«هنا معى مصطفى جميليف قائد التتار الأوكرانيين وهم من السكان الأصليين في أوكرانيا وهم موطنهم جزيرة القرم، موطن المسلمين لقرون، التتار الأوكرانيون كانوا ويجب أن يظلوا جزءا من المجتمع الإسلامي في العالم، وهم يعانون من الغزو الروسي، وأغلبية من يعانون من القمع في جزيرة القرم هم مسلمون»، بهذه الكلمات سعى الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، لإيجاد قاسم مشترك بين قادة الدول العربية والإسلامية وبين قضية بلاده في حربها مع روسيا، خلال كلمته في القمة العربية ال 32 المنعقدة في جدة اليوم. وأكد زيلينسكي قبل توجهه لجدة أن: «زيارته ستناقش صيغة للسلام وحماية المسلمين في أوكرانيا وعودة السجناء من القرم»، ليطرح ذلك تساؤلا حول من هم مسلمو التتار وما تاريخهم في القرم؟. لا توجد إحصائية رسمية حديثة عن تعداد التتار المسلمين في جزيرة القرم، لكن وفق إحصائيات صدرت في مطلع القرن الواحد والعشرين فإن تتار القرم ذا الأغلبية المسلمة نحو 12% من سكان شبه جزيرة القرم، ويبلغ عددهم نحو 243 ألف نسمة من عدد السكان، فيما ذكرت وكالة «رويترز» عام 2014 أن السكان المسلمين التتار يبلغ تعدادها 300 ألف نسمة بما يشكل حوالي أقل من 15% من سكان القرم. تاريخ التتار المسلمين وأصل وجودهم في القرم يعود الوجود التتري في القرم إلى بداية القرن الثالث عشر، حين أصبح معظم سكان شبه جزيرة القرم من التتار وفي القرن الرابع عشر تبنى تتار القرم دين الإسلام. وفي عام 1443، أسس الحاج كِراي أو غيراي الأول «خانية القرم» وتمركزت في مدينة باخشيساراي، ويعد الحاج غيراي من سلالة القبيلة الذهبيّة أي من سلالة جنكيزخان، وبالتالي فإن «خانية القرم» تعد إحدى الدول المنبثقة عن تفكك الإمبراطورية المغولية. وكانت تتمتع تلك الخانية بسلطة واسعة حتى إنها شنت عدد من الغارات على إمارة موسكو وقتما كانت تلك الإمارة ناشئة قبل أن تتأسس الإمبراطورية الروسية على يد الإمبراطور إيفان الرابع أو كما يلقب ب إيفان الرهيب. ومع توسع الإمبراطورية العثمانية أصبحت خانية القرم تابعة للنفوذ العثماني، ودارت سلسلة من الحروب بين الإمبراطورية العثمانية والإمبراطورية الروسية لبسط السيطرة على جزيرة القرم. وكانت آخر تلك الحروب التي اندلعت بين عام 1768 إلى عام 1774، وانتهت بتوقيع معاهدة «كيتشوك كاينارجي» والذي بموجبها استقلت خانية القرم عن الدولة العثمانية، سرعان ما ضمت الإمبراطورية الروسية خانية القرم في 1783 في عهد حكم الإمبراطورية الروسية كاثرين العظيمة. ومنذ ذلك الفترة تحول دور التتار من حكام إلى محكومين، وظلت جزيرة القرم مسرح دولي تتنافس عليه القوى العظمى، بدى ذلك واضحًا في حرب القرم التي اندلعت في القرن التاسع عشر، من 1853 إلى 1856، واصطفت فيها القوى الغربية بزعامة فرنسا وبريطانيا مع الدولة العثمانية للحد من التوسع الروسي، وانتهت بهزيمة روسيا، لكن ظلت روسيا مسيطرة على أراضي القرم. التتار في القرن العشرين.. اضطهاد وترحيل وفي القرن العشرين تعرض سكان القرم وخاصة التتار المسلمين لسلسلة من عمليات التهجير والقمع، مع صعود الاتحاد السوفيتي، فمع اندلاع الثورة البلشفية، أعلن تتار شبه جزيرة القرم عن قيام جمهورية مستقلة، وظلت تلك الجزيرة هي المعقل الأخير المناهض للثورة البلشفية. لكن بعد انتصار البلاشفة باتت شبه جزيرة القرم جمهورية القرم الاشتراكية السوفيتية المتمتعة بالحكم الذاتي في عام 1921، تخلل ذلك موجات قمع قام بها الزعيم السوفيتي وقتها جوزيف ستالين للتتار. الموجة الثانية من القمع بدأت مع اندلاع الحرب العالمية الثانية، واجتياح النازيين للجزء الغربي من الاتحاد السوفيتي وسيطرتهم في عام 1940 على شبه جزيرة القرم. لكن مع هزيمة النازيون في الحرب واستعادة الاتحاد السوفيتي سيطرة على جزيرة القرم في عام 1944، بدأت موجة أكثر حد من قمع التتار بزعم تعاونهم مع النازيين، وتم تهجير حوالي 200 ألف شخص في غضون ثلاث أيام من 18-20 مايو 1944، قسرا إلى سيبيريا وآسيا الوسطى وقد مات بسبب الوحشية، ما يقرب من 8 آلاف تتري أثناء الترحيل، بينما لقى عشرات الآلاف حتفهم في وقت لاحق بسبب ظروف المنفى القاسية، أدى تهجير تتار القرم إلى إخلاء حوالي 80 ألف منزل عائلي. وظلت شبه جزيرة القرم جزءا من روسيا حتى عام 1954 عندما أهداها الزعيم السوفيتي من أصل أوكراني نيكيتا خروشوف، إلى جمهورية أوكرانيا السوفيتية لاسترضاء الأوكران. العودة من المنفى ورفض الوجود الروسي وبدأ التتار في العودة من المنفى خلال حقبة الثمانينيات والتسعينيات، حتى أصبحوا يشكلون في إحصائية في عام 2001، ما يقرب من 243 ألف نسمة، بعد أن كانوا يشكلون حوالي 38 ألف نسمة في عام 1989. وفي 2014 تبنى البرلمان الأوكراني قرارا يعتبر تتار القرم السكان الأصليين لشبه جزيرة القرم، على أن تعمل أوكرانيا بموجبه على تحريرهم وتنميتهم في المجالات العرقية والثقافية واللغوية بوصفهم مواطنين أوكرانيين. ويشكل الروس أغلبية سكان شبه جزيرة القرم بنحو 58% من السكان مع وجود عرقيات أخرى من أوكران وتتار، فيما يميل أغلبية التتار إلى دعم أوكرانيا على حساب روسيا. وعند سيطرة روسيا على شبه جزيرة القرم في عام 2014، عارضت الأغلبية الساحقة من «تتار القرم» ضم روسيا الإقليم، وصوت حينها المجلس الأعلى لتتار القرم لصالح السعي لإقامة «منطقة حكم ذاتي عرقي»، كما قاطعوا الاستفتاء على ضم روسيا للقرم.