عام 2024 كان عامًا حافلًا بالإنجازات والتحديات فى مجال الطاقة المتجددة، حيث شهد القطاع نموًا ملحوظًا فى الاعتماد على مصادر الطاقة النظيفة مع تسارع الجهود الدولية للحد من تغير المناخ. سجلت الطاقة الشمسية وطاقة الرياح أرقامًا قياسية فى الإنتاج، وشهدت الاستثمارات فى التقنيات الحديثة مثل تخزين الطاقة والهيدروجين الأخضر تقدمًا كبيرًا. ومع ذلك، لم تكن الطريق خالية من التحديات؛ فقد ظهرت تحديات مرتبطة بتقلبات سلاسل الإمداد، وارتفاع تكاليف المواد الخام، فضلا عن الضغوط الجيوسياسية التى أثرت على وتيرة تنفيذ المشاريع. فى هذا السياق، يمثل حصاد 2024 فرصة لتحديد ملامح اتجاهات القطاع لعام 2025 الذى من المرجح أن يكون عامًا أكثر ديناميكية وتطورًا. نظرة فى عام 2024 بنهاية عام 2024، وصلت القدرة الإجمالية للطاقة المتجددة عالميًا إلى نحو 4،700 جيجاوات، بزيادة قدرها 473 جيجاوات مقارنة بعام 2023. شكلت الطاقة الشمسية الحصة الأكبر من الإضافات الجديدة، حيث تمت إضافة 250 جيجاوات لتصل السعة الإجمالية إلى أكثر من 1،200 جيجاوات. تليها طاقة الرياح حيث أُضيف نحو 150 جيجاوات ليصل الإجمالى إلى 1،150 جيجاوات، وتم التركيز على محطات الرياح البحرية. كما شهدت الطاقة الكهرومائية نموًا معتدلًا بإضافة 35 جيجاوات قدرات جديدة، مما رفع الإجمالى إلى 1،450 جيجاوات. وتم إضافة أنواع أخرى (الكتلة الحيوية، الطاقة الحرارية الجوفية) بحوالى 38 جيجاوات. وشهدت الاستثمارات العالمية فى قطاع الطاقة المتجددة نموًا ملحوظًا أيضا، حيث تجاوزت الاستثمارات حوالى 1.3 تريليون دولار. واستحوذت الصين على النصيب الأكبر من الاستثمارات (نحو 44٪)، مع تركيز كبير على الطاقة الشمسية وطاقة الرياح. وخصص الاتحاد الأوروبى أكثر من 300 مليار دولار لمشاريع الطاقة النظيفة. كما زادت الولاياتالمتحدة استثماراتها بنسبة 20٪ مقارنة بعام 2023، مع دعم قوى من قانون خفض التضخم. وجذبت تقنيات حديثة مثل البطاريات وتخزين الطاقة استثمارات بقيمة 150 مليار دولار، بزيادة قدرها 30٪ عن العام السابق. بالإضافة إلى استثمارات مشروعات الهيدروجين الأخضر بقيمة 80 مليار دولار لتطوير الإنتاج والبنية التحتية فى القطاع الذى من المتوقع أن تتضاعف هذه الاستثمارات والمشروعات المعلنة بحلول 2030. توقعات الطاقة المتجددة لعام 2025 تتوقع التقارير الدولية المعنية بأسواق الطاقة أن بداية من عام 2025 ستشهد اتجاهات أسواق الطاقة بنوعيها التقليدية والنظيفة تغييرًا وتطورًا جذريًا، سواء من حيث زيادة الطلب العالمى على الطاقة، أو محاولة تحقيق مفهوم أمن الطاقة من خلال تنوع المصادر واستمرار الاعتماد حتى ولو جزئيًا على مصادر الوقود الأحفورى بجانب الطاقات المتجددة. حيث تتسبب الأوضاع الجيوسياسية المتغيرة وتحولات أسعار الطاقة وتذبذب الأسواق إلى زيادة الدفع إلى مسار انتقال الطاقة العالمى نحو الطاقات المتجددة واقتصاد منخفض الكربون تماشيا مع العمل المناخى وتحقيق أمن الطاقة. وفقًا لتقرير الوكالة الدولية للطاقة IEA، من المتوقع أن ينمو الطلب العالمى على الكهرباء بنحو 4٪ فى عام 2025، وهو ارتفاع كبير مقارنة بنمو 2.5٪ الذى شهدناه فى عام 2023. ويمثل هذا بعضًا من أعلى مستويات نمو الطلب على الطاقة منذ عقود. وتشمل أسباب هذه الزيادة فى التنمية الاقتصادية، والطلب على مراكز البيانات لدعم تقنيات الذكاء الاصطناعى، وزيادة الاعتماد على المركبات الكهربائية. وفقا للتقديرات يمكن أن يتجاوز توليد الكهرباء من المصادر المتجددة نظيره من الفحم لأول مرة، فى أوائل عام 2025، مع إنتاج متوقع يبلغ 11.220 تيراوات/ساعة من الطاقات المتجددة مقابل 10،690 تيراوات/ ساعة من الفحم، وهو إنجاز كبير فى التحول العالمى. حيث يتوقع أن ترتفع حصة الطاقة المتجددة فى إنتاج الكهرباء العالمى إلى 35٪، مقارنة ب30٪ فى عام 2023. وتصل حصة الطاقة الشمسية وطاقة الرياح معا مجتمعتين إلى 18٪ من المزيج العالمى للكهرباء، مقارنة ب13٪ فى عام 2024. مدفوعا بزيادة القدرة الإنتاجية للطاقة المتجددة عالميًا بمعدل يتجاوز 8٪، مع إضافة أكثر من 500 جيجاوات من السعة الجديدة، مع التركيز على مشاريع الطاقة الشمسية الفتوتوفلتية وطاقة الرياح. مع استمرار انخفاض تكلفة تقنيات الطاقة المتجددة بنسبة تتراوح بين 5-10٪، نتيجة التطورات التكنولوجية وزيادة الإنتاج وقدرة المشروعات. تم تقييم حجم سوق الطاقة المتجددة العالمية بنحو 1085 مليار دولار أمريكى فى عام 2024 ومن المتوقع أن يصل من 1101.27 مليار دولار أمريكى فى عام 2025 إلى 2271.20 مليار دولار أمريكى بحلول عام 2033، مما يدل على معدل نمو سنوى مركب بنسبة 9.47٪ خلال الفترة المتوقعة (2025-2033). وتستمر الصين فى الهيمنة على سوق الطاقات المتجددة تليها الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبى. أما فيما يخص منطقة الشرق الأوسط فتتصدر السعودية والامارات ومصر المشهد، وتواصل كلا منهم فى رسم أهدافها وتطلعاتها فى انتقال الطاقة بحلول عام 2050. ثورة الهيدروجين العالمية فى عام 2024، أصبح الهيدروجين أحد الأعمدة الأساسية للتحول نحو الطاقة النظيفة، خاصة فى قطاعات الطاقة الثقيلة كثيفة استهلاك الطاقة والصناعة. مع زيادة الاستثمارات فى مشروعات الهيدروجين الأخضر، يسعى العالم إلى تسريع التوسع فى هذا القطاع لتحقيق أهداف الحياد الكربونى بحلول عام 2050. حيث أعلنت حوالى 60 دولة على مستوى العالم عن خططها واستراتيجيتها للهيدروجين منخفض الكربون والهيدروجين الأخضر منها إعلان 19 استراتيجية جديدة فى عام 2024. وبلغت عدد المشروعات المعلن عنها لعام 2024 مشروع بشأن الهيدروجين الأخضر ومشتقاته (الامونيا والميثانول). ومن المتوقع أن ينمو الطلب العالمى إلى 100 مليون طن عام 2025. يصل الهيدروجين منخفض الكربون منها إلى 49 مليون طن سنويا بحلول عام 2030، مما يتطلب استثمارات ضخمة وتطورات فى مجال السياسات. ومتوقع أن تفوق الاستثمارات العالمية فى مجال الهيدروجين 80 مليار دولار خلال عام 2025. مدعوما بالبحث والتطوير التكنولوجى ومحاولات خفض التكاليف وصولا لعام 2030 لينافس وبشدة مع الهيدروجين المنتج من الوقود الأحفورى وتصل تكلفته حينها إلى 2 دولار / كجم هيدروجين. وتتصدر أوروبا السوق العالمى للهيدروجين بحوالى (25٪) وأمريكا اللاتينية (15٪) والولاياتالمتحدة (15٪) من الإنتاج المحتمل للمشروعات وصولا لعام 2030، وفقا للمشروعات المعلنة. التقنيات الناشئة بحلول عام 2025، من المتوقع أن تكون التقنيات الرقمية والذكاء الاصطناعى (AI) فى طليعة الثورة التكنولوجية التى تُحدث تحولًا فى قطاع الطاقة. يتوقع الخبراء أن هذه التقنيات ستسهم بشكل كبير فى تحسين فعالية واستدامة أنظمة الطاقة، بدءًا من إدارة الشبكات الكهربائية وصولًا إلى التنبؤ بأنماط الطلب وتحسين كفاءة استهلاك الطاقة. كما أن الذكاء الاصطناعى سيكون محركًا رئيسيًا فى تحسين إدارة الشبكات الكهربائية بشكل أكثر فاعلية وكفاءة، خاصة فى ظل التحول نحو الطاقة المتجددة والتى تشهد تقلبات فى الإنتاج. من المتوقع أن تصل الاستثمارات العالمية فى الذكاء الاصطناعى لقطاع الطاقة إلى 10 مليارات دولار أمريكى بحلول عام 2025. كما يُتوقع أن يبلغ حجم سوق تخزين الطاقة المدعوم بالذكاء الاصطناعى حوالى 6.5 مليار دولار أمريكى. حيث يفترض أن تقنيات الذكاء الاصطناعى ستسهم فى تحسين كفاءة الشبكات بنسبة تصل إلى 15٪ فى إدارة التقلبات فى الطاقة المتجددة، وفقًا لتوقعات الوكالات الدولية للطاقة. مصر وتوقعات نمو الطاقة المتجددة لعام 2025 تُعد مصر واحدة من الدول التى تبذل جهودًا كبيرة لتحقيق التحول إلى الطاقة المتجددة، وذلك فى إطار استراتيجية مصر للطاقة المستدامة 2035. حيث تمثل الطاقة المتجددة مكونًا أساسيًا فى استراتيجية مصر لتحقيق الحياد الكربونى وتقليل الاعتماد على الوقود الأحفورى. وشهدت الفترة الأخيرة تطورًا ملحوظًا فى مشروعات الطاقة المتجددة والهيدروجين الأخضر لتحقيق هدفها لتصبح مركزا إقليميا للطاقة. شهد عام 2024 توقيع عدد من مشروعات الطاقة الشمسية وطاقة الرياح مع شركات دولية رائدة لإضافة قدرات تصل إلى 10 جيجاوات بحلول عام 2030. كما تم افتتاح محطة ابيدوس للطاقة الشمسية نهاية 2024 بقدرة بلغت 560 ميجاوات. كما تم توقيع عدد من مذكرات التفاهم واتفاقيات لإنتاج الهيدروجين الأخضر ومشتقاته وخاصة فى المنطقة الاقتصادية لقناة السويس. حيث يمكن أن تصل قدرات الطاقة المتجددة لمشروعات الهيدروجين الأخضر إلى 100 جيجاوات بحلول عام 2030. حيث تعتبر مصر فى المرتبة الأولى عربيًا فى عدد مشروعات الهيدروجين المعلنة أو المخطط تنفيذها تقريبا 33 مشروع. وخلاصة القول أن عام 2025 سيكون عام ديناميكى من حيث عدد مشروعات الطاقات المتجددة المتنوعة وكذلك مشروعات الهيدروجين الأخضر وستستمر الدول فى العمل على تحقيق أهدافها وزيادة اعتمادها على الطاقات المتجددة مع تطور تقنيات التخزين وأنظمة البطاريات، وبالتأكيد سيعمل التطور التكنولوجى للمحللات الكهربية وتقنيات تحلية المياه على خفض تكلفة انتاج مشروعات الهيدروجين، ومع الاستمرار فى مسارات العمل المناخى العالمى لمواجهة تغير المناخ ستستمر الطاقة المتجددة فى النمو. ومن بين الدول النامية ودول المنطقة تعمل مصر عى جذب مزيد من الاستثمارات والعمل على حسن استغلال مصادرها المتجددة وموقعها الجغرافى لتلعب دور حيوى فى المنطقة فى مجالات انتاج ونقل وتصدير الطاقة والهيدروجين وخاصة للأسواق الأوروبية. *باحثة بالمركز المصرى للفكر والدراسات الاستراتيجية ينشر بالتعاون مع المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية