بعد أيام قليلة ستبدأ القلوب المشتاقة في التوافد إلى أطهر بقاع الأرض، حيث تبدأ شعائر الحج، ويستعد حجاج بيت الله الحرام والمعتمرون لخوض رحلة روحانية لا مثيل لها، متبعين خطى النبي محمد صلى الله عليه وسلم، متجردين من الدنيا ومتزودين بالإيمان، في مشهد يتكرر كل عام لكنه لا يفقد أبدًا رهبة اللقاء ورونق الاحتفال الذي يستلزم شعائر وخطوات نلخصها في السطور التالية بناءً على ما ورد في كتاب «مناسك الحج» للشيخ عبدالله سراج الدين. البداية من عتبة مكة يصل الحاج أو المعتمر إلى مشارف مكة محرمًا وعيناه تفيض بالشوق، يطمئن أولًا على متاعه ثم يغتسل إن تيسر له، أو يتوضأ استعدادًا لأعظم لقاء في حياته، ثم يخطو إلى المسجد الحرام، وما إن يرى الكعبة المشرفة حتى تنطلق من لسانه دعوات طالما خبأها للقاء. لحظة اللقاء الأولى عند دخول بيت الله الحرام، يكبر الحاج ويهلل شاكرًا ربه الذي بلّغه هذه الفرصة، ثم يطوف بالبيت العتيق 7 أشواط، مبتدئًا بالحجر الأسود، كأنما يدور في فلك خاص، تملؤه السكينة والرهبة، يدعو ويذكر الله، ويتلو ما تيسر من القرآن، فلا ينشغل إلا بالخشوع. ركعتان خلف مقام إبراهيم ما إن ينتهي من الطواف، حتى يتجه إلى مقام إبراهيم، ليصلي ركعتين، ثم يشرب من ماء زمزم، ذلك الماء المبارك الذي شرب منه الأنبياء، ويستشعر في كل رشفة دعاءً لا يُرد. سعي بين الصفا والمروة ينطلق بعدها نحو الصفا، ليبدأ رحلة السعي بينه وبين المروة، مستذكرًا سعي السيدة هاجر زوجة خليل الله إبراهيم عليه السلام، بحثًا عن الماء، فيكبر ويهلل ويدعو الله عند كل مشهد وصعود يمشي فيه أو يهرول مثلما أسرعت الخطى قبله بمئات القرون. التحلل والراحة القصيرة بعد السعي، يحلق الحاج شعره أو يقصره، وتقص المعتمرة أطراف شعرها، وهنا يتحلل من إحرامه، ويحظى ببعض الراحة قبل أن يعقد النية على الحج في يوم التروية. يوم التروية.. العودة إلى الإحرام في اليوم الثامن من ذي الحجة، يعيد الحاج إحرامه، مرددًا: «لبيك اللهم لبيك»، ثم يغادر مكة متجهًا إلى منى، حيث يبيت الليلة هناك، استعدادًا لليوم الأعظم. الحج عرفة.. الوقوف في ساحة المغفرة يصل اليوم التاسع، وتُرفع الأيدي في عرفات، حيث الركن الأعظم: الوقوف بعرفة، حيث تجتمع ملايين القلوب هناك، راجيةً تائبةً خاشعة، يصلي الحجيج الظهر والعصر جمعًا وقصرًا، ثم يُطلقون دعاءهم إلى السماء. من عرفات إلى مزدلفة مع غروب شمس ذلك اليوم، ينفر الحجيج إلى مزدلفة، يجمعون الحصى، ويبيتون تحت السماء، يذكرون الله، ويتهيأون ليوم النحر. جمرة العقبة.. إعلان النصر على الشيطان في صباح يوم العيد، يتوجه الحجاج إلى منى لرمي جمرة العقبة، بسبع حصيات، مرددين: «الله أكبر»، في مشهد رمزي يمثل الانتصار على الشيطان والهوى. التحلل وطواف الإفاضة بعد الرمي، يحلق الحاج شعره مرة أخرى، وبهذا يتحلل التحلل الأول، ثم يتوجه إلى مكة ليؤدي طواف الإفاضة، الركن الذي لا يتم الحج بدونه، ويسعى مرة أخرى بين الصفا والمروة إن لم يكن سعى من قبل، وبهذا يتحلل التحلل الأكبر. العودة إلى منى ورمي الجمرات بعد الطواف، يعود إلى منى للمبيت ورمي الجمرات في أيام التشريق، 3 جمرات كل يوم، يرميها بترتيب: الصغرى، الوسطى، ثم العقبة، متبعًا سنة النبي الكريم. الختام: وداعٌ يحمل وعدًا بالعودة تختم رحلة الحج بطواف الوداع، وفي القلب أمنية خفية أن يُعاد اللقاء، وأن يكتب الله هذه الرحلة لكل مشتاق.