«غزالة» تؤرق تمثال نهضة مصر.. واقعة بدأت بجدل على «فيس بوك» وانتهت بتدخل وزير الثقافة

تمثال ذهبيّ اللون لغزالة أمام حديقة الحيوان، من ناحية شارع مراد، تحديدًا في الركن الواقع بجانب باب النهضة، نسبةً إلى تمثال النحات محمود مختار الأيقوني «نهضة مصر»، أثارت الغزالة غضب روّاد مواقع التواصل الاجتماعي، فكيف لها أن تقف أمام تمثال عمره 100 عام، شاهدًا على كل ما حدث في مصر، ويصفه الشعراء بأنهُ «تمثال بكل التماثيل».
«إزاي تشوشروا على تمثال نهضة مصر؟»، هكذا بدأت الاعتراضات على توسط تمثال الغزالة ميدان النهضة، إذ طالب الكاتب الصحفي، سيد محمود، وزير الثقافة، الدكتور أحمد هنّو، بالتدخل الفوري لإزالة التمثال من الميدان، للحفاظ على الهوية البصرية للميدان والفراغ المحيط بالتمثال التاريخي.
اتفقت معه د. سهير حواس، أستاذ العمارة والتصميم الميداني، إذ قالت في تصريحات ل«المصري اليوم»، إن الفراغ العام في محيط تمثال نهضة مصر لابد أن يخلو من أي تشويش، مضيفةً أن «تمثال الغزال يقف على أحجار أسمنتية، وهي أحجار لن تحتمل العوامل والمؤثرات الجوية، بعكس تمثال محمود مختار الخالد، والذي يقف على قاعدة جرانيت (زي الألماظ)»، مؤكدة «مينفعش يبقى عندنا ألماظ ونحط جنبه ألومنيوم.. مفيش أي تناسب بين التمثالين، حتى وإن كانت غزالة رقيقة».
وتابعت «حواس» في تصريحات ل«المصري اليوم»: «بوابة النهضة مسجلة تراث حضاري، كنا نحب نشوف ترميم وصيانة هذه البوابات بصورة جميلة، دون تشويش عليها. أعمدة إضاءة. كأننا بناخد الانتباه من تمثال نهضة مصر ونديه لحاجة تانية. حرم التراث الحضاري لابد أن يخلو من أي تشويش».
كما اعترض الفنان التشكيلي محمد عبلة على صفحته على «فيسبوك»، متسائلًا: «من المسؤول عن وضع مجسم الغزالة أمام تمثال نهضة مصر؟»، مطالبًا بتوضيح من وزارة الثقافة والسياحة بشأن ما حدث.
بعد ساعات من الجدل حول تمثال الغزالة الذهبية، تدّخل وزير الثقافة، الدكتور أحمد هنّو، وأمر بإزالة التمثال فورًا، وفقًا لتصريحات الكاتب الصحفي سيد محمود ل«المصري اليوم»: «اتصل بي السيد وزير الثقافة، مؤكدا تحرك الوزارة ممثلة في جهاز التنسيق الحضاري مع محافظة الجيزة لإزالة تمثال الغزالة الذي نشرت صورته».
كما أشار الوزير إلى حرص الوزارة على التنسيق مع محافظ الجيزة والمحليات للعودة لوزارة الثقافة في كل ما يتعلق بعمليات تجميل الميادين، مؤكدًا أن الوزارة تعمل على إعادة صياغة الهوية البصرية للحديقة التي تمر بشارع النهضة بين حديقة الأورمان وحديقة الحيوان وكلية الهندسة بالتنسيق مع المحافظة.
تدخُل وزير الثقافة، هو تسلسل طبيعي لقرار سابق صدر من مجلس الوزراء، في عهد المهندس شريف إسماعيل، إذ أصدر في سبتمبر 2016، قرارًا ب«حظر ترميم أو وضع تماثيل أو لوحات جدارية أو أي منحوتات بالميادين العامة بمحافظات الجمهورية إلا بعد الرجوع إلى وزارتي الثقافة والآثار كل فيما يخصه».
قبل 100 عام، بدأت قصة إقامة تمثال نهضة مصر إلى اكتتاب شعبي أجراه الشعب المصري لإقامة التمثال، فلّبى الفنان محمود مختار النداء، ونحت تمثالًا بعنوان «نهضة مصر»، وقدّمه إلى معرض الفنون الجميلة في باريس حيث كان يقيم هناك، وعندما زار سعد باشا زغلول باريس مع رفاقه من الوفد زاروا معرض الفنون الجميلة وشاهدوا التمثال فكتب سعد زغلول إلى مختار يثنى على التمثال.
أرسل سعد زغلول إلى مختار خطابًا جاء نصه «حضرة المصور الماهر مختار، شاهدت المثال الذي رمزت به لنهضة مصر، فوجدته أبلغ رمز للحقيقة، وأنهض حجة على صحتها، فأهنئك على هذا الخيال الواسع، وهذا الذوق السليم، وهذا الفن الساحر، وأهنئ مصر بأنك من أبنائها العاملين على إعادة مجدها، وأرجو الله أن يعين هذه النهضة حتى تبلغ كمالها، فتشفع مثال النهضة بمثال الاستقلال والسلام.. سعد زغلول.... باريس 6 مايو سنة 1920».
واقترح الدكتور حافظ عفيفي، أحد أعضاء الوفد من أمين الرافعي، رئيس تحرير جريدة الأخبار وقتها، أن تتبنى الأخبار تتبنى الدعوة إلى اكتتاب عام لإقامة تمثال النهضة في أحد ميادين القاهرة، واستجاب الرافعي ونشر في اليوم التالي دعوة للاكتتاب بعنوان «نهضة مصر دعوة إلى الأمة المصرية».
استجاب الشعب لدعوة التبرع لإنشاء تمثال نهضة مصر وأكملت الحكومة التكلفة، وأقيم حفل كبير في ميدان باب الحديد المعروف باسم ميدان رمسيس حاليًا لإزاحة الستار علن التمثال والذي تم نقله فيما بعد إلى ميدان جامعة القاهرة عام 1955.
يعتبر تمثال نهضة مصر من أهم أعمال محمود مختار الفنية، ويعتبر رمزًا لمصر الحديثة، ويحمل دلالات سياسية على مطالب الشعب المصري بالاستقلال خلال ثورة 1919، ويمثل فتاة مصرية تقف بجوار أبوالهول ويدها موضوعة على رأسه وتنظر إلى الأمام في إشارة للمستقبل.
يوجد التمثال الآن في مكانه الثاني الذي نُقل إليه أمام جامعة القاهرة في ميدان النهضة الذي سُمى باسمه، وهو عبارة عن تمثال مصنوع من حجر الجرانيت الوردى يصل ارتفاعه إلى 7 أمتار، والذي يرمز به مختار إلى نهضة مصر، وتم وضع صورة للتمثال على العملة النقدية.