في خضم الحرب الوحشية على قطاع غزة منذ ال7 من أكتوبر الماضى، تعصف الانقسامات والتصدعات الداخلية بإسرائيل، لتظهر للعلن خلال الآونة الأخيرة، إذ تسير تل أبيب على مسار العنف والتدمير والاستبدادية، وتنجرف نحو مستقبل أكثر قتامة، تستهلكها الاضطرابات الداخلية في ظل اتساع الشقوق التي تهدد بتفككها. الإثنين الماضى، حذر رئيس حزب معسكر الدولة الإسرائيلى، بينى جانتس، من اندلاع حرب أهلية في إسرائيل بسبب سياسات حكومة بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلى. وجاء الهجوم الذي شنته حركة حماس في ال7 من أكتوبر الماضى في وقت كانت فيه تل أبيب تواجه بالفعل حالة من عدم الاستقرار الداخلى الهائل. حيث سمح النظام الانتخابى في إسرائيل بدخول المزيد من الأحزاب السياسية المتطرفة إلى الكنيست (البرلمان الإسرائيلى). وبعد الانتخابات الأخيرة في نوفمبر 2022، شكل رئيس الوزراء الإسرائيلى، بنيامين نتنياهو، حكومة بدعم من الأحزاب وزعماء اليمين المتطرف، ما أدى إلى وصول قوى كانت مختبئة منذ فترة طويلة من الهامش إلى السلطة. في عام 2023، دفع «نتنياهو» وحلفاؤه من اليمين المتطرف نحو مشروع قانون للإصلاح القضائى يهدف إلى الحد بشكل كبير من إشراف المحكمة العليا على الحكومة. وكان نتنياهو يأمل أن يحميه الإصلاح المقترح من قضية جنائية ضده. وأثار الإصلاح القضائى المقترح احتجاجات ضخمة في جميع أنحاء إسرائيل، وكشف عن مجتمع منقسم بعمق بين أولئك الذين يريدون أن تظل إسرائيل دولة وأولئك الذين يريدون حكومة يمكنها أن تفعل ما يحلو لها تقريبًا. لكن المظاهرات أدت إلى توقف المدن، وهدد جنود الاحتياط بعدم الخدمة إذا تم تمرير مشروع القانون، وألمح المستثمرون إلى أنهم سيسحبون أموالهم إلى الخارج. واعترف العديد من التقدميين داخل إسرائيل بأن وحشية الاحتلال العسكرى الإسرائيلى وضرورات القوة العسكرية المحتلة لها تأثير مفسد على المجتمع الإسرائيلى بأكمله، حسبما ذكرت مجلة «الفورين أفيرز» الأمريكية الصادرة عن «مجلس العلاقات الخارجية». كما أشارت المجلة الأمريكية إلى أن إسرائيل في مسارها الحالى، تنحرف في اتجاه غير ليبرالى إلى حد كبير. ومن الممكن أن يؤدى تحولها اليمينى المتطرف الحالى، الذي يدفعه الساسة، فضلًا عن العديد من ناخبيهم، إلى تحول إسرائيل إلى نوع من الدولة الثيوقراطية القومية العرقية، أي نسخة يهودية من الدولة الدينية في إيران. ومنذ 7 أكتوبر أصبح اليمين الإسرائيلى أكثر تطرفًا. ويرى هؤلاء المحافظون أن إسرائيل تعيش في حالة حرب أبدية، ولا يمكن تصور السلام. ونظرًا لذلك أصبحت إسرائيل بالفعل معزولة على نحو متزايد على المستوى الدولى، ويسعى العديد من المنظمات الدولية إلى اتخاذ تدابير قانونية ودبلوماسية عقابية ضدها. كل هذه الأمور لن تخفى التصدعات والشقوق المتزايدة داخل المجتمع الإسرائيلى. وستفقد إسرائيل بشكل متزايد احتكارها للاستخدام المشروع للقوة، وقد تشتعل الانقسامات إلى حد الحرب الأهلية. ومثال على ذلك المواجهة العنيفة الأخيرة في مركز احتجاز في قاعدة سدى تيمان، قد تنبئ بما ينتظر إسرائيل من مستقبل قاتم، وقد هاجم جنود احتياطيون ومدنيون، بل وحتى نائب برلمانى من أقصى اليمين، أفراد الشرطة العسكرية داخل القاعدة، غضبًا من احتجاز أفراد عسكريين بسبب إساءة معاملتهم معتقلًا فلسطينيًا، وبالتالى قد تصبح مثل هذه الحوادث أكثر شيوعًا. علاوة على ذلك، توجد علامات أخرى للتصدعات والانقسامات بالفعل داخل أجهزة الأمن الإسرائيلية وهى نمو ميليشيات المستوطنين المسلحين، وهو ما سيؤدى في النهاية إلى أن يتحول الأمن إلى نظام مجزأ بلا إشراف أو قيادة موحدة، مع تآكل احتكار الاستخدام المشروع للقوة. وأدت الحرب التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة إلى تفاقم الانقسامات السياسية داخل البلاد، وخاصة بين الجماعات اليمينية التي تدعو إلى اتخاذ تدابير عسكرية وأمنية متطرفة تتجاهل القانون الإنسانى الدولى تمامًا، وبين الجماعات الأخرى التي تدعو إلى اتباع نهج أكثر تصالحية تجاه الفلسطينيين وإقرار صفقة تبادل الرهائن والأسرى وإنهاء الحرب. كما أدت الحرب أيضًا إلى تعميق الانقسامات بين اليهود العلمانيين والمتدينين. وقد أدى الجدل الرئيسى داخل إسرائيل حول ما إذا كان ينبغى إلزام اليهود المتدينين (الحريديم) بالخدمة في جيش الاحتلال الإسرائيلى- كما هو الحال مع كل الإسرائيليين الآخرين- إلى تأجيج هذه التوترات والصدامات. ومن بين الأمور الأخرى، ربما تصبح إسرائيل في حالة خلاف مع نفسها، وتتحول إلى كيان مقسم إلى أجزاء، حيث تعمل عناصر اليمين على بناء دولة بحكم الأمر الواقع، على الأرجح في مستوطنات الضفة الغربية، أو قد تشهد إسرائيل تمردًا للمتطرفين الدينيين، الأمر الذي من شأنه أن يؤدى إلى تقسيم إسرائيل في حرب أهلية عنيفة بين جناح اليمين الدينى المسلح والأجهزة الأمنية. وتعقيبًا على ذلك، قالت رحاب الزيادى، الباحثة بوحدة الدراسات العربية والإقليمية بالمركز المصرى للفكر والدراسات الاستراتيجية، فيما يتعلق بالخلافات الداخلية في إسرائيل، إن مؤشرات الخلاف بين أعضاء الحكومة الإسرائيلية تصاعدت خلال الأشهر الماضية حول استراتيجية إدارة الحرب، وإنذار الوزير، بينى جانتس، لنتنياهو حول الانسحاب واحتمالية انهيار الحكومة، وانعكاسات ذلك على تماسك الائتلاف وشرعيته، كذلك الخلاف حول التوصل لاتفاق مع حماس. وتوجيه الاتهامات لوزير الدفاع الإسرائيلى، يوآف جالانت، نظرًا لرؤيته للاتفاق المطروح على طاولة المفاوضات باعتباره يُمهد الطريق لصفقة لإعادة الرهائن، والانتقادات الموجهة له من جانب وزراء حزب الليكود بمحاولة (جالانت) إسقاط الحكومة». وأوضحت «الزيادى»، ل«المصرى اليوم»، أن نتنياهو يتمسك بخيار القضاء على حماس وقدراتها العسكرية، وإعادة باقى الرهائن وهم نحو 111 فردًا، لافتة إلى أن أزمة تجنيد الشباب الحريديم تعمق حالة الانقسامات والخلاف بين أعضاء الحكومة الإسرائيلية بعد الموافقة على مشروع قانون التجنيد، والذى تم طرحه في الحكومة السابقة، وقد واجه القانون اعتراضات من جانب بعض الأحزاب كون القانون يمثل إيذاء لرجال الدين ويستبعد الشباب من دراستهم. وأضافت أن تخفيض تصنيف وكالة «فيتش» لإسرائيل من (+A إلى A) يعكس حالة عدم الاستقرار الاقتصادى في إسرائيل، والمخاطر المحتملة نتيجة استمرار الحرب في غزة، واحتمالية امتدادها خلال العام المقبل، في ظل إصرار نتنياهو على تحقيق الأهداف المعلنة في بداية الحرب، فضلًا عن التداعيات الاقتصادية التي خلفتها الحرب على القطاعات الأخرى، وارتفاع عجز الموازنة الإسرائيلية بنسبة 7.8% من الناتج المحلى الإجمالى في عام 2024، نتيجة زيادة الإنفاق العسكرى وتضرر الاقتصاد الإسرائيلى جراء هذه الحرب. وتابعت: «علاوة على حالة الخوف من اتساع مدى الحرب إقليميًا، وحالة التأهب التي تعيشها إسرائيل تحسبًا للرد الإيرانى على اغتيال رئيس المكتب السياسى لحركة حماس، إسماعيل هنية، والقائد العسكرى في حزب الله، فؤاد شكر». وأشارت إلى حالة الاستياء الداخلى تجاه قرارات رئيس الوزراء الإسرائيلى. ويدلل على ذلك تصريحات وزير المالية الإسرائيلى السابق، أفيجدور ليبرمان، بأن هذا الفشل الاقتصادى وتراجع التصنيف الائتمانى الإسرائيلى كان نتيجة الفشل العسكرى واستمرار الحرب. ويضاف إلى ذلك ارتفاع عدد الجنود الإسرائيليين المصابين جراء الحرب إلى أكثر من 10 آلاف جندى.