وزيرة التنمية المحلية تعتمد حركة المحليات بالمحافظات..تعيين ونقل 164 قيادة    رئيس الوزراء يفتتح المؤتمر الدولي ال25 للأجهزة العليا للرقابة المالية والمحاسبة    29 أكتوبر 2025.. الدولار يستقر في بداية التعاملات ويسجل 47.42 جنيه    29 أكتوبر 2025.. أسعار الخضروات والفاكهة بسوق العبور للجملة اليوم    وزير التعليم العالي يشارك في مؤتمر Going Global بلندن ويجتمع مع الطلاب المصريين الدارسين بالمملكة المتحدة    إزالة 273 حالة تعدٍ بالبناء على أراضي أملاك الدولة بالشرقية    الرئيس الأنجولي: مشاركة مصر في قمة لوندا تجسد حرصها على التعاون لخدمة أشقائها الأفارقة    بدء تطبيق التوقيت الشتوي رسميًا في مصر غدًا.. الساعة تتأخر 60 دقيقة    ترامب: لا شيء سيُعرّض وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس للخطر    بدء التصويت في الانتخابات البرلمانية المبكرة في هولندا    "القاهرة الإخبارية": استمرار دخول المساعدات إلى غزة رغم الخروقات الإسرائيلية    وزير الرياضة يتدخل لحل أزمة منتخب مصر الثاني قبل كأس العرب    موقف صلاح.. تشكيل ليفربول المتوقع أمام كريستال بالاس    «رونالدو ليس المشكلة».. جيسوس يكشف سبب الخسارة من الاتحاد    «الداخلية» تضبط 100 ألف مخالفة مرورية في 24 ساعة.. وإيجابية 94 سائقًا لتعاطى المخدرات    تطور جديد في قضية مقتل سيدة فيصل وأبنائها الثلاثة| وإخلاء سبيل سائق التوكتوك    ضبط مدير مطبعة بدون ترخيص في القاهرة بحوزته 34 ألف مطبوع تجارى بدون تفويض    لميس الحديدي: فنانة كلنا بنحبها وغائبة منذ فترة تقدم حفل افتتاح المتحف المصري الكبير    مواقيت الصلاة بمطروح اليوم الأربعاء 29 أكتوبر    طريقة عمل طاجن البطاطا بالمكسرات.. تحلية سريعة في 20 دقيقة    بالدموع والإيمان.. ربى حبشي تعلن عودة مرض السرطان على الهواء مباشرة    استشاري صحة نفسية يوضح أسباب أعراض فرط الحركة عند الأطفال (فيديو)    أمام قمة أبيك.. رئيس كوريا الجنوبية يحذر من تصاعد الإجراءات الحمائية    3 أيام تفصلنا عن افتتاح المتحف المصرى الكبير.. الطرق تتزين استعدادا للحدث.. صور    المترو يطبق غدا مواعيد التوقيت الشتوى بالخطوط الثلاثة    «الخارجية» تشكر الرئيس السيسي على ضم شهداء الوزارة لصندوق تكريم الشهداء    قوة إعصار ميليسا تنخفض للفئة الثالثة مع اقترابها من كوبا    بلد السلام    شبورة ورياح على هذه المناطق.. «الأرصاد» تكشف تفاصيل طقس الأربعاء    إخماد حريق داخل شقة سكنية فى الهرم دون إصابات    اليوم.. الأهلى يتحدى بتروجت من أجل "صدارة" الدوري    عاجل- 40 رئيسًا وملكًا ورئيس حكومة يشاركون في افتتاح المتحف المصري الكبير    سوزي الأردنية تواجه أول حكم من المحكمة الاقتصادية    حقيقة وجود تذاكر لحضور حفل افتتاح المتحف المصري الكبير    18 قتيلا فى غرق مركب مهاجرين قبالة ليبيا    ننشر الأخبار المتوقعة ليوم الأربعاء 29 أكتوبر    «خطأ عفوي.. والمشكلة اتحلت».. مرتجي يكشف كواليس أزمة وقفة عمال الأهلي    سعر طن الحديد والأسمنت اليوم الأربعاء 29-10-2025 بعد الانخفاض الأخير    مصابة بالتهاب الكبد وكورونا، طوارئ صحية بولاية أمريكية بعد هروب قرود مختبرات (فيديو)    خلاف أطفال يتحول إلى كارثة.. سيدتان تشعلان النار في منزل بعزبة الثلثمائة بالفيوم    جواهر تعود بحلم جديد.. تعاون فني لافت مع إيهاب عبد اللطيف في "فارس أحلامي" يكشف ملامح مرحلة مختلفة    في الذكرى الأولى لرحيله.. حسن يوسف: فنان من حي السيدة زينب سكن الذاكرة وخلّد ملامح جيل بأكمله    طائرات مسيرة أوكرانية تستهدف مستودع وقود في منطقة أوليانوفسك الروسية    د.حماد عبدالله يكتب: ومن الحب ما قتل !!    تامر عبد الحميد: كنت أعمل مع مجلس لبيب ورحلت لأنني شعرت ب "الغدر"    دعاء الفجر | اللهم اجعل لي نصيبًا من الخير واصرف عني كل شر    «زي النهارده».. حل جماعة الإخوان المسلمين 29 أكتوبر 1954    «زي النهارده».. العدوان الثلاثي على مصر 29 أكتوبر 1956    في الشغل محبوبين ودمهم خفيف.. 3 أبراج عندهم ذكاء اجتماعي    الكشف عن حكام مباريات الجولة ال 11 بدوري المحترفين المصري    "كتاب مصر" يناقش ديوان "مش كل أحلام البنات وردي" للشاعرة ياسمين خيري    رسميًا.. موعد امتحان 4474 وظيفة معلم مساعد رياض أطفال بالأزهر الشريف (الرابط المباشر)    الحظ المالي والمهني في صفك.. حظ برج القوس اليوم 29 أكتوبر    تدريب طلاب إعلام المنصورة داخل مبنى ماسبيرو لمدة شهر كامل    ميدو يوجه طلبًا ل هاني أبو ريدة بشأن تطوير الكرة المصرية    لمسة كلب أعادت لها الحياة.. معجزة إيقاظ امرأة من غيبوبة بعد 3 سكتات قلبية    أمين الفتوى: زكاة الذهب واجبة فى هذه الحالة    أذكار المساء: أدعية تمحو الذنوب وتغفر لك (اغتنمها الآن)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سعد خلف يكتب: لماذا إعلان اختبار هذا الصاروخ المرعب الآن؟ «رسول العاصفة».. إلى من يرسله بوتين؟
نشر في المصري اليوم يوم 27 - 10 - 2025

فى السياسة الروسية، لا شىء يعلن مصادفة، هذا ما تعلمته من سنوات الدراسة والعمل فى هذا البلد. حين يتحدث فلاديمير بوتين من وسط قاعة إدارة العمليات العسكرية فى أوكرانيا عن اختبار صاروخ «بوريفيستنك» النووى، فهو لم يكن يخاطب العسكريين الروس فحسب؛ بل يوجه رسالة إلى الداخل والخارج معًا.
فى صباح 26 أكتوبر (تشرين الأول) 2025 فاجأنا الكرملين بمقاطع بثتها القنوات الروسية الرسمية للرئيس فلاديمير بوتين وهو يترأس اجتماعًا بحضور كبار القادة العسكريين فقط، فى غرفة عمليات قيادة الحرب فى أوكرانيا.
إعلان الكرملين قال إن الاجتماع مخصص لمراجعة تطورات المجمع الصناعى العسكرى الروسى، لكن بوتين، بجانب تطورات التقدم الروسى فى أوكرانيا، وإعلان تطويق 5 آلاف جندى أوكرانى فى كوبيانسك، ونحو 5 آلاف وخمسمائة آخرين فى كراسنوأرميسك، أعلن أن الاختبارات النهائية لصاروخ كروز النووى بوريفيستنك قد اكتملت بنجاح، بناءً على تقرير قدمه رئيس هيئة الأركان العامة فاليرى جيراسيموف.
مع أن هذا الإعلان جاء فى صيغة رسمية مقتضبة، لكن توقيته ومكانه جعلاه -فى رأيي- حدثًا سياسيًّا بامتياز، فهذا أول تأكيد علنى من بوتين لانتقال هذا المشروع من مرحلة التجريب إلى الجاهزية المبدئية لدخوله ودمجه فى القوات المسلحة. وقد تناولت فى مقال سابق إعلان الرئيس الروسى، فى مؤتمر صحفى من العاصمة الطاجيكية دوشنبه، فى ختام زيارته الرسمية إليها، يوم الجمعة 10 أكتوبر (تشرين الأول) 2025، قرب ظهور سلاح روسى جديد قوى تقنيًّا يمر الآن بمرحلة اختبارات ناجحة.
وبذلك لا يأتى إعلان اليوم كمجرد إشارة إلى إنجاز تقنى عسكرى روسى فحسب؛ وإنما إعلان مدروس، من حيث الشكل والمضمون، بأن روسيا تدخل مرحلة جديدة فى معادلة الردع الاستراتيجى لكل من يتربص بها، مصرحًا بذلك أو مضمرًا.
تكتسب هذه اللحظة أهميتها من كونها تأتى بعد أسابيع من تصاعد الاشتباكات الجوية فى العمق الروسى، ووسط ضغوط غربية متزايدة على الصناعات العسكرية الروسية؛ ما يجعل هذا الإعلان البوتينى وكأنه رسالة استراتيجية إلى أن روسيا تجاوزت عنق التطوير التقنى بامتلاكها سلاحًا خارقًا ونوعيًّا خارج نطاق الدفاعات الغربية، أى لا يستطيع أى بلد فى الغرب اعتراضه أو إسقاطه.
بوتين بتعداده قدرات هذا الصاروخ، لم يكن هدفه- حسب فهمى الشخصى بالطبع- شرح التفاصيل الفنية والتقنية لهذا السلاح القوى؛ بل ترسيخ فكرة أن موسكو أنهت اليوم مرحلة الشكوك بشأن «بوريفيستنك»، وهى الشكوك التى صاحبته منذ الإعلان الأول عنه، أيضًا على لسان الرئيس الروسى فى رسالته إلى الجمعية الفيدرالية عام 2018، حسبما أتذكر، وبذلك بدأت مرحلة توظيفه الفعلى كجزء من معادلة الردع مع الخصوم.
إنه العاصفة الروسية الجديدة، فاسم الصاروخ وحده يختصر الرسالة. «بورى فيستنك»، وهذه الكلمة فى الروسية مركبة من مقطعين، إذا نقلناه إلى العربية، فأقرب معنى لها - بحسب معرفتى المتواضعة باللغة الروسية- يكون المقطع الأول «فيستنك» ومعناه «رسول» أو «مبشّر»، والمقطع الثانى «بوريا» ومعناها «العاصفة»، واخترتُ لها كاملة معنى «رسول العاصفة»؛ لأنه التعبير الذى يحمل- حسب فهمى- الدلالة التى يضعها الروس فى هذا المفهوم.
هناك بالطبع طائر بحرى يحمل الاسم نفسه، أى يُسمى «بوريفيستنك»، وهو يحلق فى وجه الريح، ولا يهاب العواصف، ويُعد فى الأدب الروسى رمزًا للثورة وللجرأة، خصوصًا منذ أن مجّده أديب الثورة البلشفية وشاعرها، مكسيم غوركى، فى قصيدته الشهيرة «أنشودة طائر العاصفة». وقد يكون هذا المعنى أيضًا مشمولًا فى الاسم.
لكن حسبما أفهم السياقات، عندما تختار موسكو هذا الاسم لسلاح نووى جوال، فإنها لا تختار مصطلحًا شعريًّا؛ بل تُحمله حمولة رمزية كثيفة، مغزاها: روسيا لا تخشى العاصفة؛ بل تبشّر بها.
الصاروخ نفسه إذا تحدثنا باختصار عن خصائصه، حسبما يقول الخبراء العسكريون، فسنجد أنه يجسد هذا المعنى، فهو منظومة كروز مزود بمفاعل نووى صغير يتيح له مدى غير محدود تقريبًا، فضلًا عن قدرة على التحليق أيامًا كاملة على ارتفاع منخفض، ويستطيع تجاوز كل أنظمة الدفاع الجوى الغربية. هذا يعنى أنه -عمليًّا- سلاح مصمم ليتسلل لا ليصطدم، أى ليربك الخصم بقدر ما يهدده؛ ولذلك فإن ما أعلنه بوتين ليس مجرد نجاح فى المختبر؛ بل إشارة إلى تحول فى فلسفة الردع الروسية، أى التحول من الردع الكلاسيكى القائم على السرعة والضربة الماحقة إلى الردع القائم على الغموض والديمومة، والتسلل غير القابل للتنبؤ، فموسكو تدرك أن قدراتها الاقتصادية الحالية لا تمنحها رفاهية الدخول فى سباق تسلح تقليدى مع الغرب، ينهكها تمامًا، كما فعل الاتحاد السوفيتى.
الخطاب الذى رافق الإعلان لا يقل أهمية عن هذه القطعة العسكرية التقنية الفريدة فى ذاتها؛ ففى لحظة يواجه الاقتصاد الروسى ضغوطًا غير مسبوقة بعد إعلان الأوروبيين حزمتهم التاسعة عشرة ضده، واقترانها بعقوبات "ترمبية" أولى منذ عودته إلى البيت الأبيض، وتحديدًا على أكبر شركتى نفط روسيتين، وخصوصًا مع إثقال الحرب كاهل المجتمع، لتأتى عبارة بوتين: «صاروخ لا نظير له فى العالم» كرسالة معنوية للداخل الروسى أن روسيا ما زالت رغم كل هذه الضغوط، والحصار الاقتصادى، قادرة على الإبداع، وقادرة على سبق الغرب، وقادرة على إنتاج «معجزتها النووية».
إنها- بحسب تخيلى لما يدور فى رأس بوتين- محاولة مدروسة بعناية، ومتفقة مع تحدى اللحظة لإحياء الثقة بالقدرات الوطنية، وإعادة شحن المزاج العام الذى يتأرجح بين الصمود والإرهاق، فهذا الإعلان- والمشروع نفسه- يقدم فى هذه اللحظة التاريخية بوصفه رمزًا للعلم الروسى المنتصر، أكثر من كونه ترسانة إضافية فى المخزون النووى الرهيب.
لكن «رسول العاصفة» لا يتوجه إلى الروس؛ فالرسالة الحقيقية- فى اعتقادى- هى: اذهب إلى العواصم الغربية التى لا تمل من اللقاءات والاجتماعات التى تراهن فيها على إنهاك روسيا فى حرب أوكرانيا. فبوتين يقول- من دون أن يصرح- إن موسكو لا تزال تمسك بأوراق كبرى لم تُستخدم بعد، وإن الردع الروسى لم يفقد قدرته على المفاجأة.
لن تكون واشنطن أو بروكسل قادرة بعد الآن على الحديث عن «درع صاروخى محصن»، ولا عن «تفوق تقنى أطلسى»؛ فصاروخ بقدرة تحليق نووية مستمرة يعنى ببساطة أن الحدود الجغرافية فقدت معناها فى الحسابات النووية بالطبع؛ وبهذا يضع بوتين على الطاولة بعدًا رمزيًّا جديدًا للردع، فمن منظور موسكو لا يقاس الردع بعدد الرؤوس النووية فقط؛ بل بالقدرة على إعادة تعريف الخوف لدى الخصم.
بوريفيستنك هو سلاح للغموض بامتياز، فلا يوجد أحد- خارج الدائرة المغلقة- يعرف مدى فعاليته الحقيقية أو الفعلية، أو حتى درجة جاهزيته. وهذا الغموض نفسه هو ما تريده موسكو والكرملين وبوتين؛ أن يبقى الغرب فى حالة شك دائم.
إنه منهج الردع النفسى نفسه الذى ميز الحرب الباردة، لكن بأدوات جديدة وأكثر تطورًا. لا حاجة أن يضرب الصاروخ لكى يؤدى وظيفته؛ بل يكفى فقط أن يتم الإعلان عنه فى اللحظة المناسبة، ليعيد ضبط ميزان الخوف والثقة.
ينشر بالتعاون مع مركز الدراسات العربية الأوراسية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.