الكوتة والمنافسة.. تمكين المرأة في الانتخابات البرلمانية

تشهد الساحة السياسية المصرية استعدادات مكثفة للانتخابات البرلمانية المقبلة، فى ظل حضور متنوع للأحزاب السياسية التى تسعى إلى تمثيل قطاعات واسعة من الشعب المصرى. ويعكس هذا التنوع الحزبى خطوة مهمة نحو ترسيخ الحياة الديمقراطية حيث لم يعد البرلمان مجرد ساحة للبعض، بل أصبح منبرًا يجمع بين الخبرات المتعددة والرؤى المختلفة التى تترجم تطلعات المجتمع وتلبى احتياجاته.
ورغم أهمية القوائم الحزبية ودورها فى ضمان تمثيل فئات متعددة، فإن خوض المرأة المنافسة فى الدوائر الفردية يمثل تحديًا حقيقيًا وفرصة كبيرة فى نفس الوقت. فالتجربة أثبتت أن المرأة المصرية قادرة على خوض المنافسة المباشرة جنبا إلى جنب مع الرجل وإقناع الناخب بقدرتها على تمثيله والدفاع عن قضاياه. ومن هنا يصبح من واجب الأحزاب السياسية دعم وتشجيع المرأة على النزول والمنافسة الفردية، بدلًا من الاكتفاء بالاعتماد على «الكوتة».
لقد تبنى الرئيس عبد الفتاح السيسى رؤية واضحة لتمكين المرأة، وترجمت فى تخصيص مقاعد مضمونة لها داخل البرلمان عبر نظام الكوتة. ورغم أن هذه الخطوة كانت ضرورية لكسر الحواجز الاجتماعية والسياسية، فإن الهدف النهائى يجب أن يكون بناء ثقة المجتمع فى المرأة المرشحة حتى تصل إلى مقعد البرلمان بالكفاءة والقدرة، وليس فقط من خلال التخصيص المسبق.
واستكمالًا لما ذكرته فى مقالى الماضى «مجلس النواب.. المرأة القبطية بين التجربة والتحدى»، والذى تناولت فيه خبرتى البرلمانية حيث ذكرت أن البرلمان الحالى يشهد حضورًا نسائيًا لافت وحضور قبطى ملموس، لكن الجمع بين الصفتين فى مرشح واحد يعطى معادلة إضافية.. هى القدرة على تمثيل شريحة واسعة من المجتمع والدفاع عن قضايا عامة تتجاوز حدود الفئات والطوائف. وذلك تأكيدًا على فرصة نجاح مرشحة مسيحية فى دائرة مصر الجديدة على سبيل المثال.
إن استمرار تجربة الكوتة لفترات طويلة قد يضمن التمثيل العددى لكنه لا يحقق الغاية الأعمق وهى ترسيخ ثقافة قبول دور المرأة فى الحياة السياسية والمجتمعية. لذلك، فإن تشجيع النساء على المنافسة فى الدوائر الفردية سيجعلنا، مع مرور عدة دورات انتخابية، قادرين على الاستغناء تدريجيا عن الكوتة ليس للمرأة فقط بل لكل الفئات التى تفتقر إلى الحظ فى المنافسة المباشرة مثل الشباب والأشخاص ذوى الاحتياجات الخاصة.
إن الطريق إلى برلمان أكثر تنوعا وفاعلية، يبدأ من تشجيع جميع القوى السياسية على دعم مشاركة المرأة، ليس كشعار يرفع فى الحملات الانتخابية بل كواقع يترجم فى ترشيحات جادة ودعم فعلى. عندها فقط يمكن أن نقول إننا جنينا ثمار تجربة الكوتة ونجحنا فى إرساء دعائم للمشاركة السياسية المتوازنة والشاملة التى تعكس حقيقة المجتمع المصرى.