كنت أسمع عن الحكاية فى القاهرة، فلا أكاد أصدقها، وحين ذهبت إلى دمشق الأسبوع الماضى رواها لى شهود عليها، وكان كل واحد فيهم طرفاً فيها بشكل مباشر! والحكاية بدأت عندما كنت مع أصدقاء مصريين وسوريين فى مقهى على جبل قاسيون، الذى يطل على العاصمة السورية، ويبدو مشهد دمشق من هناك كما يبدو بالضبط مشهد القاهرة من فوق جبل المقطم مع فارق بسيط أو غير بسيط لا أعرف، وهو أن الجو فى فضاء العاصمة السورية ليس معبأ بالدخان والتراب والهباب، كما هو الحال عندنا، ولكنه رائق إلى حد بعيد لدرجة أنك تستطيع أن ترى امتدادات المدينة ليلاً بوضوح كامل! ومع ذلك فليس هذا موضوعنا، وإنما الموضوع أن صديقاً من الحاضرين همس فى أذنى فقال: لا تندهش إذا فوجئت الآن بأن الدكتور بشار الأسد، رئيس الجمهورية، يجلس على مائدة مجاورة مع زوجته وأولاده، ويتبادل التحية بالإشارة باليد مع رواد المطعم ثم يصافح بعضهم عند حضوره وعند مغادرته! وفى أيام تالية سمعت الحكاية نفسها من آخرين فى أكثر من مطعم وفى أكثر من مقهى.. وكان الجميع وبعضهم عرب محايدين تماماً يروون حكايات عن مرات كثيرة كانوا خلالها فى هذا المطعم مرة أو فى ذلك المقهى مرات، فإذا بالرئيس مع أفراد أسرته يأخذ مائدة فى ركن ويتناول عشاءه وينصرف فى هدوء دون أن يكون هناك أمن ولا حواجز ولا بروتوكول ولا طوارئ فى المكان من النوع الذى يخنق الملايين فى بلدنا كلما مر مسؤول هنا أو هناك! وفى يوم كنا مدعوين إلى «القرية الشامية» المجاورة للمطار وشاءت الصدفة أن نكون ونحن ذاهبون إليها على اتجاه من الطريق، بينما موكب الرئيس بشار الأسد والملك عبدالله على الاتجاه الآخر فكان بيننا وبينهما أمتار ولم يحدث أن تم وقف الطريق باتجاهيه قبلها بساعات ولا اختنقت المدينة ولا تعطلت مصالح الناس ولا ظلوا محبوسين فى سياراتهم بالساعات، كما يعانى أغلبنا فى كثير من الأحيان! وكنت مدعواً إلى قاعة تعزف فيها فرقة موسيقية من الأطفال الموهوبين، وبعدها عرفت بالصدفة أيضاً أن اثنين من بين أعضائها هما من بين أبناء الرئيس ولم تقع عينى فى الطريق إلى القاعة، ولا خارجها، على إجراءات أمن استثنائية تدل على أن للرئيس ابنين من أبنائه، يعزفان مع زملائهما فى داخلها! يتصرف بشار الأسد، كما رأيت، ثم سمعت، ببساطة طبيب عيون اشتهر بها حين كان لايزال طالباً فى الطب، ثم طبيباً متخرجاً فى جامعة دمشق. الصورة عندنا على النقيض، وربما تكون المفارقة المدهشة والمحزنة معاً أنها لا تتعلق بالرئيس بقدر ما تتصل بالدكتور أحمد نظيف، وهذا موضوع آخر، سوف أعودإليه غداً بإذن الله.