شهدت الساعات الماضية تصاعدًا ملحوظًا في مطالب عدد من النواب، والسياسيين، ورجال الإعلام، بضرورة تأجيل مناقشة مشروع قانون الإيجارات القديمة إلى دور الانعقاد البرلماني المقبل، نظرًا لحساسية الملف وتشعب أبعاده الاجتماعية والاقتصادية. لكن في المقابل، حذّر عدد من خبراء القانون البارزين من خطورة هذا التوجه، مؤكدين أن تأجيل إصدار القانون لما بعد نهاية الفصل التشريعي الحالي، المقرر خلال أقل من 60 يومًا، قد يؤدي إلى أزمة قضائية غير مسبوقة، مؤكدين أن عدم إقرار تعديلات قانون الإيجارات القديمة في الموعد المحدد الذي ألزمته المحكمة الدستورية العليا، سيمنح الملاك الحق القانوني الكامل في رفع دعاوى قضائية بالملايين، سواء للمطالبة بفسخ عقود الإيجار أو بزيادات ضخمة في القيمة الإيجارية، وهو ما قد يُغرق المحاكم في طوفان من القضايا يقدر بأكثر من 3 ملايين دعوى. قال محمد عبدالتواب، المستشار القانوني، أن عدم إصدار القانون قبل انتهاء الدورة البرلمانية الحالية، سيفتح الباب أمام الملاك لتحريك دعاوى قضائية تطالب بفسخ عقود الإيجار، أو زيادتها بأثر رجعي، ما يُنذر بتكدس رهيب في المحاكم. وأضاف: المحكمة الدستورية العليا ألزمت البرلمان بإصدار القانون قبل نهاية دور الانعقاد الحالي، وإذا لم يتم الالتزام، فالعقود القديمة ستُعتبر غير دستورية بحكم المحكمة، ما يعرض جميع المستأجرين للخطر القانوني. وأشار أحمد مجاهد، المحامي بالنقض إلى أن تجاهل هذا الملف لا يعني تجميده، بل يُعني تسليمه إلى القضاء، نحن أمام وضع قانوني صعب؛ إما إصدار قانون ينظم العلاقة بين الطرفين، أو مواجهة موجة من الدعاوى القضائية، التي قد تصل إلى أكثر من 3 ملايين دعوى من الملاك وهو أمر قد يفوق طاقة المحاكم المصرية. من جانبها، شددت الحكومة، عبر تصريحات للمستشار محمود فوزي، وزير شؤون المجالس النيابية، على أن الحكم الصادر عن المحكمة الدستورية سيُصبح نافذًا تلقائيًا بعد انتهاء الفصل التشريعي، إذا لم يصدر القانون خلال المهلة المحددة، وقال فوزي خلال اجتماع للجنة المشتركة بالبرلمان: المحكمة لم تترك للأطراف خيارًا، عدم إصدار القانون سيؤدي إلى فسخ تلقائي لعقود الإيجار القديمة، وهذا ما لن تتحمله الدولة ولا القضاء ولا الشارع.« رغم الضغط الزمني، شهدت لجان البرلمان مناقشات مستمرة ورفضًا واسعًا لمشروع القانون المحال من الحكومة، بسبب ما اعتبره كثير من النواب انحيازًا لصالح الملاك على حساب المستأجرين، وتجاهلًا للبعد الاجتماعي والإنساني. أكد النائب عبدالمنعم أن الصيغة الحالية تمهّد لطرد جماعي، لا يراعي الظروف الاقتصادية الصعبة، بينما تساءل النائب عمرو درويش بغضب: «مافيش حاجة اسمها تطرد مواطن من بيته». مشيرة خطاب، رئيسة المجلس القومي لحقوق الإنسان، عبّرت عن مخاوفها من تداعيات القانون، وتساءلت بوضوح: هل الدولة قادرة على توفير سكن بديل لستة ملايين مواطن؟«في إشارة لحجم الأزمة التي قد تحدث إذا تم تمرير القانون دون بدائل حقيقية. في السياق ذاته، حذّر المهندس فتح الله فوزي، رئيس لجنة التشييد بجمعية رجال الأعمال، من توقيت طرح القانون، واصفًا الملف ب«الشائك» الذي يحتاج إلى معالجة متأنية ضمن منظومة أوسع تشمل الأجور والدعم والإسكان. فيما قال الدكتور سامح العلاليلي، عميد كلية التخطيط العمراني الأسبق، إن الإيجار القديم مسؤولية تاريخية، لكن الحل ليس الطرد بعد 5 سنوات، بل يجب أن يكون تدريجيًا وعادلًا. الإعلام لعب أيضًا دورًا واضحًا في تسليط الضوء على الأزمة، فكتب الكاتب حمدي رزق مقالًا بعنوان «مش وقته خالص»، محذرًا من أن مشروع قانون الإيجارات القديمة يفتح أبواب الفتنة ويهدد الاستقرار المجتمعي، أما الكاتب محمد أمين فوصف القانون بأنه «كرة لهب» تتقاذفها الحكومات، بينما شدد الإعلامي عمرو أديب على أن المستأجرين ليسوا جميعًا من سكان الزمالك، بل أغلبهم من الفقراء ومحدودي الدخل، متسائلًا: هل لدى الحكومة مليون شقة تعويضية جاهزة؟