فانتازيا خيالية فى منحوتات أيمن خزيم

من الفراغ وربما الفوضى، بدأ الفنان أيمن أبو خزيم، يشكل بخياله ملامح جديدة أعاد اكتشافها وترتيبها فى أشكال جديدة ليست بملامح بشرية مكتملة أو هيئة معروفة، ولكن حالات شعورية وحالة فنتازيا جمالية، يقدمها فى منحوتاته بمعرضه الفردى الأول «باريدوليا» الذى يصوغ فيه الفنان أعماله من الخشب، ثم يترك المجال للعين كى تكمّل المعنى، فى حالة يلتقى فيها الإدراك بالحلم، والحس بالوهم، والتجريد بالألفة.
الباريدوليا هى ظاهرة نفسية، تدفع الإنسان لاكتشاف الوجوه أو الأشكال والتراكيب من أى محفز عشوائى مثل السحب أو أشكال التضاريس أو الأسطح والبنايات، والملامح الخفية فى قشرة شجرة أو شقّ فى جدار أو أوراق مكدسة وغير مرتبة أو أى عنصر مرئى، وهى حالة اعتادها الفنان منذ الصغر حتى قبل أن يدرك أبعادها النفسية، ويقدمها فى منحوتاته الخشبية التى يحول فيها الخشب من مجرد خامة إلى كيان حى بألوانه وصوره التى تدفع المتلقى للتأمل.
الخشب، حسبما يوضح الفنان، الخامة الأقرب للطبيعة مما يضفى المزيد من الألفة والحياة على العمل بما يؤكد فكرته التى يقدمها، كذلك يدعم الخشب معالجات الألوان بما يؤدى لثراء أكثر لملمس العمل وسطح المنحوتة، فتكون القطعة الفنية فى النهاية، وكأنها بقايا مخلوقات نصف حقيقية، ونصف متخيّلة، فإن بعضها الآخر يعبّر عن حالات شعورية كامنة، تنبثق من تجاويف أو نتوءات توحى بعيون، أو شفاه، أو رؤوس بلا أجساد.
وفى انحياز للغموض والانفتاح، تقدم الأعمال منظورًا حول التكامل الجمالى والتلاحم بين مختلف أشكال الحياة، بتصوير عناصر خضروات أو فاكهة بصورة حيوية، حيث تظهر ككائن متكامل بأربع أرجل وعيون وفم، أو وجه إنسان بأطراف ورأس طائر مثل الهدهد، حيث تعكس المنحوتات فى بعض الأحيان هذا التواصل الفريد بين المكونات الطبيعية والوحدة المتناغمة بين الطبيعة والإنسانية والأساطير. ويوضح ل«أيقونة» أن «الباريدوليا» فكرة لازمته منذ زمن طويل، منذ أن كان طفلًا صغيرًا حتى قبل أن يفهم معناها الحقيقى، فكان يتأمل جدران بيته القديم، والطلاء المتقشر والزخارف فى البلاط العتيق، وكان يرى فى هذه التكوينات العشوائية أشكالًا تشبه وجوهًا أو حيوانات أو كائنات متداخلة، فيمسك بالقلم الرصاص ويبدأ فى رسم ما يتخيله فى هذه التكوينات. بعد فترة، تطور الأمر، وبدأ يفهم أن هذه الظاهرة النفسية تحدث عند الكثير من الناس، لكنه كفنان تشكيلى تناولتها من منظور مختلف، وطوّرها، فيضيف أن «الباريدوليا» تعنى رؤية أشكال مألوفة، خاصة الوجوه، فى أشياء غير مألوفة مثل السحب أو الشقوق أو الظلال، أو حتى فى خضروات مرتبة بطريقة عشوائية أو غريبة الشكل.
ولا يرى فقط فى هذه الأشياء غير المألوفة الوجوه، بل طيورًا وكائنات وعالمًا كاملًا يتداخل، وحتى الوجوه تظهر أحيانًا ضاحكة، وأحيانًا حزينة، وأحيانًا محايدة، فبدأ يدمج هذه الكائنات فى عالم يجمع بين العشوائية والرمزية، قائلا: «أحيانًا أستخدم رموزًا مستوحاة من الحضارات القديمة، كالحضارة المصرية، التى كانت تقدّس الكائنات كالطيور وتدمجها بالعنصر البشرى أو الإلهى، مثل الملك أو الكاهن، ففى أحد الأعمال دمجت فيه كلبًا مع طائر الهدهد، وسميته (هددوج)، أى حارس الأرض والسماء، حيث الكلب يرمز لحراسة الأرض، والهدهد لحراسة السماء». ويضيف أنه أحب النحت منذ الصغر، ودرس الفن فى كلية التربية النوعية، فالفن بالنسبة له ليس مجرد هواية، بل هو دراسة ومجال تدريس، والنحت بالتحديد هو طريقته لتحقيق الخيال والتأكيد على الفكرة من خلال الشكل واللون، مشيرا إلى أن الألوان تضيف حيوية للعمل، فلا يريد أن يظهر التمثال وكأنه قطعة صلبة أو كيان جامد بلون واحد، بل أن يبدو مألوفًا، وكأنه حلم تحول إلى واقع، موضحا أنه يلجأ عادة إلى الألوان المرتبطة بالشكل الواقعى، كألوان الخضروات أو الحيوانات بشكلها الطبيعى ليؤكد هويتها، وأحيانًا يغيرها قليلاً حسب الحاجة الفنية، لكن فى الغالب يحافظ على اللون المستوحى من الواقع. يستلهم الفنان أعماله من العناصر المحيطة بنا، خاصة الفاكهة والخضروات، وبعض الطيور مثل الهدهد والديك، كذلك استلهم أفكارًا من البيئة الإفريقية، لكن التأثير الأكبر جاء من محيطنا اليومى، لأنه الأقرب للوجدان. وشارك أيمن أبو خزيم المدرس بقسم التربية الفنية بكلية التربية النوعية بجامعة القاهرة، فى العديد من المعارض الجماعية سابقا، قبل أن يقدم معرضه الأول فى جاليرى مصر، والذى يستمر من 14 سبتمبر حتى 8 أكتوبر المقبل، وحصل على بكالوريوس التربية الفنية عام 2005، وحصل على درجتى الماجستير والدكتوراه من نفس الكلية.