«بيير»: «وجدت فى مصر وقتًا للحب والراحة والناس»

أكثر من عشرين عامًا مرّت منذ أن وطأت قدماه أرض مصر، ولم يكن يدرى وقتها أن هذه البلاد ستصير وطنًا لا يغادره. جاءها زائرًا، ثم عاشقًا، ثم واحدًا من أهلها، حتى صارت له فى شوارعها حكايات، وهو الصحفى الكندى الذى ترك كل شىء خلفه ليبدأ هنا حياة جديدة، أكثر هدوءًا واتساقًا مع ما يحب.
استقر بيير وغيّر فلسفة حياته على يد القاهرة التى منحته ما لم تمنحه بلاد الغرب، وبشراكة إنسانية مع صديقه المصرى، أسّس مشروعًا فنيًا يعكس مزاجه وهويته.
تواصلت «المصرى اليوم» مع «بيير»، الذى قال: «أنا هنا منذ 22 سنة، كنت صحفيًا وعملتُ لثلاث سنوات فى القدس المحتلة كمراسل، وبعدها انتقلت لمصر، الحياة شدتنى منذ اللحظة الأولى، سواء خلال عملى الصحفى أو حين قررت خوض تجربة المعرض الفنى، لذلك اتخذت قرارى أن أستقر هنا وأموت هنا».
واختار بيير حى الزمالك لأنه يشبهه، وله جذوره وأناقته الخفية، موضحًا: «أعشق الزمالك واخترته لمسكنى وحتى مكان عملى، لأنه حى غنى بالثقافات، والمكان فيه متنوع ويجذبنى من زوايا مختلفة، وعندما قررت أن أبدأ مشروعى، أسست جاليرى فنى مع صديقى المصرى، كنت أبحث عن شقة، لا عن محل تجارى، أردتها قديمة، ذات طابع كلاسيكى وتراثى، وأشعر بانتماء كامل لها، لا أغادرها كثيرًا، حتى خروجاتى فيها».
كان الجاليرى بالنسبة لبيير انعكاسًا لذوقه، وذاكرةً فنية شخصية أراد لها أن تكون حاضرة فى المكان: «ليس معرضًا تقليديًا للوحات، هو مساحة فنية نعرض أعمالًا فنية بعناية، تناسب الذوق العام للمكان، نفضل التابلوهات الأنيقة، وتصميمات فاخرة من نقوش وأثاث، فن وزخرفة، وكل قطعة تحكى قصة، ولدينا فنان متخصص فى النقوش، يعمل على النجف والباجورات ويحولها إلى قطع فنية فريدة».
وتابع عن أول مواجهاته مع اللغة، موضحًا: «زرت مصر أول مرة فى التسعينيات، ووقتها لم أكن أتحدث العربية، وشعرت أننى غريب، فقررت أن أتعلم، التحقت بكورس لمدة ستة أشهر هنا فى القاهرة، ثم سافرت إلى باريس، ودرست العربية فى جامعة السوربون، وحصلت على شهادة».
وأضاف: «هناك من يزور مصر لأيام فقط كسائح، فلا يرى سوى الزحام والتلوث والصخب، ثم يغادر، لكن من يمنح نفسه فرصة حقيقية لمعرفتها، حتى ولو لفترة قصيرة، سيكتشف جمال البلد، وسيرتبط به، وربما يقرر ألا يرحل مرة أخرى. بالنسبة لى، هذا هو أكثر مكان مريح لى، فعندما أسافر لكندا أشعر أننى هناك سائح».
تعلم بيير من مصر ما لم تعلّمه بلاد الخارج، فتغيرت فلسفة حياته بأكملها: «فى الغرب نعيش روتينًا صارمًا: عمل، ثم بيت، ثم نوم، أما فى مصر، فالأمر مختلف، هناك وقت دائم للراحة، للخروج، للقاء الأصدقاء. مصر علّمتنى أن الحياة ليست عملًا فقط، بل مساحة نشعر فيها، ونفرح، ونحب، ونرى من نحب».
واختتم حديثه: «شعرت أننى لست غريبًا، بل أصبحت جزءًا من المكان، أعلم أننى سأظل أجنبيًا فى نظر البعض، حتى بعد أكثر من عشرين عامًا من العيش هنا، لكنى أشعر بانتماء حقيقى، وعائلتى تعيش معى هنا، ونحن سعداء».