدين    رابط وخطوات الاستعلام عن نتيجة الصف السادس الابتدائي بمحافظة المنوفية    مصرع مسن بحادث اصطدام سيارة نقل وكارو فى الدقهلية    تراكم الضغوط المالية.. برج العقرب اليوم 10 يونيو    فريق واما يحيي حفلا غنائيا في بورتو السخنة ضمن احتفالات عيد الأضحى    تامر عاشور: أنا رجل شرقي بحت.. وهذا سبب خوف نانسي نور قبل الزواج    ألغام في بحر الذكريات.. دار الكرمة تكشف عن 46 قصيدة جديدة لأحمد خالد توفيق    داعش وموسم الحج.. خطاب العنف والتوظيف السياسي للدين    الزفاف يقترب.. عادل رامي إمام يضع اللمسات الأخيرة لحفل زواجه من فريدة أشرف    إجراء 2600 جلسة غسيل كلوي خلال إجازة عيد الأضحى بمحافظة قنا    استقبال 13108 حالة طوارئ بالمستشفيات خلال عيد الأضحى بالمنوفية    المصرية للاتصالات تقدم إنترنت مجاني لعملائها بعد تشغيل الجيل الخامس.. تفاصيل    أحمد الطيب: ثنائي الزمالك من الأفضل في مصر حاليًا    كيفية إثبات المهنة وتغيير محل الإقامة ب الرقم القومي وجواز السفر    «صدمة كبرى ل محبي الشتاء».. الأرصاد تحذر من حالة الطقس اليوم الثلاثاء    «أنا كنت ماشية مولعة.. وكله كان بيصور».. شهادة «سما» قبل وفاتها في انفجار خط الغاز ب طريق الواحات (خاص)    3 وزراء ومحافظ في أمسية ثقافية ب احتفالات عيد الأضحى    الأبراج    خلافات الجيرة.. مباحث كفر الشيخ تكشف حقيقة فيديو تعدي أشخاص على سيدة ب سلاح أبيض    سعر الحديد والأسمنت ب سوق مواد البناء اليوم الثلاثاء 10 يونيو 2025    وكيل صحة قنا يوجه بزيادة الحضانات أجهزة التنفس الصناعي بمستشفى نجع حمادي العام    كاديلاك أوبتيك V موديل 2026.. سيارة رياضية كهربائية فائقة الأداء بقوة 519 حصانًا    برلمانية: مصر تستعد للاستحقاقات النيابية وسط تحديات وتوترات إقليمية كبيرة    موعد أول إجازة رسمية بعد عيد الأضحى المبارك .. تعرف عليها    الزراعة: ذبح 450 أضحية لمؤسسات المجتمع المدني في غرب النوبارية    البابا تواضروس يوجه نصائح طبية لطلاب الثانوية العامة لاجتياز الامتحانات    إصابة 5 أشخاص إثر انقلاب سيارة ميني باص على صحراوي قنا    روشتة طبية من القومي للبحوث لمريض السكري في رحلة الحج    هل تنتهي مناسك الحج في آخر أيام عيد الأضحى؟    موعد إجازة رأس السنة الهجرية.. تعرف على خريطة الإجازات حتى نهاية 2025    ما حكم صيام الإثنين والخميس إذا وافقا أحد أيام التشريق؟.. عالم أزهري يوضح    الجامعات المصرية تتألق رياضيا.. حصد 11 ميدالية ببطولة العالم للسباحة.. نتائج مميزة في الدورة العربية الثالثة للألعاب الشاطئية.. وانطلاق أول دوري للرياضات الإلكترونية    دار الإفتاء تنصح شخص يعاني من الكسل في العبادة    د.عبد الراضي رضوان يكتب : ل نحيا بالوعي "13 " .. حقيقة الموت بين الفلسفة والروحانية الإسلامية    دعاء الخروج من مكة.. أفضل كلمات يقولها الحاج في وداع الكعبة    الصحة: فحص أكثر من 11 مليون مواطن بمبادرة الكشف المبكر عن السرطان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



جدران فولاذية لنظام آيل للسقوط
نشر في المصري اليوم يوم 19 - 12 - 2009

كان الأسبوع الماضى حافلا بأحداث يوحى ظاهرها بأن نظام مصر السياسى قوى، ومتين، وواثق من نفسه، ومصمم على المضى قدما فى الطريق الذى رسمه لنفسه غير عابئ بشىء، وبالتالى لم يعد أمام الحالمين سوى أن يفيقوا وأن يدركوا أن طريق التغيير «مغلق بالضبة والمفتاح»،
وهو ما يستنتج من قراءة البعض لنتائج الجولة الثانية من انتخابات نقابة الصحفيين، وللحملة الهمجية ضد الدكتور البرادعى، ولقرار الحكومة بالبدء فى تشييد جدار فولاذى على طول الحدود مع قطاع غزة. لكننى أعتقد أن هذه قراءة مغلوطة تستهدف إحباط شعب لم ولن يكف يوما عن الحلم بالتغيير، وليست قراءة «موضوعية» لما جرى.
فتعالوا لكى نبحث معا، فى هدوء، دلالات ما جرى خلال الأسبوع الماضى حول هذه القضايا الثلاث.
فالقراءة الصحيحة لنتائج الجولة الثانية من انتخابات نقابة الصحفيين تقول إن الاعتبارات المهنية، وليس السياسية، هى التى حسمتها فى نهاية المطاف.
فالأعضاء الذين قرروا التحرك فى الجولة الثانية ولم يذهبوا للتصويت فى الجولة الأولى يعبرون فى معظمهم عن «أغلبية صامتة» ليس لها موقف سياسى محدد، وينتمون لشريحة عمرية متقدمة نسبيا فى السن، وتنتمى، اجتماعيا ومهنيا، للطبقة الوسطى أو فوق المتوسطة، وصوّتت أغلبيتهم الساحقة لمكرم «المهني» وليس لمكرم «السياسي».
ومع ذلك لا يجوز فى الوقت نفسه أن نسقط من حسابنا أو نقلل من أهمية أو من المغزى السياسى لنزول الدولة بثقلها فى هذه الانتخابات ولجوئها إلى أساليب لا تعرفها عادة سوى الدول الشمولية التى تجيد لعبة المنح والقمع، والعصا والجزرة، وتقدم المنح والعطايا لترجيح كفة مرشح بعينه على حساب مرشح منافس لا ترضى عنه، وكلها أساليب غير مشروعة أخلاقيا، حتى وإن بدت مستعصية على التجريم من الناحية القانونية، وتضر فى الواقع بجوهر مبدأ النزاهة الذى يجب أن تتحلى به العملية الانتخابية.
لذا أعتقد، كما يعتقد كثيرون غيرى، أن جيل الشباب ودعاة التغيير أداروا معركة محترمة ومشرفة، وأن نتائج الجولة الثانية من انتخابات نقابة الصحفيين لا تنتقص بأى حال من الأحوال من قيمة ودلالة الفوز المعنوى والسياسى الكبير الذى تحقق فى الجولة الأولى، ومن ثم لا أرى مبررا لنغمة التشاؤم التى بدأت تظهر فى كتابات بعض الأصدقاء.
والقراءة الصحيحة للحملة التى شُنت على الدكتور البرادعى تقول إنه ليس بوسع عاقل واحد أن يرى فيها دليل قوة أو ثقة بالنفس، وكانت، على العكس، كاشفة لعوار أخلاقى وسياسى يصم الجهة التى صرحت بها، سواء كانت الحكومة أو الدولة أو الحزب، كما كانت كاشفة فى الوقت نفسه لضعف النظام الحاكم وتخبطه. فعلى الصعيد الأخلاقي: كشفت الحملة عن غياب فاضح للمعايير الأخلاقية التى يجب أن تحكم عملية إدارة الاختلاف والتنوع فى النظم السياسية المحترمة.
فعندما يُتهم رجل فى قامة البرادعى، يعرف العالم كله قدره، ومنحه الرئيس مبارك نفسه قلادة النيل، بأنه: «مزدوج الجنسية»، و«مرشح الدول الأجنبية»، و«يجهل كل شىء عن مصر»، و«كان ترتيبه الأخير على دفعته»، لمجرد أنه ردد ما سبق أن ردده كثيرون غيره من قبل،
وفضح عوار تعديلات دستورية تنتقص من حقوق المواطنين فى الترشح ولا توفر ضمانات كافية لنزاهة الانتخابات، فليس لذلك سوى معنى واحد وهو أن لعبة السياسة أصبحت تدار بلا كوابح من أى نوع، أخلاقية كانت أم قانونية. وعلى الصعيد السياسى: أعادت الحملة التأكيد ليس فقط على وجود مشروع «للتوريث»، ولكن أيضا على أن إنجاح هذا المشروع بات هو الهدف الأسمى، وربما الأوحد، للنخبة الحاكمة بكل مكوناتها وفصائلها السياسية والمالية والإعلامية.
ويكفى لإدراك هذه الحقيقة أن نتأمل، على سبيل المثال وليس الحصر، طريقة تعامل النظام الحاكم مع قمة المناخ التى عقدت قبل يومين فى كوبنهاجن، والتى شارك فيها 120 رئيس دولة وحكومة لم يكن من بينها رئيس مصر التى تأتى على رأس الدول المتضررة من التغيرات الكارثية المتوقعة بسبب ارتفاع درجة حرارة الأرض.
وعندما يصرح خبير عالمى فى وزن الدكتور مصطفى كمال طلبة بأن مصر شاركت فيه بوفد من 40 شخصا لا علاقة لمعظمهم بقضايا البيئة، يسهل علينا إدراك حالة التيه التى تعيشها الدولة المصرية فى المرحلة الراهنة، والتى لم تعد قرون استشعارها ترصد سوى المخاطر التى تهدد مشروع التوريث. فإذا لم يكن الهدف من حملة تشويه البرادعى هو حماية الوريث، فلماذا انطلقت وعن أى شىء كانت تدافع إذن؟
وعلى الصعيد العملى والميداني: كشفت الحملة عن حالة من الارتباك والضعف والتخبط ليس لها مثيل، فعندما يهتز نظام بأكمله على هذا النحو، وكأنه ضُرب بقنبلة نووية، أو أصابه زلزال لمجرد أن مواطنا محترماً حسن السمعة لم يستبعد احتمال ترشيح نفسه فى الانتخابات الرئاسية المقبلة، فلك أن تتخيل طبيعته.
وعلى أى حال، فمن الواضح تماما أن هذه الحملة البائسة لم تنل من معنويات الدكتور، ولم تهز شعرة واحدة من تصميمه على المشاركة فى العمل العام فى المرحلة المقبلة، أو من إصراره على القيام بكل ما يعتقد أنه يساعد على إخراج الوطن من أزمته الراهنة، وهو ما أكده لى شخصيا فى حديث تليفونى جرى معه منذ أيام.
دعونا نختم، الآن، بقراءة موضوعية لقصة الجدار الفولاذى.. فلم تكن المعارضة المصرية «المغرضة» هى التى اختلقت هذه القصة وإنما قرأنا الخبر عنها منشورا لأول مرة فى صحف إسرائيلية، ثم سمعنا تأكيدا له فى تصريحات وردت على لسان مسؤولين رسميين أمريكيين وموظفين دوليين،
فقد نشرت صحيفة «هاآرتس» الإسرائيلية الصادرة يوم الأربعاء الماضى تقريرا مفصلا يفيد بأن مصر بدأت بالفعل أعمالا تمهيدية لإقامة جدار فولاذى بعمق 30 مترا تحت الأرض وبطول 9-10 كيلومترات على حدودها مع قطاع غزة، وأن هذا القرار يأتى استجابة لضغوط أمريكية بعد تسلم مصر لمعدات إلكترونية متطورة لم تفلح فى منع التهريب عبر ممر فيلادلفيا.
فى اليوم التالى أكد جيفرى فيلتمان، نائب وزيرة الخارجية الأمريكية، الخبر فى حديث له مع قناة «الجزيرة» لكنه نفى أن يكون القرار جاء استجابة لضغوط أمريكية، وأكد أن الحكومة المصرية تصرفت فى هذا الموضوع وفق نظرتها لمصالحها الخاصة ومتطلبات أمنها الوطني.
ثم جاء تأكيد ثالث من طرف محايد يفترض أيضا أنه على علم بمجريات الأمور،
وهى السيدة كارين أبوزيد، مدير الوكالة الدولية لغوث اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، التى أضافت قائلة: «إن الولايات المتحدة هى التى تموله، وإن بناء الجدار يأتى فى إطار تنفيذ الاتفاق المبرم بين الولايات المتحدة وإسرائيل قبل ساعات فقط من مغادرة بوش للبيت الأبيض فى يناير الماضى».
أكثر من ذلك فقد عبرت عن انزعاجها من عملية تعتقد أنها ستسهم فى زيادة حالة ملايين الفلسطينيين المحاصرين فى قطاع غزة سوءا.
ورغم كل ما سبق، لم تجد مصر الرسمية فيه ما يستحق الرد أو التعليق، وعندما سئل المتحدث الرسمى باسم وزارة الخارجية لم يؤيد الخبر أو ينفيه، واكتفى بالقول إن مصر «ليس لديها ما تقوله فى الوقت الراهن حول هذا الموضوع»، وأنها لن تتردد فى البوح بما تريد عندما يكون لديها ما تقول فى الوقت الملائم!.
غير أن رئيس تحرير «الجمهورية»، وهى صحيفة مصرية رسمية أو «قومية»، نشر على صفحتها الأولى مقالا يقول فيه: «إن الجدار الذى يتم تشييده هو فى حقيقة الأمر نفس الجدار القائم حاليا مع تدعيمه بأساسات غير ظاهرة للعيان دُفنت تحت الأرض!»، ثم راح يتحدث عن طول وعرض الأساسات المتعارف عليها من ألواح الصلب المستخدمة فى بناء ناطحات السحاب!، فهل هناك تخبط أكثر من هذا؟
وعلى أى حال، فسواء أقام النظام الحاكم فى مصر جدارا فولاذيا فعليا فى مواجهة الشعب الفلسطينى المحاصر فى قطاع غزة أم لم يقمه، وسواء اعترف ببنائه لهذا الجدار أم لم يعترف، فلن يغير ذلك من الأمر شيئا.
فبوسع النظام الذى أقام جدرانا فولاذية كثيرة فى مواجهة شعبه أن يقيم جدرانا فى مواجهة الغير!.
وهل هناك جدار أقوى، على سبيل المثال، من جدار المادة 76 من الدستور، التى بنيت خصيصا لمنع المواطنين المصريين الشرفاء والأكفاء، من أمثال محمد البرادعى، من الترشح لمنصب الرئاسة؟
لن يكون بمقدور الجدران الفولاذية أن تحمى نظاما آيلاً للسقوط أو تعصمه من الغرق أمام طوفان قادم، فمتى يدرك النظام هذه الحقيقة ليتحرك قبل فوات الأوان؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.