فى الولاياتالمتحدة، لا ينتهى دور الرئيس الأمريكى والتزاماته بمجرد انقضاء فترة ولايته، فهو حتى لو كان يحمل لقب «رئيس سابق» يخضع لمجموعة من الأحكام التى تحدد الطريقة التى يتصرف بها بقية حياته، ومنها التزامه بحماية الأمن القومى، حيث يتلقى إحاطات دورية، وقد يطلب الرئيس الموجود فى المنصب نصيحته فى حالة الضرورة أو يكلفه ببعض المهام. ومثلما ذكر الرئيس الأمريكى الأسبق بيل كلينتون فى مذكراته التى صدرت مؤخرًا بعنوان مواطن، فإن الرئيس أوباما طلب منه زيارة كوريا الشمالية عام 2009 للمساعدة فى إنقاذ صحفيتين مسجونتين وتهدئة الأجواء بين الولاياتالمتحدةوكوريا الشمالية. وفى مسلسل Zero Day (يوم الصفر)، الذى بدأ عرضه مؤخرًا، يظهر الدور المؤثر للرؤساء الأمريكيين السابقين واستمرارهم فى مساعدة أو «إنقاذ» الولاياتالمتحدة من أزمات أو مواقف خطيرة. تناولت العديد من الأعمال الفنية- خاصة فى السنوات الأخيرة- الهجمات الإرهابية الإلكترونية، والتى تكشف كيف أصبحت الحياة اليومية فى أدق تفاصيلها مرتبطة بشبكة الإنترنت، وأحدثها مسلسل Zero Day، الذى يبدو أن صُنّاعه حشدوا العديد من الأسماء المهمة لتنفيذ حلقاته الست، وفى مقدمتهم نجوم هوليوود: روبرت دى نيرو، وجوان ألين، وكونى بريتون، وأنجيلا باسيت، إلى جانب تعاون مشترك بين المؤلفين: إريك نيومان، المنتج التنفيذى ل Painkiller، ونوح أوبنهايم، مدير شبكة NBC News ومؤلف فيلم جاكى والمؤلف المشارك فى ثلاثية Maze Runner، بالإضافة إلى صحفى نيويورك تايمز مايكل إس. شميت، الحاصل على جائزة بوليتزر للصحافة. تدور أحداث المسلسل حول تعرض النظام الأمريكى لهجوم إلكترونى أدى إلى توقفه لمدة دقيقة واحدة، ما تسبب فى مقتل أكثر من 3400 شخص. ووسط حالة الارتباك التى تسود الشارع الأمريكى، والغضب بين أهالى الضحايا، وحالة عدم اليقين بسبب إمكانية تكرار الهجوم مرة أخرى، تكلف رئيسة الولاياتالمتحدة الحالية ميتشل (أنجيلا باسيت) الرئيس السابق مولين (روبرت دى نيرو)- الذى يحظى بالاحترام والعلاقات الجيدة مع أعضاء الحزبين- بالنزول إلى الشارع لتهدئة عامة الناس المذعورين، ثم قيادة لجنة «يوم الصفر»، والتى تتولى التحقيق فى الحادث الإرهابى للوصول إلى المسؤولين عنه، وهى لجنة تتمتع بصلاحيات واسعة وتجمع بين مميزات السلطات الثلاث بشكل استثنائى. عشرون عامًا من السياسة قد تبدو مهمة رئاسة لجنة للتحقيق فى حادث إرهابى، والتى يقوم بها الرئيس السابق مولين، تقليدية فى الأعمال الفنية الأمريكية. وطبقًا لنظرية المؤامرة المعتادة فى الولاياتالمتحدة، سيكون الهجوم من الداخل وسط العديد من المؤامرات والعلاقات المعقدة داخل كواليس السياسة الأمريكية. إلا أن مسلسل يوم الصفر- بجانب اعتماده على هذه العناصر المألوفة- التقط خيوطًا من حياة الرؤساء والسياسيين الأمريكيين فى آخر 20 عامًا وجسدها فى الحلقات الست، التى تصل مدة كل منها إلى حوالى ساعة. فالرئيس الأمريكى السابق يعانى من هلاوس سمعية وبصرية يحاول إخفاءها عن الجميع، ورغم أنه يحظى بالاحترام والشعبية، فإنه قرر عدم الترشح مرة أخرى بعد موت ابنه، وفضّل دعم ميتشل فى حملتها الانتخابية، والتى تصادف أنها أيضًا سيدة ومن أصحاب البشرة الملونة. كما أنه أقام علاقة خاصة مع فاليرى (كونى بريتون)، رئيسة الموظفين فى البيت الأبيض، وهى العلاقة التى كادت أن تنتهى بفضيحة، لولا تدخل زوجته شيلا (جوان ألين) وحكمتها فى التعامل مع الأمر، ليظل فى إطار الإشاعات. أيضًا، شخصية روجر (جيسى بليمونز)، مستشار الرئيس السابق، يتضح أنه يعقد صفقات مع رجال الأعمال وأصحاب صناديق التحوط مقابل تمرير معلومات معينة للرئيس تؤثر على قراراته. يُظهر المسلسل أيضًا حالة الانقسام داخل أروقة السلطة؛ ففى الوقت الذى تتمتع فيه لجنة «يوم الصفر» بسلطة تعليق سيادة القانون، تظهر الأصوات التى تستغل الموقف للحصول على مكاسب خاصة فى مجلس النواب بحجة حماية الديمقراطية ومراقبة أعمال اللجنة، إلى جانب أصحاب شركات التكنولوجيا، وسماسرة وول ستريت، وقراصنة الأنظمة الذين يحاولون استغلال الموقف للهجوم على أموال المودعين، أضف إلى ذلك شخصية «إمبراطورة التكنولوجيا» المصابة باضطراب الشخصية والتوحد. فى كثير من المشاهد، يعكس يوم الصفر الشهور التى سبقت الانتخابات الأمريكية الأخيرة، على الرغم من التقارير التى أكدت أن العمل تم الانتهاء منه بالكامل قبل رئاسة ترامب الثانية، وقبل أن تترشح كامالا هاريس للرئاسة العام الماضى. لكن يبدو أن حالة عدم اليقين، التى سادت منذ بدأ احتدام السباق الرئاسى العام الماضى، ظهرت بشكل كبير طوال حلقات المسلسل، الذى طغت عليه الألوان الرمادية والإضاءة الخافتة التى تعكس عدم وضوح الرؤية وأجواء المؤامرات، وحتى الإحساس بأن كل الأحداث والعلاقات مثل قطع البازل المبعثرة، خاصة فى مشاهد اعترافات الشخصيات، حيث يختفى فيها الصوت وتبتعد حركة الكاميرا قبل أن تنتقل إلى مشهد آخر. كذلك، ظهرت العديد من اللقطات من زوايا مرتفعة كما لو كانت ملتقطة من خلال كاميرات المراقبة، ما منح المشاهد الإحساس الدائم بأن جميع شخصيات العمل، حتى الرئيس الأمريكى، يتم اختراق حياتهم عبر كاميرات المراقبة، التى تخضع بدورها للنظام الذى تم اختراقه. روبرت دى نيرو لا يمكن إنكار أن اسم روبرت دى نيرو بمفرده يكفى لجذب المشاهدين، خاصة إلى مسلسل يتناول كواليس السياسة الأمريكية، فى الوقت الذى تناقلت فيه الصحف منذ العام الماضى أخبار الخلاف الذى دار بين دى نيرو وترامب، بعد أن وصف الرئيس الأمريكى الممثل الحاصل على جائزتى أوسكار بأنه «غبى ومثير للشفقة»، ردًا على تصريح دى نيرو لمجلة فارايتى بعد الحكم بإدانة ترامب فى التهم ال 34 المتعلقة بتزوير سجلات الأعمال، حيث قال: «العدالة تحققت»، مشيرًا إلى أن ترامب يريد تدمير أمريكا. والحقيقة أن الممثل الحاصل على أوسكار مرتين، والبالغ من العمر 81 عامًا، والذى لمع اسمه فى السينما ويفضل الابتعاد عن المسلسلات التلفزيونية، قدم أداءً مميزًا عكس الحالة النفسية التى يمر بها مولين؛ فهو شخص يعانى من الانهزام والإحساس بأنه خذل الآخرين، لذلك جاء أداؤه هادئًا، لا يميل إلى الصياح أو التصرف السريع، خاصة وأنه يعانى فى لحظات من تشوش الأفكار وتداخل الحقيقة بالتخيلات التى تراوده، وهو ما يصيب المشاهد أيضًا ببعض الارتباك. ومع ذلك، فإن هذه الشخصية، وسط معاناتها، لا تكف عن محاولة إصلاح أخطائها والوصول إلى القرار الأصح، وهو ما يتوافق مع طبيعة «مولين»، التى يصفها الجميع بالنزاهة وتحظى بالاحترام رغم الاختلاف معها. وعلى الرغم من وجود أسماء كبيرة فى المسلسل، إلا أن روبرت دى نيرو استحوذ على نصيب الأسد من المشاهد. لكن بناء بعض الشخصيات جاء مربكًا بعض الشيء؛ فشخصية شيلا، التى قدمتها النجمة جوان ألين، ظهرت للوهلة الأولى وكأنها السيدة الأولى التى تسعى لتحقيق طموحها الشخصى فى أن تصبح قاضية فيدرالية، تاركة زوجها فى انعزاله الاختيارى، بل وتشُك فى لحظة بسلامة قواه العقلية. لكنها فى مشاهد أخرى قدمت أداءً قويًا للزوجة الداعمة لزوجها، التى تغلّب المصلحة العامة على حياتها الشخصية. كذلك، جاء أداء أنجيلا باسيت فى دور الرئيسة الأمريكية مخيبًا للآمال، إذ بدا متكلفًا فى إظهار الحيرة والضغط الواقع عليها، ولم يكن متسقًا مع حالة الثقة فى الأداء التى ظهرت بها فى الحلقة الأخيرة من المسلسل. استطاع مسلسل يوم الصفر، بشكل عام، أن يقدم فى حبكة قوية صورة للظروف السياسية والاجتماعية التى تؤدى إلى حدوث الأزمات الكبرى. ولكن، كما يقول روبرت دى نيرو فى نهاية المسلسل: «فى كل مرة يمكنك أن تفعل شيئًا صحيحًا، تصبح أمامك فرصة لإنقاذ الوطن».